بيدٍ واحدة.. صانع سُفن شهير يعيد مركبا شراعيا محطما إلى الحياة
مريم آل عبد العال - تاروت 6 / 5 / 2021م - 10:00 م
أثار منظر سفينة خشبية قديمة محطمة في فناء منزل حمية أشهر صانع سُفن في المنطقة الشرقية؛ الحرفي علي ناصر الشطي ”أبو ناصر“ ليقرر ”إعادة إحيائها“ تقديرا لصانعها الأول الذي يكن له الاحترام.
السفينة المعنية التي كانت تحفة فنية من طراز مراكب ”الشوعي“ كانت آخر السفن التي صنعها أحد أقدم الحرفيين في القطيف المرحوم حسن العوجان، من جزيرة تاروت قبل 57 عاماً.
وعاصر الحاج العوجان حقبة الغوص بحثا عن اللؤلؤ في مياه الخليج أواسط القرن الماضي، فاشتغل في الغوص كما كان ”نهّاماً“ يتغنى بالمواويل البحرية في فرقة دارين.
السفينة المحطمة التي أثارت الأسى لدى الشطي، أشهر صانع مجسمات السفن اليوم، أثارت أيضا تصميمه القوى على إعادة إحيائها على حد تعبيره.
وقال ”أبو ناصر“ خلال لقاءه بجهينة الإخبارية: ”كان القارب موجوداً في مجلس أحد أبناء المرحوم العوجان، وتحديداً ابنه عبد الله حيث شاهدته لأول مرة، معلقاً على جهاز التلفاز، إلا أنني رأيته بعد فترة من الزمن معطوباً وملقاً في فناء المنزل، تأثرت بالموقف.. لذا قمت بالمبادرة بإعادة ترميمه“.
وفي الحديث عن عملية الترميم قال: ”كان للقارب صور قديمة، وقطع مكسورة، اشتغلت على ترميمها بجهد، لتعود إلى الحياة بهذه الصورة، واستغرقني ذلك ما بين العشرة أيام إلى الأسبوعين“.
وتابع قائلا ”كانت في الحقيقة بعض الأجزاء بالية، كسطح السفينة إذ لم أستطع تثبيت المجاذيف عليه، واستعنت بأحد زملاء الحرفة شافي الحبيل، الذي عاين السطح وكان يحتاج التعديل فعلاً، وسلمني إياه لاستكمال تركيب بقية الأجزاء، وبعد هذه المرحلة بادر الفنان التشكيلي محمد أبو السعود بصباغة القارب بالألوان النارية“.
من جانبه، قال عبدالله، ابن المرحوم العوجان، صانع السفينة المرممة: ”القارب يشكل ذكرى عزيزة على قلبي، فقد صنعه الوالد منذ 57 عام، حيث كان مشهوراً بالنحت على الخشب، ويصنع مجسمات السفن، وكان محتفظاً بها لأن لها ذكرى خاصة، واعتاد على استخدامها كنموذج يحكي من خلاله لأحفاده عن مهنة الغوص ومصاعبها، وعن مواقفه فيها حيث كان يعمل هو الآخر في مهنة“ الغوص ”والسيب“ وهي مهن البحث عن اللؤلؤ في زمانها".
وفي حالة امتنان قال العوجان: ”القارب كان موجوداً في منزل الوالد، ثم قمت بنقله إلى منزلي، ولكن الذي حصل من إهمال أدى إلى سقوطه وتعرضه للكسر، وقد حاولنا ترميمه دون خبرة، وصادف قبل عام أن سأل“ أبو ناصر ”عن القارب، الذي أصبح في حالة يرثى لها، وما كان منه إلا أن بادر متأثراً ليقوم بترميمه، واجتهد وأبدع حتى ظهر بهذه الحلة التي هو عليها الآن، معيداً لنا إرث الوالد، وجميعنا ممتنين له، ولن ننساه“.
ولم يكن ما يميز المبادرة اتقان ”أبو ناصر“ لحرفته فقط، بل كان ذلك لسيرته الحرفية التي التصقت بها حكاية فقده لكفه اليمنى، حيث تعرضت كف ”أبو ناصر“ اليمنى للبتر عام 1986 في حادثة خلال عمله في أحد آبار النفط وسط بحر رأس تنورة، التابعة لشركة ”أرامكو السعودية“ حيث كان موظفاً فيها، وكانت رحلة العلاج الطبيعي بالطرف الصناعي انطلاقة رحلة النحت على الخشب، لينقطع بعدها 30 عاماً ويعود عام 2015 مستخدماً يده اليسرى رغم الصعوبات، مواصلاً فيها حتى اللحظة.
ويعد ”أبو ناصر“ اليوم أشهر صانع سفن في القطيف قد تجاوز إعاقته، ليحترف نحت الخشب رغم الصعوبات، ويقول معلقاً: ”تجاوزت الإعاقة بالإرادة، فالإعاقة في الفكر لا في الجسد، لطالما نقلت لنا قنوات التلفاز قصص من فقدوا كلتا يداهم، وصاروا إما يرسمون بأقدامه، أو يخيطون، أو يمارسون ما يشاءون بإتقان، وأنا فقدت كفي اليمنى، ولكن اليسرى سليمة والعقل كذلك، إنما كانت هنالك مصاعب بالاعتماد على اليسرى ولكن بالصبر واصلت العمل، وهذه هي الحقيقة، لا يأس مع الحياة“.
وفي حديثه عن اكتسابه هذه الحرفة، قال: ”كنت أسكن في صغري على ساحل سنابس، وكان كل من منزله على الساحل غالباً يكون بحاراً ولديه قارب، ووالدي كان كذلك، وكنا نرافقه ونلهو على ضفاف البحر، وهكذا نشأنا هناك، وفي الشتاء وهي الفترة التي لا تدخل في القوارب للبحر لكثر العواصف، فيتم إرساء القوارب بمحاذاة المنازل القريبة من الساحل، ويتم إحضار“ القلاف ”وهو المختص بأمور صيانتها، وكنت أراقبهم منبهراً بطرائقهم في الترميم والإصلاح، وما يستخدمونه من مصطلحات“
وتابع: ”في هذه المرحلة انغرس حب الحرفة في دمي، فقد أخذتها من الواقع والميدان، وكلما كبر عمري ابتدأت تنقرض، إلى أن استبدلت بالفايبر جلاس تدريجياً حتى انتهت، لذلك أحببت أن أصنع كل النماذج التي واكبتها في تلك الفترة من عمري، كما استطعت صنع أي نموذج موجود، وقد تمكنت بالفعل من صنعها جميعاً بمسمياتها ومواصفاتها وبأدق التفاصيل ومنها: الهوري، البلن، السمبوك، الشوعي، الجالبوت، البوم، البقارة، البِتيل، وغيرها الكثير وكل نوع منها له وظيفته داخل البحر فبعضها للغوص والبعض الآخر للصيد أو كلاهما“.