كيف ستكون حياتنا بعد الجائحة؟.. خبراء المدن الذكية يصفون "الطبيعة الجديدة" للمدن بعد كورونا




المدينة الذكية المستدامة هي مدينة مبتكرة تستخدم تكنولوجيا المعلومات والاتصالات لتحسين نوعية الحياة (شترستوك)


يقال إن العالم بعد كورونا لن يكون هو العالم قبل كورونا، وهذا الوصف ينطبق على مدننا الحالية التي ستتحول إلى مدن ذكية، وهو الاتجاه السائد في عصر ما بعد انتهاء الجائحة، وفقا لخبراء في مجال التكنولوجيا وتخطيط المدن.


الوضع الطبيعي الجديد

الوضع الطبيعي الجديد هو الحالة التي يستقر فيها الاقتصاد والمجتمع وأشكال الحياة المختلفة بعد أزمة ما، ولكن يختلف هذا عن الوضع الذي كان سائدًا قبل بدء الأزمة، وربما لا يوجد أدل على هذا من الوضع الحالي الذي يواجه فيه العالم بأسره جائحة كورونا، خصوصا بعد الحديث عن ظهور لقاحات عدة ناجعة وبداية التفاؤل بعودة الحياة إلى طبيعتها "الجديدة".
ولكن تظل العديد من الأسئلة مطروحة وتحتاج إلى إجابات: هل ستعود الحياة كما كانت قبل الجائحة؟ وهل يمكن لمدننا تحمّل جائحة أخرى؟ وما العادات التي سوف تتغير وكيف ستساعدنا التكنولوجيا في تغييرها؟
يقول خبراء في مجال المدن الذكية، استضافتهم مؤسسة مشيرب العقارية في مؤتمر الدوحة للمدن الذكية الذي عقد عن طريق الفيديو اليوم 24 نوفمبر/تشرين الثاني، إن البشرية تشهد تحولات جذرية في سلوكها المعتاد بسبب الجائحة، وإن هذه السلوكات تدفع الدول للتفكير بتحديث مدنها وتبني فكرة المدن الذكية.


المدن الذكية وكيف ستعمل بعد الجائحة؟

المدينة الذكية المستدامة هي مدينة مبتكِرة تستخدم تكنولوجيا المعلومات والاتصالات لتحسين نوعية الحياة، وكفاءة العمليات والخدمات الحضرية، والقدرة على المنافسة، وتلبّي في الوقت ذاته احتياجات الأجيال الحالية والمقبلة في ما يتعلق بالجوانب الاقتصادية والاجتماعية والبيئية والثقافية
والتجربة الأولى لفكرة المدن الذكية كانت عام 2000، إلا أن النماذج الناجحة لها ظهرت بداية 2011 مع الانتشار الواسع للأجهزة والنظم الذكية لدى كل فئات المجتمع.
وفي أثناء جائحة كورونا أثبتت المدن الذكية كفاءة أفضل في توفير الخدمات للسكان خاصة في حالات الإغلاق التام أو الجزئي. فالمدينة الذكية مؤهلة لتوفير خدمات التعليم عن بعد للمدارس والطلاب، وإتمام عمليات الدفع الإلكتروني بسهولة وأمان، وتوفير الدعم اللازم للشركات حتى يعمل الموظفون عن بعد بسلاسة ودون انقطاع، وهناك أيضا ميزة استخدام الروبوتات أو السيارات ذاتية القيادة التي تقوم بالعديد من الأعمال وتقلل من التواصل البشري، وهذا يسهم في الحد من نقل العدوى.
ورغم أن هذه الجائحة لم تحدث تغييرا جذريا في تعريفنا للمدينة الذكية، فإنها أضفت مزيدا من الوضوح بشأن كيفية تطبيق منظومة المدينة الذكية والاستفادة منها.



مدينة مشيرب قلب الدوحة أول مشروع مستدام لإعادة إحياء وسط مدينة مشيرب بأحدث وسائل الاتصال وتكنولوجيا المدن الذكية (مواقع التواصل الاجتماعي)


مشيرب قلب الدوحة.. مفهوم المدينة الذكية من وجهة نظر عربية

أُسست البنية التحتية لمدينة مشيرب لتكون المدينة ذكية من حيث شبكة الاتصالات التحتية وتجهيزها، ومراكز البيانات الضخمة، والربط بين مختلف الأنظمة في كل مباني المدينة ومرافقها.وتقوم التطبيقات الذكية المختصة بمراقبة وإدارة الطاقة، وتعداد الزوار والسكان في كل فعالية أو حدث، كما توفر نظم البيانات ثلاثية الأبعاد كل المعلومات اللازمة عن أي خدمة في المدينة وتقوم بتحليلها ومقارنتها.

ونتيجة البنية التحتية المجهزة والتطبيقات المتوفرة، فإن الخدمات الذكية تصبح متاحة ويستطيع الزائر أو المستهلك أن يلاحظها. فمثلا هناك خدمة العملاء الذكية، والإنترنت اللاسلكي المجاني في كامل المدينة، والبوابة الخاصة بكل ما يتعلق من خدمات تتصل بأسلوب الحياة والمجتمع، واللافتات الذكية المتصلة ببعضها بعضا، وعند وجود أي طارىء تتحول كل اللافتات الإعلانية والإرشادية إلى نظام واحد يرشد المواطنين في كل مناطق المدينة إلى أقرب نقطة تجمع أو بوابات الخروج أو حسب ما يرتئيه المبرمج.
إلى جانب ذلك، يمكن لأي زائر أو مستخدم في المدينة أن ينزل تطبيق تحديد مواقع سيارته في مواقف السيارات والتوجه إليها مباشرة دون عناء، أو استخدام التطبيق لإيجاد أي مبنى أو مقهى أو مكان في المدينة بكل سهولة.
وفي داخل مكاتب وشقق مشيرب، تؤدي التكنولوجيا دورًا مهمًا في دعم الاستدامة والحد من استهلاك الطاقة، فهناك منصة واحدة للتحكم بكل ما يوجد في المنزل من خدمات، مثل درجة الإضاءة، واستهلاك المياه والكهرباء، والتحكم بالستائر ومستوى الضوء الطبيعي.. ومن هنا يمكن للمستهلك أن يعرف على الدوام مدى استهلاكه للطاقة والمياه والتحكم به، وهذا مرتبط بطريقة ذكية مباشرة بمركز البيانات الرئيس الذي يراقب الاستهلاك من أجل تحسين الكفاءة.
والمدينة الذكية مجهزة لجميع القاطنين من سكان وشركات ومتاجر بكل الخدمات الذكية، وتتيح لهم تفعيل هذه الخدمات وفق طلبهم. منها على سبيل المثال، الدفع الإلكتروني الذكي، والذكاء الاصطناعي، والإضاءة الذكية، وإنترنت الأشياء، والتجزئة الذكية وغيرها.
وتخضع المدينة بالكامل لمراقبة الكاميرات لينعم الجميع بأعلى مستويات الأمان، وهذه الكاميرات تبث إلى مركز التحكم المركزي، فإذا فقد شخص ما هاتفه أو محفظته في نقطة معينة، يمكن من خلال هذا النظام تحديد مكان فقدان الهاتف أو المحفظة، والعثور عليهما وإيصالهما إلى صاحبهما. كما أن هذه الكاميرات تراقب من أجل حالات الطوارىء لتقديم المساعدة الفورية في حال لم يستطع الشخص طلب المساعدة بنفسه.


أمستردام الذكية .. المشاركة والاستدامة أساس المدن الذكية

تحدثت ليوني فان دين بوكن مديرة برنامج مدينة أمستردام الذكية عن تجربة المدينة، وكيف استطاعت عن طريق التكنولوجيا تخفيض استهلاك الطاقة والعمل بشكل فعال من خلال مختبر أمستردام للمدن الذكية على تطوير التقنيات الخاصة، وتجربتها في مناطق عدة من المدينة.


كيف ستساعدنا المدن الذكية على مواجهة جائحة جديدة؟

في مداخلته خلال المؤتمر قال أسيم جوشي قائد المدن الذكية العالمية في شركة "هوني ويل" (Honeywell) إن الطريق لمواجهة الجوائح المقبلة هو الاعتماد على المدن الذكية في الوقاية، وذلك عن طريق التنبؤ بحدوث الجائحة وتقليل احتمالية الحدوث والاستجابة السريعة والذكية عند بدايتها.
وتتم عملية التنبؤ بتحليل المعلومات الصحية دوريا، ومراقبة جودة الهواء والانبعاثات وإدارة المياه والطاقة داخل المدن، واتباع التباعد الاجتماعي عن طريق اعتماد تقنيات عدم التلامس مثل تطبيقات الدفع والمصاعد الذكية ووسائل النقل ذاتية القيادة.
أما عمليات الاستجابة السريعة فتتم عن طريق مركز تحكم المدينة الذي يقوم بتنظيم حركات المرور والخدمات الصحية المقدمة، وإرشاد المواطنين إلى بروتوكولات الحماية، ومراقبة الالتزام بالتباعد الاجتماعي عن طريق التطبيقات الذكية.


المدن الذكية ستغير عاداتنا

وحتى تستطيع الحياة في هذه المدن الذكية يجب أن تكون على قدر من الانفتاح وتقبل العادات الجديدة، وقد أثبتت جائحة كورونا قدرة البشر على تغيير عاداتهم وإيجاد عادات جديدة تتناسب مع الوضع الطبيعي الجديد.


العمل والدراسة والترفيه

كان قطاعا العمل والتعليم من أوائل القطاعات التي تأثرت بجائحة كورونا وذلك عبر إلزام العاملين والطلاب بالعمل والدراسة عن بعد، وهو أمر لم يكن معهودا في السابق، ولكن ماذا عن القطاعات التي تحتاج إلى حضور جماهيري؟
وكان تطبيقا "زوم" (Zoom) و"مايكروسوفت تيمز" (Microsoft Teams) الأبرز في هذا المجال، والأخير تعدى الطلاب والموظفين ليجمع المشجعين حول العالم مع لاعبي أندية كرة السلة الأميركية، حيث اجتمعوا عبر الفيديو لتشجيع فرقهم المفضلة أثناء لعبهم في قاعة نادي أورلاندو خلال جائحة كورونا.قد تكون جائحة كورونا اقتربت من نهايتها بعد اكتشاف علاجات عدة، والحديث عن بداية انتهاء الأزمة خلال الربع الأول من 2021، ولكن نهاية العادات التي اكتسبتها البشرية خلال هذه الجائحة لن تذهب فهي وجدت لتبقى وليقوم الإنسان بتطويرها لتناسب احتياجات الأجيال المقبلة.