وقفت على رسالة ألفها مؤلفها يشدد فيها النُّكْر على من ينطق الضاد بغير النطق الشائع الآن، وهو النطق الذي تشبه فيه الدال المطبقة، ويذم بعض القراء في ذلك، فأنشدت القصيدة الآتية:
للضَّادِ نُطْقٌ بِه التَّمْيِيزُ مَفْروضُ وما سِواهُ لدَى التَّحْقيقِ مَرْفـوضُ
ونعته الحقُّ في أسفارِ مَن سَمِعوا وشاهَدوا العَرَبَ العَرْباءَ معــــروضُ
فقد تَلَقَّوْهُ عنهم دون شائبَةٍ ونُطْقُهمْ أُنُفٌ والأمرُ إغْريـــــــــضُ ([1])
أقصى اللسان مع الأضراس مخرجه والملتقى منه مفتوح ومقبـوضُ ([2])
مِن حَرْفِ يُمْناه أو يُسْراه مَسْلكُه أومنهما عند بعضٍ وهو مَعْضوضُ ([3])
والضاحكان بأعلى الفكِّ غايتـه وبعدَ ذا لا يمسُّ المقولَ البيــضُ ([4])
يَنسَلُّ مستعلياً ومُطْبَـقاً طَلِقـاً ومستطيلاً إذا يبديه تَنْبِيـــضُ ([5])
وليس من طَرَف اللسانِ يُخرِجُهُ أهلُ الفصاحةِ لكِنْ عنه مَغْضوضُ ([6])
بَلْ جانِبَيْه يُحاذي اللامَ إنْ غَلُظَتْ في الخَلْف لا في الأمام وهو مَقْعوضُ ([7])
لا لِرَباعيَّةٍ والنابِ مِن صِلـةٍ به ولا للثنايا منه تَفْويـــــــــــــــض ([8])
ولا اللِّثات التي تلقاءَ ذَوْلَقِــهِ تحت الثنـايا لها بالضاد تَعْريـضُ ([9])
فالنِّطْعُ عنه بعيد ليس يَبْلُغُــه إلا هواءٌ بِحَرْفِ الظاءِ مَخْضــــوضُ ([10])
لذاك يحسبه مَن ليس يُتْقِنُـه ظـاءً فَيَزعُم أنَّ الصوتَ مَبْعــوض
وإنْ أَحَسَّ به تَفَشِّيًا زَعَمَــــــهْ لامًا مُغَلَّظَةً وذاك تمريـــــــــض ([11])
لم يَدْرِ أنَّ له بِذَيْنِكمْ شَبَــهًا والصوت في أصله يَعْروهُ تَنْويضُ ([12])
لِمَا يُصاحِبُه مَعَ اسْتِطالَتِـــهِ مِنَ الرَّخاوَةِ جَنْباً وهْو مَحْفوضُ ([13])
ولاِنْتِشارِ هواءٍ وامتدادِ مَـدًى للصوت في سَعَةٍ إنْ تَمَّ تَحْويضُ ([14])
لَكنَّه ليس ظاءً بَلْ يُقارِبُهــا وقَوْلُ مَنْ ظنَّه كالظـاءِ مَنْقـــوضُ
فليس ضَلَّ ضَلالاً فهْو مُنْحرِفٌ كَظَلَّ أيْ دامَ والتفـريقُ مفــروضُ
والضادُ قد عَلِموا لولا اسْتِطالتُهُ لكانَ ظاءً صَريحاً فهْو مَمْخـــوضُ ([15])
هذا الذي قاله الأسلاف قاطبةً ومالـه عند أهل العلمِ تَحْمِيـضُ ([16])
وجاء تصديقُه مِن بعدِهمْ ولَهُ أدِلّـَةٌ مالــها نَقضٌ وتَدْحيــــضُ
لذاك كان عسيراً قَلَّ مخلصـه ومالـه عند غيرِ العُرْبِ تمحيضُ ([17])
وقال فيه إمامُ الفنِّ قولتَـــهُ أنْ ليس يَنفَعُ فيه المرءَ تَرْويضُ ([18])
إنْ لم يَكنْ عنده طَبْعٌ يُناسِبهُ أولم ينلْـه من الرحمـن تَقْيِيضُ
وشاع نُطْقٌ يَسيرٌ ذا الزمانَ له مُجانسٌ لحروفِ النِّطْع مَرْضوضُ ([19])
سَهْلٌ على الناسِ مِن عُرْبٍ ومِن عَجَمٍ كأنه عندهم شَهْدٌ وتَعْضُوضُ ([20])
لكنْ نفاه عن الفُصْحَى أئمتُـها لأنـه غيرُ ما يُروَى و مَرْكــــوضُ ([21])
وأجْمَعَ العلماءُ باللغاتِ عَلَـى إنكـارِهِ فهْـو مردودٌ ومَبْغـــــــوضُ
وأَثْبَتوا أنَّ حَرْفَ الضادِ سالفُه قد نالَه الآنَ تَغييرٌ وتَقْـــــوِيــضُ ([22])
وعَوَّضَ الناسُ عنه الدالَ مُطْبَقَهً بلا نزاع فأصلُ الحَرْفِ مَنْفـــوضُ ([23])
فلَيْتَ قراءَنا يَنْأَوْنَ عنه وعَـنْ إبدالِ ظاء به فالحرفُ مَمْحوضُ ([24])
لِيُخلِصوا النطقَ بالضادِ التي وَرَدَتْ مِن قبلُ يصفو بها نثر وتقريض ([25])
ويُتْقِنوا صوتَها المرضيَّ تأديةً والجهرُ بالحقِّ تِبيانٌ وتَحْريــضُ