في قديم الأزل" هل هي عبارة صحيحة؟
قديم الأزل لفظة شائعة على ألسنة الخاصّة والعامّة، ومعناها التركيبي: الأزل القديم؛ لأنه من باب إضافة الصِّفة إلى الموصوف، نحو: كبار القوم، وصغائر الذّنوب، أي: الذّنوب الصغائر، والقوم الكبار، ومنه قوله تعالى: (إِنَّ هَذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِين) [الواقعة: 95]، أي: اليقين الحقّ. وقد يضاف الموصوف إلى الصّفة أيضًا، كقولهم: المسجد الجامع، وكقول الله سبحانه: (وَمَكْرَ السَّيِّئِ) [فاطر: 43]، وقوله: (وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ) [القصص: 44]، أي: بالجانب الغربيّ، وبحث هذه المسألة مذكور في مبسوطات اللغة وشروح الألفية عند قول ابن مالك:
ولا يضاف اسمٌ لما به اتحدْ
معنًى وأوّل مُوهما إذا وَرَدْ
والبيت في باب الإضافة، وهو في تقرير مسألة إضافة الموصوف إلى الصفة، وللشراح استطراد بعد ذلك في إضافة الصّفة.
هذا هو شرح التركيب من جهة اللّغة، وأمّا من جهة الدّلالة: فالقديم يطلق ويراد به البالي، وما ليس بجديد، وما مضى عليه زمن طويل، وبه يفسّر قوله سبحانه: (حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيم) [يس: 39]، وكذلك الأقدم في قوله: (أَنتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الأَقْدَمُون) [الشعراء: 76]، ويعرّف (الأزل) بأنه ما لا أوّل لوجوده، وبما استمرّ وجوده مع ما مضى من أزمنة لا أوّل لها. وفي (التاج) للزّبيديّ: "والموجود ثلاثة أقسام لها رابع لها: أزليّ أبديّ، وهو الحقّ سبحانه، ولا أزليّ ولا أبديّ وهو الدّنيا، وأبديّ غير أزليّ وهو الآخرة".
وإنّما صحت الإضافة في (قديم الأزل) لتناسب بينهما، فالقديم يطلق على ما تقادم عهده مطلقًا، وأما الأزل فزمانه الماضي غير متناهٍ، فما مضى من معنى الأزلي، وقدم عهده فهو قديم ولو عرف عهده، وما من مضى من الزمان الذي لا يحدّ أوله هو أيضًا قديم، وهذا أيضًا أحد معنيي (الأزليّ).
والمعنى الثاني: الوجود المستمرّ كما تقدّم، فقول الناس: في قديم الأزل، كقولهم: في قديم الزمان، وفي الأزل، ما هو مستمرّ الوجود، وما هو ماض لا يُدرك له ابتداء، وفي بعض أجزائه ما تقادم عهده، فإذا قصد هذا المعنى الأخير قيل: قديم الأزل. وهذا معنى صحيح، ولا جناح علينا في إطلاقه، ولم يزل العلماء يقولونه من غير نكير.