الوشم هو أحد أشكال الزينة والتزين وهو معروف منذ القدم وعند مختلف الشعوب .. وقد استخدم سابقاً كتعويذة ضد السحر والموت والأرواح الشريرة .. وأيضاً لتحديد الانتماء القبلي وتمييز مجموعة بشرية معينة عن غيرها .
ويتضمن الوشم استعمال أدوات حادة ومواد كيميائية ملونة يتم إدخالها إلى الطبقة الجلدية العميقة مما يضمن بقاءها الطويل . ويترتب على ذلك حدوث الألم والالتهابات وأيضاً انتقال عدد من الأمراض ومنها الإيدز في حال عدم تعقيم أدوات الوخز المستعملة .
وفي العصر الحديث لايزال الوشم يستعمل كوسيلة تجميلية وربما أصبح موضة في بعض المجتمعات والفئات الشبابية .. وفي العالم الغربي وغيره ارتبط الوشم بفئات هامشية ومنها نزلاء السجون وبائعات الهوى .. حيث يمثل الوشم تمرداً وتحدياً للألم ورجولة وقوة وعنفاً بالنسبة للرجال .. فالرجل القوي يمكنه أن يتحمل الألم الناتج عن الوخز بإبرة الوشم ومن ثم يمتلك جسده شكلاً خاصاً مميزاً وفيه العنفوان والقوة والرعب مثل أشكال الجماجم والأفاعي وغيرها مما يخيف ويرعب الآخرين .. وأما بالنسبة للمرأة فهو يمثل إغراءً وفتنة ولفتاً للنظر إضافة لمعاني التمرد والتفلت والقوة .. وقد امتدت عادات الوشم إلى فئات أوسع عامة ولاسيما من فئات الشباب والفتيات في سن المراهقة ومابعدها .. ويبدو أنه لايزال محدود الانتشار في مجتمعاتنا ..
ويلعب تطور أساليب الوشم وأدواته الحديثة والتي تعتبر أقل إيلاماً وخطراً من الأساليب القديمة ، دوراً في انتشار هذه العادات .. كما يلعب التقليد دوره في ذلك . ومما لاشك فيه أن الفئات الشبابية تمر بمراحل في نموها وتطورها وهي تتسم بتجريب كل جديد كما تتسم بالمغامرة والتمرد والخروج عن التقاليد .. وربما يكون ذلك مرحلة مؤقتة عند كثيرين .
ومن النواحي النفسية العميقة يتضمن الوشم نوعاً من " المازوخية " أو التلذذ بالألم الجسدي ، وأيضاً يتضمن رفضاً للجسد ومشاعر نقص، إضافة للرغبة في لفت انتباه الآخرين وحب الظهور والتميز والتفرد .. كما أن الرغبات الاستعراضية الجسدية تبدو واضحة من خلال كشف أجزاء معينة من الجسم لاتكون مكشوفة عادة .. وفي ذلك استعراضية ونرجسية وإغواء جسدي بالنسبة للمرأة والرجل معاً .
وتتنوع مضامين أشكال الوشم ومنها أشكال مبسطة مثل إسم الحبيب أو الحبيبة أو الأحرف الأولى منه، وأشكال حيوانات مفترسة أو مخيفة ، وأشكال غريبة أو تزيينية . وبعضها يملأ الجسد بكامله ، وبعضها في مناطق محددة
وتبقى دلالات الأشكال متنوعة ولكن تغلب فيها إيحاءات العنف والقوة بالنسبة للرجل ، وإيحاءات متنوعة بالنسبة للمرأة . ولابد من التأكيد أن إظهار إيحاءات القوة والعنف مثلاً لا يعكس بالضرورة واقع حال الشخص ،وربما يلجأ الشخص الضعيف الخائف إلى إظهار ما ليس فيه .. حيث يعطيه ذلك نوعاً من الطمأنينة والأمان .
وبالطبع تختلف الأذواق والأمزجة والموضات .. وبعضهم يسرع لتجريب أي جديد .. وبعضهم يجرب وشماً معيناً لفترة زمنية ثم يبحث عن عملية إزالة ذلك الوشم وتجريب غيره .. وبعضهم يندم على فعلته ويحلف أن لايعيدها ..
وبعضهم يفضل الكتابة على الجسد بالقلم العادي أو الرسم بالألوان المائية أو الزيتية.. وربما كان ذلك نوعاً من اللعب والتجريب العابر ..
وأخيراً .. يبقى الجمال الجسدي حلماً ومطلباً يبحث عنه الإنسان .. ولابد من الرضى عن الذات وقبولها ، ولابد من تنمية الشخصية المتوازنة المتكاملة والسعي إلى تعديل نقاط ضعفها بشكل إيجابي مثمر ، ولابد من الاهتمام بالأعمق والأروع .. وليس بالشكل على حساب المضمون والجوهر ، ولابد من بناء الجسم الصحيح الجميل والعناية به وإصلاح مايمكن إصلاحه فيه دون تطرف أو إهمال .. بعيداً عن البحث في صرعات الموضات والتقليعات الغريبة ومشكلاته