البيانات تُظهر أن التهجين المتعمد واختيار صفات معينة لعبا الدور الأكبر في التنوع المذهل الذي نراه في سلالات الكلاب اليوم
الفروق في الحجم والشكل بين سلالات القطط باهتة جدا وضعيفة مقارنة بالكلاب (بيكساباي)
في الوقت الذي يعترف فيه الاتحاد الدولي للكلاب (Fédération Cynologique Internationale) بوجود 340 سلالة من الكلاب، فإنه يوجد 42 سلالة فقط من القطط يتم الاعتراف بها في الولايات المتحدة، وذلك وفقا لجمعية محبي القطط (Cat Fanciers’ Association).
كما أنه إضافة إلى الفارق الشاسع بين عدد سلالات الكلاب والقطط، فمن الملاحظ أيضا أن الفروق في الحجم والشكل بين سلالات القطط باهتة جدا وضعيفة، مقارنة بالاختلافات الجسدية المذهلة بين سلالات الكلاب.
وظائف القطط والكلاب
لماذا لا تظهر القطط التطرف نفسه في حجم الجسم وشكله كما نلاحظ في سلالات الكلاب؟ تطرح هذا السؤال على موقع "لايف ساينس" (livescience) الكاتبة ميندي ويسبرغ، وتجيب عنه بأنه ربما تكمن الإجابة في الوظائف التي يقوم بها كل منهما.
فقد تم استغلال القطط المنزلية في وظيفة واحدة تقريبا من قبل الإنسان، وهي مكافحة الآفات واصطياد الفئران، وهي وظيفة ملائمة لشكل وحجم أجساد القطط الصغيرة، لذا لم يتم العبث بأحجامها، فأصبح لها المظهر نفسه، وذلك رغم أن سلالة القطط البرية تختلف في الحجم والمظهر عن القطط المنزلية.
أما الكلاب المنزلية فقد تمت تربيتها لعدد مختلف من الوظائف والمهام، مثل الصيد والحراسة والرعي وجر العربات، إضافة إلى أنها تقوم باصطياد وحراسة أنواع مختلفة من الحيوانات.
لذا، فإن هناك أنواعا وأشكالا مختلفة من الكلاب، مثل كلاب الصيد والحقول والرعاة والحراسة والبوليسي ومرافقة المكفوفين والزلاقات، التي تستعمل لجر العربات على الجليد إلى عصرنا هذا.
معظم عمليات الاختيار التي أنتجت سلالات القطط المعترف بها اليوم تمت على مدار 75 عاما الماضية (بيكساباي)
تكاثر انتقائي
اختلف الناس باختلاف بلادهم حول أفضل أنواع أو إمكانيات الكلاب التي تقوم بكل مهمة على حدة، لذلك كان هذا التنوع الكبير في سلالات الكلاب العاملة، حيث يختار المربون أنواع الكلاب التي يقومون باستخدامها بدقة، حتى وصل الأمر إلى تربية كلاب معينة من أجل المظهر والأزياء.
تقول ليزلي ليونز، الأستاذة في كلية الطب البيطري بجامعة ميسوري (University of Missouri)، لموقع "لايف ساينس" إن الأنواع المستأنسة من الكلاب تمت مراقبتها والتلاعب بها بمرور الوقت من خلال التكاثر الانتقائي لإنتاج حيوانات ذات سمات معينة باستمرار.
وتضيف أن الاختلافات غير المتوقعة في مظهر حيوان تمت تربيته، كالحجم غير العادي، على سبيل المثال أو عدم وجود ذيل، أو شعر مجعد أو علامات غريبة؛ هي نتيجة طفرات جينية تظهر بشكل طبيعي طوال الوقت، ثم تستمر هذه العلامات عبر الأجيال بفضل أشخاص يجدون السمة الجديدة جذابة، فيحافظون على وجودها من خلال التكاثر. إن الطفرات تحدث، ولكن البشر يختارون ما يفضلونها.
ووفقا لإلين أوستراندر -كبيرة الباحثين في علم الوراثة والجينوم المقارن في المعهد الوطني لأبحاث الجينوم البشري، في معاهد الصحة الوطنية الأميركية- فإن معظم عمليات الاختيار التي أنتجت سلالات القطط المعترف بها اليوم تمت على مدار 75 عاما الماضية، بينما تتشكل سلالات الكلاب منذ عدة مئات من السنين.
الأنواع المستأنسة من الكلاب تمت مراقبتها والتلاعب بها من خلال التكاثر الانتقائي (بيكساباي)
زملاء عمل قدامى
وعاشت كل من القطط والكلاب جنبا إلى جنب مع الناس قبل فترة طويلة من ظهور سلالات متنوعة ومتميزة لكل منهما.
وتشير الأدلة الهيكلية من غرب روسيا والبقايا التي تم التنقيب عنها إلى أن تدجين الكلاب، أي تكييف الحيوانات البرية للاستخدام البشري، يعود إلى ما لا يقل عن 19 ألف عام، في حين تم تدجين القطط منذ حوالي 10 آلاف عام فقط.
ووفقا لأوستراندر، فإنه مع تطور الشراكة بين الإنسان والكلاب، سرعان ما أدرك الناس أن الكلاب يمكن أن تؤدي مهامها عالية التخصص. ومن خلال التكاثر الانتقائي، بدأ الأشخاص الذين يعيشون في بيئات مختلفة تشكيل الكلاب التي يمكن أن تساعد البشر في البقاء على قيد الحياة.
فرعي الماعز في المناطق الجبلية -على سبيل المثال- يستدعي سمات مختلفة في الكلب عن رعي الأغنام في الأراضي الرعوية، كما أن بعض الناس قاموا بتربية الكلاب لحراسة الممتلكات، أو المساعدة في رفع الأحمال الثقيلة في مزرعة، أو اصطياد أنواع معينة من الحيوانات، مثل الغزلان الكبيرة والقوية، أو الفئران الصغيرة والسريعة.وتقول أوستراندر "تُظهر بياناتنا أن التهجين المتعمد واختيار صفات معينة لعبا الدور الأكبر في التنوع المذهل الذي نراه في سلالات الكلاب اليوم".
بالمقارنة، كانت القطط تلعب عادة أحد دورين في الأسر البشرية، وهي الرفقة أو مكافحة الآفات، وأدت القطط هذه المهام البسيطة إلى حد ما بشكل جيد تماما وبما يتناسب مع شكلها وحجمها، لذلك لم يكن أصحابها يميلون إلى إعادة تشكيل أجسام القطط بشكل كبير.
التهجين المتعمد واختيار صفات معينة لعبا الدور الأكبر في تنوع سلالات الكلاب (بيكساباي)
خطورة التربية الانتقائية
تحذر أوستراندر من عيوب التربية الانتقائية، حيث إن الانتقاء القوي يؤدي غالبا إلى تقليل التنوع الإجمالي. وفي بعض الحالات، تأتي الطفرات المرتبطة بصفات تحديد السلالة مصحوبة بتكلفة وراثية مرتبطة بها، إذ إن بعض الصفات الجسدية المبالغ فيها يمكن أن تتسبب في مشاكل صحية، خاصة في سلالات الكلاب.
وتقول ليونز إنه يتم تتبع نتائج العلماء حول الجينات الوراثية لسلالات القطط والكلاب، لمنع السماح بحدوث الأشياء السيئة التي تأتي مع الأشياء الجيدة التي يريدها المربون.