محل لبيع القطع التراثية في بغداد
اعتادَ الشاب العراقي دُريد السفار تجهيز مختلف أَنوَاع البضائع في متجره لبيع المقتنيات التراثية وسط بغداد مطلع كل رمضان إلى زبائنه ممن لم تغرهم التكنولوجيا مهما تطورت عن إهمال هذه التقاليد التراثية.
ويأتي هؤلاء الزبائن من مختلف محافظات العراق حتى إن بعضهم ممن تغرب عن وطنه لم يتوان عن استذكار زينة شهر رمضان، فعمل السفار على إيصال كل ما يصنعه بإتقان وحرفية تراثية إلى بلدان أوروبا أيضا.يحمل السفار شهادة التصميم من كلية الفنون الجميلة، لذلك استطاع توظيف شغفه بهذا الفن من خلال تصميمه بعض الأدوات لإعادة إحياء التراث لدى معظم البيوت العراقية التي لا يخلو بعضها من الركن الرمضاني الذي تُجمع فيه بعض المقتنيات التراثية مثل الهلال والفانوس وبعض أواني الفخار أو الزجاج التي تزينها عبارات الترحيب بهذا الشهر الفضيل وتصاميم المواد التراثية التي تمثل أجواء رمضان.
السفار وظّف شغفه بالفن لإعادة إحياء التراث لدى معظم البيوت العراقية
تصميم شخصية "المسحراتي" الذي كان في الماضي يوقظ الصائمين لتحضيرهم لوقت السحور قبل اختراع المنبهات وتطور التكنولوجيا، وحوله شخصيات تمثل الأطفال المحتفلين بترديد أغنية "ماجينا الرمضانية"، والسجاد العراقي ذو الألوان الزاهية، وما يعرف بـ "الطبك" المستخدم كإناء لحفظ الخبز والفاكهة، و"السماور" لغلي الماء وعمل الشاي، والمروحة اليدوية المصنوعة من سعف النخيل، وشخصيات الفرق البغدادية الغنائية التي أصبحت عادة على غرار عادة شجرة الميلاد، كما وصفها دريد السفار.
السماور لغلي الماء وعمل الشاي
ربط الأجيال
لم توقف جائحة كورونا العوائل عن تجهيز هذه المقتنيات التراثية خلال شهر رمضان، فأصبحت حاجات أساسية لتعميق الشعور لدى الجيل الحالي بمدى جمال وأصالة التراث بعد أن اتجه معظمهم إلى الإلكترونيات وما يطلبه عصر التحديث.
ويشكو معظم التجار وأصحاب المحلات من الإغلاق الجزئي الذي فرضته السلطات العراقية، والذي تسبب في فقدان معظمهم عددا من الزبائن، واعتماد الآخرين على التوصيل المنزلي.
القطع والتحف التراثية تلقى رواجا في شهر رمضان
والعقبة الأخرى تتمثل في افتقادهم للورش والمصانع التي تصمم المقتنيات التراثية بحرفية، على الرغم من البطالة المستشرية بين الشباب، لذلك يلجأ معظمهم إلى مصانع خارج العراق لصنع تصاميمهم التي تحتاج إلى جودة أفضل.
يقول السفار "كان الدافع الأساسي لتصميم شخصيات ومواد تراثية تمثل صورة شهر رمضان هو فتح قناة تواصل بين الماضي والحاضر، والحفاظ على التراث العراقي من الاندثار كما اندثرت معظم تقاليدنا ومدننا التراثية حتى تبقى مرتبطة بأذهان أبناء هذا الجيل، كما أن تراثنا غني بالكلمات الجميلة التي تنقش على التٌحف والملابس الفلكلورية".
شخصية "المسحراتي" الذي يوقظ الصائمين قبل وقت السحور
فن الشناشيل البغدادية
بفرشاة للرسم وأصباغ بمختلف أنواعها، تزين إيناس العاني الزجاج بحروف عربية ولوحات تعكس روح التراث العراقي و"الشناشيل" البغدادية التي تزين سقوف وواجهات معظم البيوت والفنادق والمطاعم في كافة أنحاء العراق، حيث تغازل لوحاتها الزجاجية الهوية العراقية لتمتد كجسر يصل بين العراقة والعصر الحديث.
أقامت إيناس دورات تعليمية للمهتمين بهواية الرسم على الزجاج من أجل تشجيع المزيد من الأشخاص على الاهتمام بهذه المهنة، كما تعتقد أن النجاح مرتبط بالاجتهاد وطرح الأفكار المميزة عما هو موجود مع الابتعاد عن الأعمال التجارية المتكررة.
شخصيات الفرق الغنائية البغدادية ترتبط بذكريات العراقيين في الشهر الفضيل
وسط الحديث عن تراث وعادات رمضان لدى العوائل العراقية، تقول شيماء عماد (35 عامًا) إنها عمدت منذ سنوات لتحضير زينة رمضان بوصفها تقليدا توارثته عن والدتها وأجدادها حتى يكاد يكون ركنًا أساسيا في تحضير الطعام والشراب، فهي تصنع كل ما يتعلق بتفاصيل رمضان بالرسم على الأواني والأكواب أو تعليق الفوانيس والإنارة والملابس.
تحيي شيماء بشغف مع الأطفال في عائلتها طقوس رمضان يوميا باعتباره ضيفا عزيزا طال غيابه ليبقى مكرمًا يرافق سهراتهم طوال هذا الشهر، مبتعدين فيه قليلا عن كل ما يشغلهم من مخاوف وباء فيروس كورونا وكافة مشاغل الحياة السياسية والاقتصادية إلى أن يشد رحاله للعام القادم.
لكن بسبب جائحة كورونا، يفتقد العراقيون معظم العادات الرمضانية مثل الزيارات والفعاليات التي اعتادوا عليها خاصة في المناطق الشعبية كلعبة "المحيبس" التي تُقام بعد الفطور وتستمر لساعات متواصلة.