عَنْ الْإِمَامِ الصَّادِقِ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) قَالَ :
لَمَّا أُسْرِيَ بِالنَّبِيِّ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) إِلَى السَّمَاءِ ، قِيلَ لَهُ :
إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَخْتَبِرُكَ فِي ثَلَاثٍ لِيَنْظُرَ كَيْفَ صَبْرُكَ .
قَالَ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) : أُسَلِّمُ لِأَمْرِكَ يَا رَبِّ وَلَا قُوَّةَ لِي عَلَى الصَّبْرِ إِلَّا بِكَ ، فَمَا هُنَّ ؟
فَقِيلَ لَهُ : أَوَّلُهُنَّ ، الْجُوعُ وَالْأَثَرَةُ عَلَى نَفْسِكَ وَعَلَى أَهْلِكَ لِأَهْلِ الْحَاجَةِ .
قَالَ : قَبِلْتُ يَا رَبِّ وَرَضِيتُ وَسَلَّمْتُ وَمِنْكَ التَّوْفِيقُ وَالصَّبْرُ .
فَقِيلَ لَهُ : وَأَمَّا الثَّانِيَةُ ، فَالتَّكْذِيبُ وَالْخَوْفُ الشَّدِيدُ ، وَبَذْلُكَ مُهْجَتَكَ فِي مُحَارَبَةِ أَهْلِ الْكُفْرِ بِمَالِكَ وَنَفْسِكَ وَالصَّبْرُ عَلَى مَا يُصِيبُكَ مِنْهُمْ مِنَ الْأَذَى وَمِنْ أَهْلِ النِّفَاقِ وَالْأَلَمِ فِي الْحَرْبِ وَالْجِرَاحِ .
قَالَ : قَبِلْتُ يَا رَبِّ وَرَضِيتُ وَسَلَّمْتُ وَمِنْكَ التَّوْفِيقُ وَالصَّبْرُ .
فَقِيلَ لَهُ : وَأَمَّا الثَّالِثَةُ ، فَمَا يَلْقَى أَهْلُ بَيْتِكَ مِنْ بَعْدِكَ مِنَ الْقَتْلِ : أَمَّا أَخُوكَ عَلِيٌّ فَيَلْقَى مِنْ أُمَّتِكَ الشَّتْمَ وَالتَّعْنِيفَ وَالتَّوْبِيخَ وَالْحِرْمَانَ وَالْجَحْدَ وَالظُّلْمَ وَآخِرُ ذَلِكَ الْقَتْلُ .
قَالَ : يَا رَبِّ قَبِلْتُ وَرَضِيتُ وَمِنْكَ التَّوْفِيقُ وَالصَّبْرُ .
فَقِيلَ لَهُ : وَأَمَّا ابْنَتُكَ : فَتُظْلَمُ وَتُحْرَمُ وَيُؤْخَذُ حَقُّهَا غَصْباً الَّذِي تَجْعَلُهُ لَهَا ، وَتُضْرَبُ وَهِيَ حَامِلٌ وَيُدْخَلُ عَلَيْهَا وَعَلَى حَرِيمِهَا وَمَنْزِلِهَا بِغَيْرِ إِذْنٍ ، ثُمَّ يَمَسُّهَا هَوَانٌ وَذُلٌّ ، ثُمَّ لَا تَجِدُ مَانِعاً وَتَطْرَحُ مَا فِي بَطْنِهَا مِنَ الضَّرْبِ وَتَمُوتُ مِنْ ذَلِكَ الضَّرْبِ .
قَالَ : إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ! قَبِلْتُ يَا رَبِّ وَسَلَّمْتُ وَمِنْكَ التَّوْفِيقُ وَالصَّبْرُ .
فَقِيلَ لَهُ : وَيَكُونُ لَهَا مِنْ أَخِيكَ ابْنَانِ : يُقْتَلُ أَحَدُهُمَا غَدْراً وَيُسْلَبُ وَيُطْعَنُ تَفْعَلُ بِهِ ذَلِكَ أُمَّتُكَ .
قَالَ : يَا رَبِّ قَبِلْتُ وَسَلَّمْتُ إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ وَمِنْكَ التَّوْفِيقُ لِلصَّبْرِ .
فَقِيلَ لَهُ : وَأَمَّا ابْنُهَا الْآخَرُ : فَتَدْعُوهُ أُمَّتُكَ لِلْجِهَادِ ثُمَّ يَقْتُلُونَهُ صَبْراً وَيَقْتُلُونَ وُلْدَهُ وَمَنْ مَعَهُ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ ثُمَّ يَسْلُبُونَ حَرَمَهُ ، فَيَسْتَعِينُ بِي وَقَدْ مَضَى الْقَضَاءُ مِنِّي فِيهِ بِالشَّهَادَةِ لَهُ وَلِمَنْ مَعَهُ ، وَيَكُونُ قَتْلُهُ حُجَّةً عَلَى مَنْ بَيْنَ قُطْرَيْهَا فَيَبْكِيهِ أَهْلُ السَّمَاوَاتِ وَأَهْلُ الْأَرَضِينَ جَزَعاً عَلَيْهِ ، وَتَبْكِيهِ مَلَائِكَةٌ لَمْ يُدْرِكُوا نُصْرَتَهُ ، ثُمَّ أُخْرِجُ مِنْ صُلْبِهِ ذَكَراً بِهِ أَنْصُرُكَ وَإِنَّ شَبَحَهُ عِنْدِي تَحْتَ الْعَرْشِ ، يَمْلَأُ الْأَرْضَ بِالْعَدْلِ وَيُطْبِقُهَا بِالْقِسْطِ ، يَسِيرُ مَعَهُ الرُّعْبُ يَقْتُلُ حَتَّى يُشَكَّ فِيهِ .
فَقَالَ : إِنَّا لِلَّهِ ! فَقِيلَ لَهُ ارْفَعْ رَأْسَكَ . فَنَظَرْتُ إِلَى رَجُلٍ أَحْسَنِ النَّاسِ صُورَةً وَأَطْيَبِهِمْ رِيحاً (الْمَهْدِي عَجَّلَ اللَّهُ تَعَالَى فَرَجَهُ) ، وَالنُّورُ يَسْطَعُ مِنْ بَيْنِ عَيْنَيْهِ وَمِنْ فَوْقِهِ وَمِنْ تَحْتِهِ ، فَدَعَوْتُهُ فَأَقْبَلَ إِلَيَّ وَعَلَيْهِ ثِيَابُ النُّورِ وَسِيمَاءُ كُلِّ خَيْرٍ حَتَّى قَبَّلَ بَيْنَ عَيْنَيَّ ، وَنَظَرْتُ إِلَى الْمَلَائِكَةِ قَدْ حَفُّوا بِهِ لَا يُحْصِيهِمْ إِلَّا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ . فَقُلْتُ : يَا رَبِّ لِمَنْ يَغْضَبُ هَذَا وَلِمَنْ أَعْدَدْتَ هَؤُلَاءِ ؟ وَقَدْ وَعَدْتَنِي النَّصْرَ فِيهِمْ فَأَنَا أَنْتَظِرُهُ مِنْكَ وَهَؤُلَاءِ أَهْلِي وَأَهْلُ بَيْتِي وَقَدْ أَخْبَرْتَنِي مِمَّا يَلْقَوْنَ مِنْ بَعْدِي وَلَوْ شِئْتَ لَأَعْطَيْتَنِي النَّصْرَ فِيهِمْ عَلَى مَنْ بَغَى عَلَيْهِمْ ، وَقَدْ سَلَّمْتُ وَقَبِلْتُ وَرَضِيتُ وَمِنْكَ التَّوْفِيقُ وَالرِّضَا وَالْعَوْنُ عَلَى الصَّبْرِ .
فَقِيلَ لِي : أَمَّا أَخُوكَ فَجَزَاؤُهُ عِنْدِي جَنَّةُ الْمَأْوَى نُزُلًا بِصَبْرِهِ ، أُفْلِجُ حُجَّتَهُ عَلَى الْخَلَائِقِ يَوْمَ الْبَعْثِ وَأُوَلِّيهِ حَوْضَكَ ، يَسْقِي مِنْهُ أَوْلِيَاءَكُمْ وَيَمْنَعُ مِنْهُ أَعْدَاءَكُمْ وَأَجْعَلُ عَلَيْهِ جَهَنَّمَ بَرْداً وَسَلَاماً ، يَدْخُلُهَا وَيُخْرِجُ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنَ الْمَوَدَّةِ ، وَأَجْعَلُ مَنْزِلَتَكُمْ فِي دَرَجَةٍ وَاحِدَةٍ فِي الْجَنَّةِ .
وَأَمَّا ابْنُكَ الْمَخْذُولُ الْمَقْتُولُ وَابْنُكَ الْمَغْدُورُ الْمَقْتُولُ صَبْراً ، فَإِنَّهُمَا مِمَّا أُزَيِّنُ بِهِمَا عَرْشِي وَلَهُمَا مِنَ الْكَرَامَةِ سِوَى ذَلِكَ مِمَّا لَا يَخْطُرُ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ لِمَا أَصَابَهُمَا مِنَ الْبَلَاءِ ، فَعَلَيَّ فَتَوَكَّلْ وَلِكُلِّ مَنْ أَتَى قَبْرَهُ مِنَ الْخَلْقِ مِنَ الْكَرَامَةِ ؛ لِأَنَّ زُوَّارَهُ زُوَّارُكَ وَزُوَّارَكَ زُوَّارِي وَعَلَيَّ كَرَامَةُ زَائِرِي وَأَنَا أُعْطِيهِ مَا سَأَلَ وَأَجْزِيهِ جَزَاءً يَغْبِطُهُ مَنْ نَظَرَ إِلَى عَظَمَتِي إِيَّاهُ وَمَا أَعْدَدْتُ لَهُ مِنْ كَرَامَتِي .
وَأَمَّا ابْنَتُكَ فَإِنِّي أُوْقِفُهَا عِنْدَ عَرْشِي فَيُقَالُ لَهَا إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَكَّمَكِ فِي خَلْقِهِ ، فَمَنْ ظَلَمَكِ وَظَلَمَ وُلْدَكِ فَاحْكُمِي فِيهِ بِمَا أَحْبَبْتِ ، فَإِنِّي أُجِيزُ حُكُومَتَكِ فِيهِمْ . فَتَشْهَدُ الْعَرْصَةُ فَإِذَا وَقَفَ مَنْ ظَلَمَهَا أَمَرْتُ بِهِ إِلَى النَّارِ فَيَقُولُ الظَّالِمُ : (وَا حَسْرَتَاهْ عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ) وَيَتَمَنَّى الْكَرَّةَ وَيَعَضُّ الظَّالِمُ عَلىَ يَدَيْهِ وَيَقُولُ : (يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا يَا وَيْلَتىَ لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَاناً خَلِيلًا) . فَيُقَالَ : (حَتَّى إِذَا جَاءَنَا قَالَ يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ) . (وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ) . فَيَقُولُ الظَّالِمُ : (أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِي مَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ أَوِ الْحُكْمُ لِغَيْرِكَ) ؟ فَيُقَالُ لَهُمْ : (أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ ! الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجاً وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ) .
وَأَوَّلُ مَنْ يُحْكَمُ فِيهِمْ مُحَسِّنُ بْنُ عَلِيٍّ (عَلَيْهِمَا السَّلَامُ) وَفِي قَاتِلِهِ ثُمَّ فِي قُنْفُذٍ ، فُيُؤْتَيَانِ هُوَ وَصَاحِبُهُ فَيُضْرَبَانِ بِسِيَاطٍ مِنْ نَارٍ لَوْ وَقَعَ سَوْطٌ مِنْهَا عَلَى الْبِحَارِ لَغَلَتْ مِنْ مَشْرِقِهَا إِلَى مَغْرِبِهَا ، وَلَوْ وُضِعَتْ عَلَى جِبَالِ الدُّنْيَا لَذَابَتْ حَتَّى تَصِيرَ رَمَاداً ، فَيُضْرَبَانِ بِهَا ثُمَّ يَجْثُوا أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ لِلْخُصُومَةِ مَعَ الرَّابِعِ ، فَيُدْخَلُ الثَّلَاثَةُ فِي جُبٍّ فَيُطْبَقُ عَلَيْهِمْ لَا يَرَاهُمْ أَحَدٌ وَلَا يَرَوْنَ أَحَداً فَيَقُولُ الَّذِينَ كَانُوا فِي وَلَايَتِهِمْ : (رَبَّنَا أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلَّانَا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ نَجْعَلْهُمَا تَحْتَ أَقْدَامِنَا لِيَكُونَا مِنَ الْأَسْفَلِينَ) قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : (وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ) ، فَعِنْدَ ذَلِكَ يُنَادُونَ بِالْوَيْلِ وَالثُّبُورِ وَيَأْتِيَانِ الْحَوْضَ فَيَسْأَلَانِ عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) وَمَعَهُمْ حَفَظَةٌ فَيَقُولَانِ اعْفُ عَنَّا وَاسْقِنَا وَخَلِّصْنَا ! فَيُقَالُ لَهُمْ : (فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَقِيلَ هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَدَّعُونَ بِإِمْرَةِ الْمُؤْمِنِينَ) ، ارْجِعُوا ظِمَاءً مُظْمَئِينَ إِلَى النَّارِ فَمَا شَرَابُكُمْ إِلَّا الْحَمِيمُ وَالْغِسْلِينُ وَمَا تَنْفَعُكُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ .
المصدر :
كاملُ الزّياراتِ لإبنِ قولويه : ص332.
البحار : ج28، ص61.