تعيش الدودة بصورة تكافلية داخل الإسفنج وتسكن الجزء الداخلي منه باستثناء أطراف فروعها، ويصعب تحديد مكانها لدى تشريحه لأنها غير مرئية بالعين المجردة.



جزء من الطرف الأمامي لدودة حية فردية تم تشريحها من الإسفنج المضيف (بونز سيغريل & جلاسبي - جامعة غوتنغن)


قام فريق بحث دولي بقيادة جامعتي غوتنغن (University of Goettingen) ومدريد بوصف التشريح الداخلي الشبيه بالأشجار لديدان تكافلية، أول مرة، واكتشف الباحثون أن الجسم المعقد لهذا الحيوان المثير للاهتمام ينتشر على نطاق واسع في قنوات حيوان الإسفنج المضيف.
ووصف الفريق التفاصيل التشريحية للحيوان والجهاز العصبي لوحداته التناسلية غير المعتادة في بحث حديث نُشر بمجلة‎ "جورنال أوف مورفولوجي" ‎ (Journal of Morphology) يوم 4 أبريل/نيسان الماضي.



يمكن رؤية نهايات خلفية عدة لدودة واحدة كخطوط بيضاء تزحف على سطح الإسفنج (جلاسبي – جامعة غوتنغن)


أغرب دودة على كوكب الأرض

وتعدّ الدودة البحرية المعروفة علميا باسم (Ramisyllis multicaudata) التي تعيش داخل القنوات الداخلية للإسفنج واحدة من نوعين فقط من الأنواع التي تمتلك جسما متفرعا، برأس واحد ونهايات خلفية متعددة، وربما تكون أغرب دودة على هذا الكوكب.
واكتُشفت أول مرة عام 2006، ووصفت رسميا في عام 2012، وعثر عليها في ميناء داروين بأستراليا. وتعيش بصورة تكافلية داخل كل من الإسفنج الأبيض والأرجواني، وتسكن هذه الدودة الجزء الداخلي من الإسفنج باستثناء أطراف فروعها، ويصعب تحديد مكانها لدى تشريح الإسفنج لأنها غير مرئية بالعين المجردة.
توجد هذه العائلة من الديدان متعددة الأشواك في مجموعة من الموائل، وتتحرك بنشاط على الصخور والركائز الرملية، وتختبئ في الشقوق وبين الأعشاب البحرية، وتتسلق الإسفنج والشعاب المرجانية والأعشاب البحرية وأشجار المنغروف.



صورة تبين مدى تعقيد تفرعات هذه الدودة البحرية العجيبة (هامل – جامعة غوتنغن)

وتشغل الأغصان الجانبية القنوات في الإسفنج، وتظهر أطرافها أحيانا في المياه المفتوحة، فيجعل ذلك الإسفنج يبدو كأنه يحتوي على مخالب بيضاء مشعرة. وهي دودة متفرعة ورأسها مخفي بعمق داخل الإسفنج، وتتفرع مرارا وتكرارا، وتشكل بنية ‏تشبه الأشجار. ‏
وتتطور بعض فروع الدودة إلى رئد، وهي عناصر تناسلية تحتوي على البويضات أو الحيوانات المنوية التي تنفصل في ما بعد عن الدودة الأم.


دراسة مفصلة.. أول مرة

الآن، وأول مرة، درس العلماء تشريحها دراسة مفصلة، واكتشفوا أخيرا مزيدا عن هذا المخلوق الغامض وطرحوا مزيدا من الأسئلة عن كيفية عيشه وحياته الغريبة.
جمع فريق البحث عينات الديدان والإسفنج المضيف، وبعضها موجود الآن في مجموعات متحف التنوع البيولوجي بجامعة غوتنغن، ودمجوا تقنيات مثل الفحص المجهري البصري الإلكتروني، والكيمياء المناعية، والفحص المجهري بالليزر متحد البؤر، والتصوير المجهري المحسوب بالأشعة السينية لتحليل العينات.
وتمكنوا من الحصول على صور ثلاثية الأبعاد لكل من أعضاء الديدان الداخلية المختلفة داخل الإسفنج الذي تعيش فيه. وأظهر العلماء أنه عندما ينقسم جسم هذه الحيوانات تنقسم كذلك جميع أعضائها الداخلية، وهو أمر لم يكن معروفا من قبل.



جزء صغير من عينة حية واحدة من الإسفنج المضيف يظهره المجهر الفراغي (بونز سيغريل، أغوادو وجلاسبي – جامعة غوتنغن)

ووفرت النماذج ثلاثية الأبعاد التي تم تطويرها في أثناء هذا البحث بنية ‏تشريحية جديدة لهذه الحيوانات، تتكون من جسور عضلية تتقاطع بين الأعضاء المختلفة ‏كلما كان على أجسامها أن تشكل فرعا جديدا. هذه الجسور العضلية ضرورية لأنها تؤكد أن عملية التشعب ‏لا تحدث في المراحل المبكرة من الحياة، ولكنها تحدث بمجرد أن تصبح الديدان بالغة.
وفضلا عن ذلك، يقترح الباحثون أن هذه "البصمة" الفريدة لجسور العضلات تجعل من الممكن نظريا التمييز بين ‏الفرع الأصلي والفرع الجديد في كل تشعب لشبكة الجسم المعقدة‎.‎
وقد بحثت هذه الدراسة الجديدة في تشريح الوحدات التناسلية المعروفة باسم "ستولونس" التي تتطور في الأطراف الخلفية من الجسم عندما تكون هذه الحيوانات على وشك التكاثر، وهي سمة من سمات عائلة (Syllidae) التي تنتمي إليها.
وتظهر النتائج أن هذه الركائز تشكل دماغا جديدا ولها عيون خاصة بها، وهذا يسمح لها بالتنقل في بيئتها عندما يتم فصلها عن الجسم للإخصاب. ويرتبط هذا الدماغ ببقية الجهاز العصبي عن طريق حلقة من الأعصاب تحيط بالأمعاء.





حل بعض الألغاز

وتوضح الدكتورة مايتي أغوادو كبيرة المؤلفين، من جامعة غوتنغن في ألمانيا، في بيان صحفي للجامعة، "يحل بحثنا بعض الألغاز التي طرحتها هذه الحيوانات الغريبة منذ اكتشاف أول حلقية متفرعة منها في نهاية القرن الـ19″، لكنها تستدرك بالقول "مع ذلك، لا يزال هناك طريق طويل لنقطعه لكي نفهم تماما كيف تعيش هذه الحيوانات الرائعة في البرية".
فعلى سبيل المثال، خلصت الدراسة إلى أن أمعاء هذه الحيوانات يمكن أن تكون وظيفية، ومع ذلك لم يشاهد أي أثر للطعام بداخلها، ولذلك لا تزال قدرتها على إطعام أجسامها المتفرعة الضخمة تمثل لغزا. ومن الأسئلة الأخرى التي أثيرت في هذه الدراسة: كيف تتأثر الدورة الدموية والنبضات العصبية بفروع الجسم؟