نشر وزير الثقافة والسياحة والآثار العراقي، الدكتور حسن ناظم، رسالة حصلت "العربية.نت" على نسخة منها، قدم فيها اعتذاره عن طلبه رعاية الشاعر العراقي سعدي يوسف، المقيم في المملكة المتحدة، والذي يعاني من مرضٍ عضال، وهو الطلب الذي جوبه بعدة انتقادات، من أوساط عراقية دينية ونيابية مختلفة، وحتى من قبل بعضِ أصدقائه.
ناظم، وفي المكتوب المقتضب الذي وُزعَ يوم السبت 24 إبريل الجاري، قال إن "الرسالةَ التي وجّهتُها إلى وزارة الخارجية طلباً لرعايةِ الشاعر سعدي يوسف في مرضِهِ انطلقت من بعدٍ إنسانيّ محضٍ أسّسه الإسلام في القرآن الكريم، ونبيّ الرحمة (ص) في أحاديثِهِ وسلوكِهِ، وهي مبادئُ دينيةٌ إسلاميةٌ أؤمنُ بها في حياتي وسيرتي الشخصية والمهنية"، مضيفاً "لكنّ إيماني بقيمي الدينية المقدّسة واحترامي وتقديري لمشاعرِ الكثرةِ الكاثرةِ من الناسِ أهمُّ من تعاطفي ذاك لإيماني كمسؤولٍ في الدولةِ بأنّ القيمَ المقدّسةَ ومشاعرَ الناسِ أولى بالمراعاةِ دائماً من أيِّ اعتبارٍ آخرَ، لذلك أقدّمُ اعتذاري لكلِّ من شعرَ بألمٍ في ضميرِهِ الوطنيّ والدينيّ والإنسانيّ".
سعدي يوسف، المولود في البصرة، جنوب العراق العام 1934، يُعد أحد الأسماء الشعرية الجدلية في الوطن العربي. حيث يعتبره الكثيرون من النقاد علامة فارقة في الأدب العربي الحديث، مثل أدونيس ومحمود درويش ومحمد مهدي الجواهري وأنسي الحاج، مع اختلاف الأنماط الكتابية والمواقف الفكرية بين هذه الأسماء.
الشاعر سعدي يوسف
الدكتور حسن ناظم الآتي إلى "وزارة الثقافة" العراقية من مقعد الأكاديمي والناقد، أشار في نصٍ نشره في صفحته على "فيسبوك" الجمعة 23 إبريل الجاري، إلى مكانة سعدي يوسف الشعرية، حيث كتب "ما سيبقى من سعدي شيء واحد، وهو الشاعر الكبير الذي حجز مكانه في تاريخنا الشعري ومعتمدنا الأدبي (المعتمد الأدبي مصطلح لما استقرّ من أدب عظيم في أمة معينة) منذ امرئ القيس حتى السياب، هذا المكان الكبير لم أرد لدولة ما بعد 2003 أن تغفله وتسقط فيما سقطت فيه دولة البعث بإهمال الجواهري ومصطفى جمال الدين وأضرابهما، لمجرد عدم تحمّل التفاتة عناية بمريض".
تعقيب الوزير قبل أن يعتذر
ناظم وفي ذات النصِ على صفحته الخاصة، قبل أن يقدم اعتذاره، عاتب منتقديه، معتبراً أن "الدولة وشعب العراق وأنتم النخبة، أولى بمثل هذه المواقف السامية التي يزخر بها تاريخنا وحكاياتنا، وتختزنها موسوعاتنا وسِيَرُ أئمتنا من ردّ الإساءة بالإحسان في موقف الضيق".
وكان نائب رئيس البرلمان العراقي، حسن الكعبي، طالب الوزير حسن ناظم بـ"إلغاء الكتاب المتعلق بدعم الشاعر سعدي يوسف".
كما أن النائب عن كتلة "الصادقون" نعيم العبودي، اعتبر في منشور على صفحته في منصة "فيسبوك"، أن "الشاعر سعدي يوسف الذي أساء بمواقفه للشعب العراقي والأمة الإسلامية، لم يكن معارضًا سياسيًّا إنّما كان حاقدًا ومسيئًا، ولا يتطلب علاجه مراسلات وخطابات رسمية وتكريمات، كي لا يكون هذا التعامل حافزًا لنشر ثقافة الحقد بحجة حرية التعبير".
من جهته، الشاعر والمترجم العراقي هاتف الجنابي، كان له موقف داعم للوزير حسن ناظم، وعبر صفحته في "فيسبوك"، كتب معلقاً على خبر مرض سعدي يوسف "ما علينا سوى أن نتمنى له الشفاء العاجل وطول العمر، وهذا كل ما في الأمر، لأن حضوره معنا ضروري جدا لتنقية هواء المنطقة الذي يزكم الأنوف حتى لو اختلفنا أو تقاطعنا معه".
الانتقادات الواسعة التي طالت وزير الثقافة العراقي، رأى بعض المعلقين أنها لا ترتبط بشخص سعدي يوسف، رغم المواقف المشاكسة دينياً وثقافياً وشعرياً، لسعدي، بقدرِ ما أن النُقاد، وتحديداً من المناوئين لحكومة رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، ينتظرون أي مناسبة للهجوم على الكاظمي، بغية "تشويه سمعته، وإظهاره في مظهر المناوئ للقيم الدينية".
خطاب الوزير
أحد المراقبين، قال لـ"العربية.نت"، في معرض تعليقه "سعدي يوسف شخصية إشكالية، من نمط الشعراء الملاحدة والزنادقة، الذين كانوا منذ بدايات الإسلام وحتى يومنا هذا. وهو في مواقفه تعرض بالنقد وحتى الشتيمة للكثيرين، سنة وشيعة، عرباً وأكراداً.. إلا أن موقف الوزير حسن ناظم، انطلق من كونه رجل دولة تجاه شاعر عراقي مريض في آخر عمره". المصدر اعتبر أن "نشر الوزير كاظم لرسالته لوزارة الخارجية على صفحته في فيسبوك، أثار حفيظة الكثيرين، وكان بالإمكان أن يتم الأمر دون كل هذا الجدل، لو أن التوصية أتت دون نشر، وعبر مكالمة مباشرة مع السفير العراقي في المملكة المتحدة السيد جعفر الصدر".
ما يعزز من وجهة نظر المصدر الذي تحدث لـ"العربية.نت"، أن شخصية مثل الكاتب العراقي سليم الحسني، دون ثلاثة منشورات في صفحته عبر منصة "فيسبوك"، وجه فيها نقداً لاذعاً للوزير حسن ناظم، وطالب رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي بإقالة ناظم، مخاطباً إياه "السيد الكاظمي، أنت الآن أمام جرح موجع، فهل تستطيع أن توقف النزف بإقالة الوزير؟".
وزير الثقافة العراقي حسن ناظم
الحسني، كتب في منشور آخر جاء فيه: "سعدي يوسف، كتب ضد رمز الشيعة وقائدهم ومرجعهم الأعلى السيد السيستاني، يسخر منه وينال من شخصيته، بما يمثل جرحاً آخر ضد الشيعة الذين يقدسون مقام المرجعية العليا".
هذه الغيرة التي ظهرت فجأة من سليم الحسني، تجاه المرجع السيد علي السيستاني، والدفاع عنه، تتناقض مع منشور كتبه في 22 إبريل الجاري، حمل عنوان "مكتب السيستاني، من الخطأ إلى الكارثة".
موقف الحسني، هو امتداد لموقف غالبية تيارات الإسلام السياسي، وفي مقدمتهم "حزب الدعوة". فالحسني، ومنذ سنوات طويلة، ينشر نقداً لاذعاً لمرجعية السيستاني، ولذا، فغيرته "الصاخبة" قد تقرأ عن كونها "انتهازية سياسية"، لا أكثر ولا أقل!
مصادر أكدت لـ"العربية.نت"، أن "مرجعية النجف غير معنية بهذا الجدل"، وأن "مكتب السيد السيستاني لا يتدخل في مثل هذه المسائل مطلقاً"، مضيفاً "هي مسألة إنسانية في نهاية المطاف، والوزير حسن ناظم اجتهد، ويجب أن يعطى ناظم حقه في ممارسة اجتهاده في إدارة الوزارة ويعمل وفق ذلك".