دينا سليم من مواليد حي المحطة بمدينة اللد العام ١٩٥٧، لعائلة كادحة تحب العلم وتقدر الثقافة، تلقت تعليمها الابتدائي في مدارسها، وانتقلت الى يافا، عروس فلسطين، التي كثيرًا
ما زارت وتمتعت ببحرها الجميل وكتبت عنه، تخرجت من مدرستها الثانوية، ثم درست في جامعة تل ابيب، وبعد ذلك التحقت بدار المعلمين في نتانيا وتخصصت باللغة الانجليزية، وعملت مدرسة للغتين العبرية والانجليزية في مدينتها اللد، التي ما زالت وستظل تسكن روحها ووجدانها وقلبها رغم الغربة، ثم درست علم النفس في جامعة حيفا، واشتغلت اخصائية ذهنية لطلاب عسيري التعليم، وبعد ثلاثين عاماً تقاعدت وتفرغت للكتابة التي تحبها حتى درجة العشق.
تركت دينا سليم اللد بعد زواجها وانتقلت للعيش والسكن في قرية أبو سنان الجليلية، لكنها عاشت حياة زوجية كلها معاناة وشقاء وقلق وتوتر وكوابيس، وفي النهاية اختارت الانفصال عن زوجها والهجرة الى استراليا، حيث تعيش وتعمل في فعاليات دورية ثقافية، وتقضي جل وقتها في القراءة والكتابة والاعلام.
شغفت دينا سليم بالأدب والكتابة والقراءة منذ نعومة اطفارها، وكانت أولى بواكيرها قصيدة كتبتها وهي في الصف الثالث الابتدائي، فلقيت التشجيع والرعاية من معلميها الذين طالبوها وحثوها على الاستمرار في مشوارها الادبي لانها تملك موهبة ابداعية حقيقية، لتصبح شاعرة المدرسة، وفي الحادية عشرة من عمرها كتبت العديد من القصص القصيرة والطويلة، وأشرفت على صدور مجلة طلابية، لكنها بعد ارتباطها توقفت عن الكتابة وصمتت طويلاً لظروف قاهرة واضطرارية، لكنها عادت لتكتب وتبدع بكثافة وغزارة، ونشرت كتاباتها في ”الاتحاد” و”كل العرب و”ليدي” ومن ثم نشرت في الدوريات العربية في الخارج وفي مواقع الشبكة الالكترونية.
وبعد صمت طويل ومخاض خرجت روايتها الأولى “الحلم المزدوج ” الى النور، ولقيت ترحيبًا واهتمامًا نقديًا وادبيًا تجلى في الكتابات والمراجعات التحليلية والاستعراضية في الصحف والمجلات المختلفة.
يقول الكاتب والروائي غريب عسقلاني عن دينا سليم: “مبدعة فلسطينية، خرجت من عباءة الليل، تصر أن تبدأ من حيث انقطعت عن وشيجة الفيض، غزيرة مثل نبع الربيع، تعوض ربع قرن من صمت قسري او قل حبس اضطراري / انفرادي، فيضها مثل ماء نبع الجبل الذي ينفجر الماء عن مخزون ماء المطر الزلال في باطن الصخر، يحمل من خواص الماء أعذبه ويحمل من خواص الروح الألق، ويحمل من شظايا العذاب واشد فجيعة”.
ما يميز نصوص وأعمال وكتابات دينا سليم إنها تقدم نفسها بفنية عالية وتلقائية عفوية، وتحلق في فضاء مختلف لا يشبه احداً، ومنسوجة بلغة شاعرية رشيقة مميزة وعذبة، وبأسلوب خاص جديد عصري في آليات الكتابة الابداعي السردية، ويمكن القول انها تكتب القصة والرواية بلغة الشعر.
تناولت دينا سليم في قصصها ورواياتها وحكاياتها وخواطرها حنينها إلى النبع الأول، إلى الأسرة والطفولة واللهو في أزمة وشوارع وأحياء مدينتها، وبين أحضان والدها الذي شجعها ووقف إلى جانبها، وكان يحضر لها الأوراق من مكان عمله لتكتب عليها ما يجود به الفكر والقلب والروح، وشكل موته صدمة كبيرة أخذتها إلى عالم الكتابة، فكتبت ونشرت قصتها ” لن يسكت الحنين ”.
وفي روايتها ” الحلم المزدوج ” تصور دينا سليم الصراع النفسي الداخلي الذي يعانيه بطل الرواية ” صارم ” وهو يعيش في الغربة والمنفى بعيدًا عن وطنه وأهله وأسرته، ويعاني شتى ألوان اللوعة والكآبة والشوق في وحدته القاتلة، وترسم صورة انسان يعيش مأساته الخاصة بعد ان كان شابًا في عمر الزهور واقتيد للخدمة العسكرية ليشارك في حرب لم يؤمن بها فيعتبر نفسه ضحية، فيطارد ويلاحق ويزج به في السجن، وتظهر شاعريته في غمار هذه الاحداث العاصفة، ويحاول أن يجسدها بالممارسة على ضفاف نهري دجلة والفرات في العراق بلاد الرافدين بحضارتها وتراثها وجمالها الطبيعي الحقيقي المدهش والخلاب.
أما في ”جدار الصمت” وهو جدار من لبنات الصمت الذي يقطر اسى ولوعة وشجن وحرقة والمًا ، فتكتب سيرتها الذاتية، وتروي بكل جرأة فصولًا من سيرتها الحياتية الشخصية الحقيقية، فتتحدث عن معاناة زوجة وأم تعرضت للخيانة، مرة من زوجها ومرة من ابنها الذي تنكر لها.
بينما في رواية ” تراتيل عزاء البحر” فتتناول قصة المهاجرين الذين يطوفون البحار في سبيل البقاء والحياة.
أما رواية ” سادينا ” فتتحدث عن الحب الحقيقي الذي لا يموت.
في حين أن رواية ” قلوب لمدن قلقة ” فتحكي عن وطنها الذي يستحوذ على خاطرها أينما ذهبت وارتحلت، ويسكن أعماقها، وهي تسرد تفاصيل حقيقية عاشتها في طفولتها وأيام صباها وشبابها، وتجول في ثنايا الوطن باحثة عن خطواتها التي تركتها فيه، وابتعدت عنه حبًا وعشقًا له لتلتصق أكثر فيه.
وأحداث هذه الرواية حقيقية جرت في البلاد لكنها زينتها بحلل من لازورد مخيلتها.
وفي روايتها ” دائماً معاً ” فتتطرق الى صراعات الفلسطينيين ومعاناتهم الذاتية في الاقطار العربية، وتتعرض للظواهر السلبية والانحرافات الاجتماعية المتنوعة.
أما رواية ”سقوط المعبد الأخير” فتتحدث عن التقاليد البالية كنتاج لأفكار متوارثة في مجتمعنا الذكوري.
ورواية ” ما دون الغبار ” تعالج الاوضاع السياسية والأحوال الاجتماعية إبان انشاء الدولة العبرية.
دينا سليم الروائية الفلسطينية المغتربة تستحق ان تقرأ، فهي صاحبة مقدرة فنية وبراعة أدبية كبيرة في التعامل الفني مع الأساليب الفنية الحديثة في القص والسرد، ويلاحظ المتتبع والمواكب لنتاجها الروائي القصصي، تجاوزها لنفسها بين رواية واخرى، ويلمس تنوعًا وثراء في المضمون ، عمقًا وغنى في الرواية الفنية المتقدمة.
دينا سليم كم يشتاق اليك الوطن، فمتى تعودين لترتمين بين أحضانه في الجليل والكرمل وسواحل حيفا وازقة اللد والرملة..!!
بـ قلم.. شاكر فريد حسن