بعد عدة محاولات فاشله للاتصال بها.. تضاعفات إعداد الرسائل على جميع وسائل التواصل لعلها ترفع المكالمة أو تجيب.. لم تدرك حينها كم ستتغير بعد تلك المكالمة.. سمية هي تلك البنت الشقية آخر العنقود المدللة لم تكن تهتم سوى براحة أخواتها وطلبات امها المتكررة لتلبية أوامرهن كانت لديها أربعة بنات يكبرنها.. وأخ واحد.. في غرفة واحدة..ودولاب واحد.. وملابس الأخوات يتم تناقلها كأرث غالي بينهن حتى اعترضت سمية على تلك الخدعة حينما بدأت تفكر بسبب زميلاتها في المدرسة حينما نادوها (بجليسة الأطفال) بسبب أخواتها المتزوجات حيث اغلب الوقت تقضيه بين العنايه بالمنزل وبين أطفال أخواتها حتى في العطل المدرسية.. لم يتسنى لها أن تلعب أو تلهو أو تمارس هوايتها المفضله بالكتابه أو الرسم الا في أوقات الدراسة مما يجعلها تتسابق بين مخيلتها الواسعه وبين حفظها للدروس... لم تفكر يوما ما ستأتي تلك المكالمة من اختها الطبيبة حينما زادت مأسي سمية المسكينة حينما كبرت وقررت أن تتمسك بحياتها وان لا تتزوج كي تنعم ببعض الرفاهية بحياتها بعد زواج آخر اخواتها ولتنصت لصوت الهدوء ولو لمرة واحدة دون ضوضاء وضجيج.. دخلت كعادتها في داخل الخزانة كما كانت تفعل حينما كانت صغيرة لتهرب من صوت امها وهي تناديها لجلب الخبز من المخبز أو لحمل الصغار
استمرت حياتها وهي تساعد أهلها وكانت اخواتها متفوقات اجتماعيا وكان فرحتها بهن كبيرة وتفتخر بانجازاتهن بالرغم من أنهن صاحبات وظيفة وعائله لكن لم يخطر ببالها يوما أن دورها كبير في حياتهن إذ أنها توفر الحمايه لأطفالهن أكثر منهن ... حتى أنها تشعر انهم جزءا منها.. لذى لم تتوانى ابدا في أخذهم بنزهات حينما حصلت على أول راتب في وظيفتها باجر زهيد كل ما كانت تحلم به أن تكون طيبة وسعيده
لم تحلم أن تلبس قلائد التفوق كما فعلت اختها الطبيبه أو تستثمر طاقاتها في إنجاز البحوث كما فعلت اختها صاحبة الدكتوراه في الكيمياء ولم ترسم في مخيلتها أن تضاهي اختها المهندسة في وظيفتها ولا تلك المعلمة التي انتهت بنهج والدتها في التربية الإسلامية... بل على العكس أخذت في حياتها المقارنه مأخذ كبير حينما تعاقبها إحدى المدرسات بأن تقول "كانت اختك مفخرة المدرسة انتِ لا تشبهين احد منهن.. كلهن متفوقات.. لما انتِ لستِ مثلهن؟"
لم تتعجب سمية لهذه المفارقات فهي دوما ما تسمع من الجميع هذا الكلام عدا والدتها... كانت الوحيدة التي تتفهم حالتها و سعة مخيلتها.. كانت تنظر لها كأنها لوحة الموناليزا.. لم تكن تحلم في خيالها بأم كأمها... حتى صديقاتها كانوا يقولون لها أن لك أماً مميزة ذات شخصية فريدة تحبك وتحترمك.. كانت تقدرها جدا لذى لم تتوانى سمية يوما عن مساعدة والدتها في مشاق الحياة حتى تم تزويج الجميع وبقت مع والدتها التي استأثرت بوحيدتها فنبتت داخل امها نوازع غريبة.. نوع من التملك فأخذت تحرص على وجودها بجانبها وان لا تتركها ابدا حتى بدأت الايام تمضي وتكبر يوم بعد يوم بدأت بنات الأقارب من الأعمام والإخوال بالزواج ولم تكن سمية ترغب بأي أحد ضمن محيطها لعلمها جيدا أن لا أحد يفكر بنفس طريقتها ولا يمكن أن تندمج مع أي منهم.. حتى ذات يوم التقت بتلك الروح الفريدة لتندمج وبسهولة معها تحدثت عن همومها وما يخالجها من أفكار.. بانت عليها ملامح الحب أيقنت والدتها أن ابنتها مغرمة بشخص ما.. وكالعادة هي الصديقة المقربة لوحيدتها لذى قررت أن تفاتحها بموضوع الزواج لعلها تعترف لما كل هذه الطاقة وما سر الينبوع الذي يغدق سمية فرحا.. انه سرها الوحيد الذي لم تكتمه.. أخبرت امها حينما سكنت الطيور في اعشاشها و بات الجو باردا ذات يوم في الشتاء اقتربت من الموقد واحتضنتها امها بقوة "سمية... . يا شمس البيت انتي؟ أراكِ مندمجة في كتاباتك جداً حتى بدأتِ تجتنبين مجالستي أو الحديث معي؟ هل هناك شيئ ما تخفيه عن امك حبيبتك؟"
لم تكن سمية على دراية بما يخبأه لها القدر في تلك اللحظة لم تفكر سوى بأنها قد استسلمت لتلك اليد التي تداعب شعرها منذ الصغر وبحنية الأم الرؤوم التي لم تشد عليها في الدراسة يوما ما أو في العمل بالعكس كانت تجذبها إليها دوما من مبدأ المساعدة وان سمية هي الأفضل في إنجاز الأعمال لم تكن تدرك تلك المسكينة انها مجرد خدعة كبرت معها وفيها لتصبح الأفضل حقا في الأعمال المنزليه وتربية الأطفال.. رغم كل ذلك لم تندم على عمل سوى أخبار والدتها بمشاعرها نحو شاب صارحها بحبه لها ولكن هناك فوارق بينهما قد لا تسمح بأن يكون قدرها.. لم تكن تتوقع رد فعل والدتها التي طالما وقفت بجانبها... صمتت ولم تحدثها عن المستقبل الواعد لقصة حبها سوى اخبرتها أن الوقت قد تأخر ولتذهب للنوم عسى أن القادم أفضل... جرت الأمور بسرعة لم تكن تدرك ما يحاك لها.. بدأت والدتها ترتب مشاوير مع صديقاتها القدامى وتحضر المجالس وتذهب للنزهات و تأخذ معها ابنتها وتعرفهن عليها.. لم تدرك مع الوقت انها حيلة جديدة من آلام لتزوجيها حتى أخبرتها امها أن الضيوف الذين جاؤوا اليوم من أجل معاملة التقاعد لتوسيط أخيها في تسريع المعاملة ما هي إلا خدعه لكي تراها صديقة والدتها التي تعتزم تزويج ابنها... انصدمت وأخذت تلطم وتبكي وترثي حال قلبها المتيم بشاب آخر كيف لها الحق في قتل روحها بهذه العادات والتقاليد الباليه كيف لها أن تجعلها أضحوكة كل ذاك الوقت... أين مبدأ التربيه على الصراحة والصدق ثم تصدمها بهذا الخبر؟ حينها تغيرت ملامح الأم الرحيمة ذات القلب الحنون إلى أخرى لم تشاهدها الا حينما كانت طفله بنت الثامنه وقتها انهالت عليها بالضرب فقط لأن سمية لم ترتدي الثوب ذو الياخه الطويله الذي خاطته لها بسبب اكمامه الطويلة وخشونة ملمسه.. لم تدرك انها ضرباتها لم تكن مؤذية بقدر ما اهانتها أمام الجميع.. نفس الشعور راودها اليوم.. لم تقتنع لفكرة الثوب.. كذلك لم تقتنع ان تكون مجرد بضاعة ذات جودة عالية تقدم وقت التسليم للأفضل.. انهارت وتألمت واعتكفت عن الجميع حتى جاء يوم خطبتها كأنه آخر يوم لها في العيش كأنسانه.. غيرت هندامها دخلت حاملة أكواب الشاي قدمتها واعتكفت في زاوية بعيدة عن الأنظار جل ما تفكر فيه أن تهرب بعيدا عنهم.. تحاول الفرار لسنوات.. تتذكر جيدا كيف اخذ والدها أوراق تقديمها للكليه وأغلق الباب بوجهها حينما ثارت غضبا عليه وهي تسب وتشتم يوم ولادتها كأنثى في هذا المنزل.. لم يتردد والدها في قهرها كعادته بأنها الوحيدة بين جميع اخواتها العنيدة المتماهية بخيالها حيث اعتبر هذا الشيء عيب وليس صفة.. استمرت والدتها بتهديدها كل يوم بكشف سرها لوالدها إذا لم توافق على الخطبة حينها سوف لن تكتف بقتلها وسريان الدم عند بوابه الهلع بل سوف تخرب بيوت اخواتها العامرة... كالضوء مرت بذاكرتها تلك الأحداث كما
مرت الايام والسنوات وتلك الذكريات في رأسها الممتلئ بالحسرة لما تحمله روحها من جمال و أفكار لا تتسع لأكثر من الكتابة بورقة منطويه ودفتر قديم لا أحد يطلع عليه سواها.. استمرت ولأعوام معاناتها في الحياة بسبب الوضع المعيشي الصعب لم يكن يعتبر مشكلة بالنسبة لها لان الحياة نفسها لم تقتنع بها فتقبلتها رغما عنها بكل النتائج.. لم تك على دراية انها ستأخذ هذه المكالمة على محمل الجد بعد أن طرقت بابها والدتها تحمل لها المعونات الشهرية لمساعدتها هي وأطفالها لتستمر في إنجاح مشروعها الفاشل الذي أعلنت بعد ان وجدت انها اختارت لبنتها التعاسه الابديه
حينها أغلقت الباب سمية ولأول مره بعد كمية المشاكل المتدفقة كنهر جار في حياتها وقررت أن تعتكف على صغارها الشيء الوحيد الصح والذي تفخر به دوما كونها ام لهما.. حينما أعلنت أن فلذة اكبادها هم كل ما تملك وستقاتل حتى الموت من أجلهم
رن الهاتف (الو.. سمية.. كيف حالك صغيرتي؟) مكالمة واردة من اختها الطبيبة لم تكن دوما تسأل عنها إلا في المناسبات.. ردت كالعادة بضحكتها النقية(بخير كيف حالك عزيزتي؟ كيف حال أولادك وزوجك وبيت عمك.. عمك المفضل دوما لدي) بدأت المحادثة عادية جدا حتى أخبرتها بمدى أسفها على أحوالها التي تغيرت نحو الأسوء بسبب فقد زوجها لعمله حينها حلت تلك الكلمات(ألم أخبرك دوما أن تدرسي؟ ألان انظري لنفسك انت أين وصديقات دراستك أين؟ الطبيبة والصيدلانيه انتي خريجة ماذا؟ دوما كنتي تسمعين صوت رأسك تماما كأبنتي التي احادثها أن لا تكون مثلك يوما ما بسبب ما تعانيه اليوم) كانت الدهشه مرسومة على وجه سمية... هل أصبحت مثال سيء للأولاد....تساءلت في نفسها... أجابتها بكل عفويه(انتي على يقين اني لم أسعى لهذا... هي الحياة تعاكس أحلامنا) (اي احلام؟ عيشي الواقع عزيزتي.. انتي لم تجتهدي ويا خوفي أن تكون ابنتي تعيد خطاكِ)
(ماذا سأقول وابي وقف حائلا بيني وبين رغبتي... لكن صدقيني كل شيء سيتغير يوما ما.. عندي امل بالله أكبر مما تضنون)
(ونحن نتمنى لك ذلك.. اتمنى ان تنجحي في حياتك وتحققي ما تريدين.. ان تفتتحي محل للكيك أو أي شيء.. والأفضل قدمي للهجرة طالما ما زلتي شابة فقد تنالينها ماذا لديكِ هنا لتخسريه.؟)
(نعم... شكرا لك على النصيحة.. هل من أمنيات أخرى؟)
(لا عزيزتي اني اتكلم من مصلحتك.. تصبحين على خير)
أغلقت سمية المكالمة.. كأنها كانت مكالمة العمر... لم يمر شريط حياتها بسرعة هكذا كما مر عليها اليوم... كانت تغسل أواني العشاء وهي تفكر بتلك المكالمة.. لعل هناك صدقا في حديثها.. لم لم اجتهد؟ ما كان لدي؟ بمن كنت مشغولة؟ حتى تذكرت كل تلك الأيادي الصغيره التي كانت تلاحقها وهي تلاعبهم وتداعبهم لليأكلون ثم لتروي لهم حكايات قبل النوم... كل هذا مر أمامها... لم تدرك اخواتها كل النجاح الذي هم فيه اليوم... بسبب تلك اليد.. نفس اليد.. هناك يد صغيره راحت تشد على يدها.. لتلتفت وإذا بصوت الملائكة ( امي... أمي.. عطشة اريد ماء) التفت سمية لابنتها وقبلتها واحتضنتها بقوة ونظرت لعينيها متسائلة (اعتقد أنني أنجزت أكبر أحلامي.. ان اكون ام سعيدة اهتم بشؤون حياتي دون أن اعير اهتمام لكل المخاطر التي مررت بها لوحدي.. لم احمل مسؤولية أولادي لأحد.. كنت دوما لوحدي... لم استند على يد أحد غير يدي... لذى اعتقد اني أنجزت عائله.. وهو أعظم ما قد فعلته بحياتي) كانت تحادث نفسها وهي تعانق ابنتها حتى فاقت من تلك اللحظة بعد أن رن الهاتف... وإذا بها مكالمة لم يرد عليها... نظرت متجاهلة مِن مَن؟
أغلقت الهاتف..وامسكت بيد صغيرتها متأملة في حاضرها ومستقبلها في عيون تلك الجميلة كلها امل بأن ترعى هذه اليد بصبر وقوة وعزيمة وتحقق ما حلمت به يوما ما... ان تهبها الحرية الحقيقية في إختيار واقتناء ما تتمنى مهما كلف الأمر.
لذى هناك بعض المكالمات لا تستحق الوقت للإجابة... فمن الأفضل أن تبقى ضمن التي لم يرد عليها.