المخطوطات الملايوية تؤكد عمق العلاقة التاريخية بين المنطقتين الملايوية والعربية، حيث توثق تبادل العلماء الملايويين والعرب الرحلات العلمية لمئات السنين.
باحث يعمل على ترميم المخطوطات في متحف ترينغانو بماليزيا
يؤكد مؤرخون ماليزيون أن مئات آلاف المخطوطات الملايوية موجودة خارج منطقة الملايو، وأن جزءا منها نقله طلاب العلم إلى مناطق أخرى من العالم الإسلامي، بينما استولى على كثير منها الأوروبيون أثناء حقب الاستعمار، التي استمرت نحو 4 قرون ونصف القرن، لا سيما البريطاني والهولندي والبرتغالي.
ويدلل أستاذ تاريخ الملايوية، البروفيسور أمات آدام، على سوء نية المستعمرين، لما وصفه بسرقة التراث الملايوي، كون الذين نقلوا المؤلفات المخطوطة إلى أوروبا كانوا مسؤولين إداريين وعسكريين، ولم يكونوا باحثين أو علماء أو محققين.
وهو ما أكده خبير المخطوطات الليبي، الدكتور عادل عبد العزيز الغرياني، الذي يشرف على برنامج واسع لأرشفة المخطوطات والوثائق التاريخية في جامعة السلطان زين العابدين في ولاية ترينغانو الماليزية، وقد أمضى الغرياني نحو 20 عاما من العمل على تحقيق المخطوطات في ماليزيا.
تسونامي التراث
يقول الغرياني إن زلزال تسونامي عام 2004 دق ناقوس خطر اندثار التراث، وبرأي باحثين آخرين، فإن الخطر لم يتوقف عند الخراب الذي لحق بكثير من المخطوطات؛ بل إنه أسال لعاب جامعي المخطوطات لأهداف مالية وتجارية، وقد وجدوا في آثار الزلزال فرصة لجمع أكبر عدد منها من مكتبات ولاية آتشيه الإندونيسية، التي كانت الأكثر تضررا من تسونامي.
ويرى الغرياني في حديثه للجزيرة نت أن ما يعقّد عملية جمع المخطوطات وتوثيقها، رفض كثير من أصحابها تسليمها للجهات المختصة من أجل ترميمها أو تقديم نسخ عنها لأرشفتها إلكترونيا، باعتبارها إرثا أسريا أو ملكا شخصيا، وصعوبة الوصول إلى المهرّب منها إلى دول أخرى، لا سيما دول الاستعمار السابق.
ويقدر الغرياني عدد المخطوطات الملايوية في الدول الغربية بمئات آلاف النسخ، ولا يرى جدوى في قضايا مرفوعة لاسترجاع المخطوطات المسلوبة، ويفضل التوصل إلى تسويات تسمح بالوصول إليها والحصول على نسخ إلكترونية لها.
ويضيف الغريان أن "معهد بحوث المنتج الإسلامي والحضارة الملايوية" في جامعة السلطان زين العابدين تمكن من الحصول على 30 ألف نسخة إلكترونية من بريطانيا وحدها، وأن العمل جار للحصول على عشرات آلاف النسخ للمخطوطات الأخرى.
مسؤولية التوثيق
قضى أستاذ التاريخ الملايوي البروفيسور أمات آدم 5 سنوات في تحقيق نسخة من كتاب "سلالة السلاطين"، ويقول إنه حصل على نسخة من المخطوط بعد مناقشة رسالة دكتوراه لطالبة روسية قامت بتحقيقها، وإنه استخرج أخطاء كثيرة بعد مقارنة تحقيق الباحثة الروسية بنسخ أخرى للمخطوط في ماليزيا.
ويعكف البروفيسور آدم على تحقيق كتاب مخطوط بالاسم نفسه كتب عام 1612، يؤرخ لمنطقة الملايو قبل الاستعمار البريطاني والهولندي والبرتغالي للمنطقة، ويدعو الله ألا تأتيه المنية قبل الانتهاء من تحقيق المخطوط، وقد دخل في العقد التاسع من عمره، قضى جله في تحقيق المخطوطات.
معهد بحوث المنتج الإسلامي والحضارة الملايوية في جامعة السلطان زين العابدين
ويضيف أن أصل كتاب سلالة السلاطين مفقود، كما لا يعرف اسم المؤلف؛ لكن مؤرخين ملايويين يرجحون أن المؤلف هو صاحب الاسم المستعار "تون سري لانانغ"، ويعني باللغة الجاوية، التي كانت مستعملة وقتذاك، "السيد المكرم"، أو المحمود كما هو باللغة العربية، ويعزو انتحال اسم مستعار إلى عادة كانت معروفة عند المشهورين والمتنفذين من الملايويين لأسباب اجتماعية وسياسية.
رابطة تاريخية
يرى الدكتور داود الهدابي، أستاذ الفلسفة في الجامعة الإسلامية العالمية، أن المخطوطات الملايوية تؤكد عمق العلاقة التاريخية بين المنطقتين الملايوية والعربية، حيث توثق تبادل العلماء الملايويين والعرب الرحلات العلمية لمئات السنين.
ويؤيده في ذلك الدكتور الغرياني، الذي يؤكد على روح الانتماء الواحد لعلماء المنطقتين، ويستشهد بالعالم الليبي الأصل المعروف عبد الله الغدامسي (1892-1975) الذي هاجر إلى بلاد الملايو من أجل العلم، وألف العديد من الكتب باللغة الملايوية كما ألف كثير من العلماء الملايويين كتبا كثيرة باللغة العربية.
ويقارن بين المؤلفات العربية والملايوية، حيث إن العربية اتسمت بسعتها وتصل إلى مجلدات ضخمة، بينما أكثر المخطوطات الملايوية هي رسائل وكتب لا تتجاوز 3 أو 4 مجلدات.
ويعرب كثير من الخبراء في مجال توثيق المخطوطات عن ثقتهم في أن الرقمنة والأرشفة الإلكترونية تشكل فتحا جديدا للباحثين، وأن من شأنها أن تسهل للباحثين من جميع أنحاء العالم الوصول إلى المخطوطات، ومقارنة النسخ ببعضها أثناء عمليات التحقيق، وتحل مشكلة الاحتكار تحت مسمى الملكية الفكرية للمخطوط.