( ذكاء الوالي )
وبلغنا عن الوالي أنه جلس في احدى قباب مدينته, فرأى رجلا ملهوفا مهموما يجول في الطرقات, فأرسل من أتاه به, فسأله عن حاله, فأخبره الرجل أنه خرج في تجارة فأفاده مالا وأنه رجع بالمال الى منزله, فدفعه الى أهله, فذكرت امرأته أن المال سرق من بيتها ولم تر نقبا ولا تسليقا ....
فقال له الوالي: منذ كم تزوّجتها؟
قال: منذ سنة.
قال: أفبكر هي تزوّجتها؟
قال: لا.
قال: فلها ولد من سواك؟
قال: لا.
قال: فشابّة هي أم مسنّة؟
قال: بل شابة.
فدعا له الوالي بقارورة طيب كان يتخذه له حادّ الرائحة, غريب النوع, فدفعها اليه وقال له: تطيّب من هذا الطيب, فانه يذهب همّك.
فلما خرج الرجل من عند الوالي قال لأربعة من ثقاته: ليقعد على كل باب من أبواب المدينة واحد منكم.. فمن مرّ بكم فشممتم منه رائحة هذا الطيب فليأتني به.
وخرج الرجل بالطيب, فدفعه الى امرأته وقال لها: وهبه لي الوالي ....
فلمّا شمّته بعثت الى رجل كانت تحبّه, وقد كانت دفعت المال اليه, فقالت له: تطيّب من هذا الطيب, ان الوالي وهبه لزوجي ....
فتطيّب منه الرجل ومرّ مجتازا ببعض أبواب المدينة, فشمّ الموكل بالباب رائحة الطيب منه, فأخذه فأتى به للوالي, فقال له الوالي: من أين استفدت هذا الطيب فان رائحته غريبة معجبة؟
قال: اشتريته.
قال: أخبرنا ممن اشتريته؟!
فتلجلج الرجل وخلط كلامه.
فدعا الوالي صاحب شرطته, فقال له: خذ هذا الرجل اليك, فامن أحضر كذا وكذا من الدنانير فدعه يذهب حيث شاء, وان امتنع فاضربه ألف سوط من غير رحمة.
فلما خرج من عنده دعا صاحب شرطته, فقال: هوّل عليه وجرّده ولا تقدمن بضربه حتى تؤامرني.
فخرج صاحب شرطته, فلمّا جرّده وسجنه أذعن بردّ الدنانير وأحضرها بهيئتها,
فأعلم الوالي بذلك, فدعا صاحب الدنانير فقال له:
رأيتك ان رددت عليك الدنانير بهيئتها أتحكمني في امرأتك؟
قال: نعم.
قال: فهذه دنانيرك, وقد طلقت المرأة عليك. وخبّره خبرها .....