هكذا اكتسح الإرهاب والعنف والموت الدراما العراقية في رمضان
يوجه المختصون العديد من الانتقادات للأعمال المعروضة دون تجاهل بعض الإيجابيات (مواقع التواصل)
رغم الأعمال الفنية الدرامية والبرامج التلفزيونية الكثيرة التي شهدتها الشاشة العراقية خلال شهر رمضان هذا العام فإن اهتمام العائلة بقي مشدودا إلى القصص العاطفية والاجتماعية التي تطرحها الدراما الخليجية والمصرية، بعيدا عن أجواء الحروب والموت والإرهاب التي تناولتها الدراما العراقية.
ظهرت القنوات الفضائية العراقية هذا العام بإنتاج غزير من الأعمال الفنية مقارنة بالأعوام القليلة الماضية، وجاء أغلبها بطابع ساخن من الأحداث الدموية، لكنها من جانب آخر كشفت عن ظهور جيل فني جديد برز بشكل واضح في أول ظهور له في عدد من الأعمال التي لفتت الانتباه.
مشاكل متفاقمة
يقول الناقد والأكاديمي الدكتور حازم هاشم للجزيرة نت إن "الأعمال المعروضة لا تمتلك خصائص الدراما، حيث لا يوجد نص حقيقي موجه رغم وجود تقنيات الصورة والإخراج، وما يتم عرضه اليوم يتراوح بين البؤس والكآبة، وكلما دخلت الأعمال الفنية في السياسة أصبحت وبالا عليها".
وأضاف هاشم "عدنا لمتابعة الأعمال المصرية بسبب قوة السرد وتسلسل الأحداث وروعة الأداء، وهذا ما لا نجده في الأعمال العراقية التي تبحث وتتناول واقع الخطف والقتل ومشاهد الإرهاب وغيرها من مشاهد العنف".
هاشم يرى أن الأعمال المعروضة سقطت في أخطاء كثيرة
بعد الغزو الأميركي للبلاد عام 2003 -كما يقول هاشم- كان الفضاء مفتوحا، حيث سمح بدخول مشاهد العنف والقتل التي كانت تقطع سابقا، ورافق ذلك ظهور قنوات فضائية وجهات إنتاجية قامت بتقديم صورة المشهد العراقي بشكل بائس وسيئ وبطريقة درامية فجة، ومع غياب الرقابة غاب المعنى والموقف الأخلاقي، بحسب تقدير الناقد والأكاديمي.
ويشير إلى أن بعض الأعمال الفنية تراوحت بين السطحية مثل مسلسل "هوى بغداد" وبين أعمال فنية كأنها منشور على فيسبوك تتحول إلى حوار خال من العمق كما في مسلسل "بنج عام2″، ومسلسل "كمامات وطن"، وحتى مسلسل "الهروب" -الذي يدين تنظيم الدولة الإسلامية- وقع في سقطات كثيرة ولم يكن بالمستوى المطلوب.
معالجة اجتماعية
الدراما ليست انعكاسا فقط، بل محفز لارتكاب الجرائم في حال لم تستطع معالجة الفكرة أو لم تضع لها نهاية واضحة، وهي قادرة أيضا على إعادة منظومة النسيج الاجتماعي من خلال أفكار جديدة تناقش القضايا الكبرى وتضع الحلول المناسبة لها مثل الطائفية والإرهاب، كما يقول الأكاديمي والباحث الاجتماعي الدكتور عدي الشبيب للجزيرة نت.
وفي كل عام من شهر رمضان يحتدم الجدل بين العراقيين حول الأعمال الفنية الدرامية والبرامج التلفزيونية التي يتم تقديمها على القنوات الفضائية بسبب طبيعة تناولها للموضوعات التي تحدث في البلد، وظهرت على مدى سنوات ماضية أعمال فنية تميل بنسبة كبيرة منها للسخرية والهزل، في حين أغرقت أخرى بتفاصيل الحياة اليومية للمواطنين التي لم تخل من الحزن والرعب.
محطات إيجابية
في الجانب الآخر المضيء من الأعمال الفنية العراقية، كان اللافت في رمضان هذا العام ظهور دماء فنية شابة وجديدة وقد أخذت مساحة مهمة من اهتمام المشاهدين مثل مسلسل "طيبة والمنطقة الحمراء"، كما يقول الفنان والمخرج أحمد حسان.
ويضيف حسان خلال حديثه للجزيرة نت "لا يمكن المرور بالدراما الرمضانية لهذا العالم دون الالتفات إلى التطور الواضح في مجال تقنيات التصوير والإضاءة، كما أن انتقال الدراما إلى زمن دخول تنظيم الدولة وما بعده يعد تناولا لمادة لا يختلف عليها اثنان، وهي أكثر ما يمكن رؤيته من إيجابيات في دراما هذا العام".
لكي نصنع دراما إيجابية وناجحة من حيث التأثير النفسي والاجتماعي على الفرد والعائلة- كما يقول حسان- يجب أن تكون هناك مميزات خاصة للدراما، ولعل أهمها أن نخلق بيئة درامية خالية من الطائفية والتنافر الديني والعنف.
بدوره، يرى المخرج السينمائي أيمن الشطري أن الدراما والسينما ليستا مجرد لغة حوارات وشعارات رنانة مباشرة وشخصيات سطحية، إنهما لغة الصورة، الحبكة، الأحداث، الأبعاد، تطور الشخصيات، والبناء الدرامي.
ويضيف الشطري خلال حديثه للجزيرة نت أن الإيجابية المهمة هي ظهور وجوه جديدة لممثلين رائعين، لكن طعنتهم الكتابة والإخراج.
الشطري يرى أن الإيجابية المهمة في مسلسلات رمضان تتمثل بظهور وجوه جديدة لممثلين رائعين
أسباب العنف وجذوره
يشكل العنف نسقا اجتماعيا معروفا في كثير من المجتمعات وليس المجتمع العراقي فقط كما يقول الأكاديمي والناقد الدكتور حازم هاشم، هذا النسق له جذوره التاريخية والسياسية والاجتماعية، والعنف اقترن على الصعيد السياسي منذ ثورة مايو/أيار 1941 ضد الحكم الملكي والتي انتهت بإعدام الضباط الأربعة وتعليقهم على بناية القشلة في وزارة الدفاع من قبل الوصي عبد الإله.
والأمر تكرر في مجزرة الشهداء عام 1948 كما يضيف هاشم، والتي نحر فيها العشرات على جسر الشهداء بعد توقيع الاتفاقية مع بريطانيا، ثم تكرر العنف في أقسى مشاهده عام 1958 بسقوط الحكم الملكي والمجزرة على العائلة المالكة وعملية سحل الوصي عبد الإله.
مشاهد العنف عادت -كما يبين هاشم- في عام 1963 بقتل رئيس الوزراء آنذاك عبد الكريم قاسم، والمجازر التي أريقت فيها الدماء، ثم المجازر في الحروب والإعدامات التي خاضها العراق في عهد حزب البعث بدءا من الحرب ضد الأكراد عام 1974، ليتحول المجتمع للعسكرة في الثمانينيات إبان حرب السنوات الثماني مع إيران، ليعود مشهد العنف في سنوات الحصار بقطع الطرق وعمليات السلب ليصل العنف ذروته بعد عام 2003 وظهور الحرب الطائفية وهيمنة تنظيم القاعدة ثم تنظيم الدولة الإسلامية والفصائل المسلحة بعد ذلك، إضافة إلى أحداث المنطقة العربية، مما خلق ثقافة عنف واضحة.