منظمة اليونسكو في العراق رفضت التعليق على الموضوع رغم محاولات الجزيرة نت العديدة للحصول على توضيح
التصميم الفائز بمسابقة اليونسكو للجامع النوري في الموصل (اليونسكو)
يعد الجامع النوري الكبير في مدينة الموصل شمالي العراق أيقونة المدينة التي دمرت خلال العمليات العسكرية التي شنتها القوات العراقية ضد تنظيم الدولة الإسلامية عام 2017.
وكان الجامع النوري قد بني في عهد نور الدين زنكي في القرن السادس الهجري (قبل 9 قرون) وسمي على اسمه، ويشتهر الجامع قبل تفجيره بمنارته "الحدباء" المائلة نحو الشرق، وقد نال الجامع شهرة عالمية بعد أن شهد إلقاء زعيم التنظيم أبو بكر البغدادي خطبة الجمعة الوحيدة التي ظهر فيها في يوليو/تموز 2014.
قبل أشهر كانت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (يونسكو) قد أعلنت عن الشروع في إعادة إعمار الجامع النوري، وطرحت مسابقة دولية لتقديم تصاميم معمارية لإعادة إعماره، غير أن نتيجة المسابقة التي أعلنت في 16 أبريل/نيسان الجاري كشفت عن فوز فريق هندسي مصري بالجائزة، مما آثار حفيظة الموصليين، لأنهم يرون أن التصميم المقدم يخالف التصاميم المعمارية الفريدة للمدينة القديمة، ومن شأنه أن يغير صورة الموصل التاريخية.
جرجيس تقول إن فريقها التزم بجميع المعايير وقدم تصاميم مستوحاة من الموصل القديمة
إشكالية التصميم
شارك في المسابقة التي نظمتها اليونسكو قرابة 120 فريق هندسي من مختلف دول العالم، 7 منهم من العراق، وذلك بحسب المهندسة المعمارية الموصلية حسنية جرجيس المشاركة بالمسابقة.
وتكشف جرجيس في إفادة حصرية للجزيرة نت أن فريقها التزم بجميع المعايير والشروط التي طرحتها اليونسكو، والتي ألزمت جميع الفرق بتقديم تصاميم مستوحاة من الهندسة المعمارية التقليدية لمدينة الموصل مع الحفاظ على أصالة الجامع، فضلا عن وجوب استخدام مواد بناء محلية ومراعاة إعادة إعماره وفق الوضع الذي كان عليه قبل عام 2017.
وتؤكد جرجيس أن فريقها تعرض للخداع، حيث عملت مع فريقها على إعداد التصاميم لمدة لا تقل عن 4 أشهر، لتفاجأ بعد ذلك بعدم اعتماد اليونسكو أيا من المعايير التي أكدت عليها في شروط المسابقة، بحسبها.
وعن العيوب التي تراها جرجيس في التصميم الفائز، تؤكد أنه يخالف حضارة الموصل القديمة التي تنفرد بأزقتها وطابعها الخاص في استخدام الحجر والجص في بنائها، فضلا عن خاصية انغلاقها المعماري الداخلي الذي تتميز به جميع أبنية المدينة.
الباحة الداخلية للجامع النوري في مشهد جانبي وفقا للتصميم الذي قدمته جرجيس
وعبرت جرجيس عن صدمتها من التصميم الفائز الذي جاء بطراز معماري حداثي (على حد وصفها)، مما يمثل اعتداء على رمزية الجامع النوري، مؤكدة أن منارة الحدباء لم تكن ضمن المسابقة، وأن لها مشروعا خاصا منفصلا.
ورغم المحاولات المتكررة للجزيرة نت التواصل مع اليونسكو عبر البريد الإلكتروني والهاتف للحصول على توضيح فإن جميع الوعود والمحاولات لم تفلح في الحصول إلى أي تعليق من قبلها.
من جانبه، أكد عالم الآثار الموصلي جنيد الفخري في حديثه للجزيرة نت أن التصميم الفائز الذي وصفه بـ"المكعبي" لا يمت للموصل وحضارتها وهندستها بصلة، وأن التصميم المعتمد حداثي بعيد عن الموصل، لافتا إلى أن مسؤولية ذلك تتحملها الجهات الحكومية ووزارة الثقافة والآثار وديوان الوقف السني.
ويكشف الفخري أن 3 فرق من الموصل من المشاركين في المسابقة اعتمدت المعايير المنصوص عليها في محددات اليونسكو، غير أنه لم يفز أي منها.
ولفت إلى أن المسابقة لم تعتمد مبدأ التصفيات، وإنما تم اختيار الفريق الفائز من بين عشرات التصاميم، منتقدا لجنة التحكيم التي كان من المفترض أن يكون جميع أعضائها من العراقيين، ومن الموصليين تحديدا، حسب رأيه.
صورة عامة للجامع النوري الكبير قبل تدميره
رأي مغاير
وردا على المنتقدين للتصميم الفائز بجائزة اليونسكو، يؤكد أحمد العمري رئيس قسم الهندسة المعمارية في جامعة الموصل وأحد أعضاء لجنة التحكيم في مسابقة اليونسكو (مكونة من 9 أعضاء، بينهم عراقيان اثنان) أن التصاميم المقدمة في المسابقة كانت سرية، ولا تعرف لجنة التحكيم جنسيات مقدميها.
وعن التصميم واللغط الذي أثير حوله، يؤكد العمري للجزيرة نت أن التصميم الفائز يحاكي الطراز المعماري للمدينة القديمة، كاشفا عن أن الموقع القديم للجامع سيبقى تصميمه على ما هو عليه.
وأشار إلى أن التصميم الفائز -الذي جاء بالشكل الذي وصف بـ"المكعبي"- هو لأبنية استحدثت مؤخرا، وتشمل المكتبة والمتحف والمدرسة النورية والمعهد العالي للفنون الإسلامية.
ويدافع العمري عن التصميم الفائز، مؤكدا أنه يربط بين الماضي والحاضر، وأن البناء سيكون بالطابوق والزخارف المستخدمة في تغليف المنارة الحدباء، مبينا أن التصميم يراعي الناحيتين الوظيفية والبصرية للجامع، إضافة إلى اتساقه مع نسيج الموصل القديمة والتكامل مع السياق الحضري والأزقة التراثية، بحسبه.
كنعان اعتبر أن التصميم الفائز يحافظ على الطراز القديم إلا أن الإضافات قد تكون بتصميم حديث
وبالذهاب إلى ديوان الوقف السني (مؤسسة حكومية) المسؤولة عن المساجد في العراق، يؤكد مدير الوقف السني في الموصل أبو بكر كنعان أنه ورغم اللغط الكبير الذي أثير حول التصميم الفائز فإنه يؤكد أن لجنة التحكيم ارتأت فوز هذا الفريق وفق تخصصه الهندسي، بحسب قوله.
ويعلق كنعان أن الوقف أكد على أن يكون حرم الجامع النوري والمئذنة الحدباء على الطراز القديم، وهو ما تحقق في التصميم الفائز، مبينا أن الإضافات المستحدثة في المباني كالمدرسة النورية والمتحف ومعهد الفنون ستكون بتصميم معماري حديث.
وأضاف للجزيرة نت أن للوقف السني صلاحية التدخل والإشراف على إعمار الجامع ومئذنته بما لا يخالف التصميم المعماري الذي كان عليه الجامع قبل تفجيره عام 2017.
القبة والبوابة هما ما تبقى من الجامع النوري بالموصل بعد تفجيره
اعتراضات حكومية
يستمر الجدل حول إعادة إعمار الجامع النوري، بين ترحيب من دوائر حكومية ورفض أخرى، إذ يرى مفتش آثار نينوى مصعب محمد جاسم أن التفاصيل المعمارية للجامع النوري معلومة للجميع، وبالتالي فإنه لم تكن هناك ضرورة لهذه المسابقة، وأن الإضافات المستحدثة كان يمكن تنفيذها من خلال محاكاة الطراز المعماري للجامع النوري.
ويتابع جاسم أن التصميم الفائز لم يراع الطابع التراثي للموقع، وأنه يضم تفاصيل دخيلة على الموصل.
وأضاف أنه كان بالإمكان تنفيذ جزء كبير من عمليات إعادة إعمار الجامع في الفترة الماضية إلا أن إجراءات اليونسكو والمسابقة تسببت بتأخير الإعمار وهدر في الجهد والإمكانيات والمخصصات المالية.
وعن موقفهم من التصميم الفائز، أوضح أن مفتشية آثار نينوى أرسلت تقريرا رسميا بـ80 صفحة إلى الهيئة العامة للآثار والتراث وإلى وزارة الثقافة يضم كافة الملاحظات، حيث ترى المفتشية أن التصميم الفائز يخالف كل الاتفاقيات التي تخص المواقع الأثرية، ويخالف كل المحددات التي ذكرتها اليونسكو في شروط المسابقة.
الحمداني اعتبر أن التصميم الفائز لا يمت للموصل وحضارتها الإسلامية بصلة
وفي السياق، يرى الصحفي الموصلي رياض الحمداني أن التصميم الفائز لا يمت للموصل وحضارتها الإسلامية بصلة رغم مشاركة أكثر من فريق من الموصل بالمسابقة، معبرا عن شكوكه في المحاولات المستمرة لطمس كل ما يتعلق بالحضارة الزنكية في الموصل، بحسب تعبيره.
ورغم ملاحظاته على التصميم فإن الحمداني يرى في حديث للجزيرة نت أن إعادة إعمار الجامع النوري ومحيطه المهدم ستسهم في إعادة الاستقرار والحركة في الموصل القديمة رغم التغييرات العمرانية التي ستحصل.