في نهاية حفل جوائز الأوسكار السنوي، يتم الإعلان عن الفائز بالجائزة المرتقبة، إلا وهي جائزة أفضل فيلم. وتعطي الأكاديمية أهم جائزة في الحفل إلى منتجي الفيلم الفائز، حيث يتسلمونها في لحظة من أهم لحظات مسيرتهم الفنية ويلقون خطابًا بكل سعادة وفخر.
لكن الجائزة لا تذهب دومًا لمن يستحقها، فعدة أفلام نالتها ولكن لم تكن الأفضل في سنتها. هنالك بعض العوامل والأسباب التي تؤدي إلى انحراف الجائزة عن مسارها الصحيح، مثل نظام احتساب الأصوات في السنوات الأخيرة أو تدخل بعض العوامل التي ليس لها علاقة بالناحية الفنية.
تغيير نظام التصويت وزيادة عدد الأفلام المرشحة
منذ ظهور الجائزة وحتى عشر سنوات مضت، كان نظام التصويت ببساطة هو الفوز للأكثر أصواتًا، أي كل ناخب يعطي صوته لفيلم واحد فقط والفيلم الفائز هو الذي يحصل على أكبر عدد من الأصوات. ذلك النظام تكون فيه وجهات النظر هي المتحكم الرئيسي بالفائز، وقد تكون المنافسة شديدة ويتفوق فيلم على الآخر بفارق بسيط تبعًا لرؤية الأغلبية.
أما النظام الجديد يسمى بجولة الإعادة المباشرة، حيث يقوم كل ناخب بترتيب المرشحين بالأفضلية ويتم احتساب الخيار الأول. إذا تخطى أحد المرشحين نسبة الـ 50%، يفوز مباشرة، ولو لم يحصل أي منهم على تلك النسبة يتم استبعاد أقل المرشحين أصواتًا واحتساب الخيار الثاني لهذا الناخب. ويتم تكرار تلك العملية حتى يحصل أحد الأفلام على نسبة 50% بالإضافة إلى صوت.
تلك العملية المعقدة سمحت لأفلام متوسطة أو تعتبر “الخيار الثاني” بالحصول على الجائزة. حيث أنها ليست أفضل الأفلام ولا أفضل خيار للأغلبية ولكن الأصوات تحول إليها. لذلك يؤدي هذا النظام إلى فائز غريب وسط الأفلام المرشحة، خصوصًا مع ازدياد عدد المرشحين عام 2009 من 5 إلى 5-10.
عوامل أخرى
أهم العوامل التي تمهد الطريق أمام الفيلم للوصول إلى الجائزة هي وقت طرحه، حيث أن بعض صانعي الأهداف يهدفون لطرح أفلامهم في ما يسمى بـ “موسم الأوسكار” الذي يمثل آخر شهرين في السنة. الأفلام في ذلك الوقت لها فرصة أكبر في لفت نظر أعضاء الأكاديمية ليقوموا بترشيحها.
ومن الممكن أيضًا أن يتبعوا أساليب أخرى في التسويق لاستهداف أعضاء الأكاديمية حيث أن التواصل الصريح معهم بخصوص الأفلام ممنوع ويحرم الفيلم من الترشح.
ومن العوامل الأخرى التي ترفع من فرص الفيلم بالحصول على الأصوات، أن يتضمن الفيلم صناعة الأفلام أو يصور العاملين بالصناعة، فذلك يجذب أعضاء الأكاديمية ويترك بهم أثرًا بشكل أكبر. كما قد تحدث مجاملات لإهداء الجائزة لشخص ما ذا تاريخ كبير ولم يحصل عليها، ولكن عمله الحالي لا يستحقها أو يوجد ما هو أفضل منه.
فيما يلي بعض الأفلام التي حصلت على جائزة أوسكار أفضل فيلم بالرغم من عدم أحقيتها بالجائزة بسبب أي من العوامل التي سبق مناقشتها أو غيرها. وليس معناه بالضرورة أن تلك الأفلام قليلة الجودة أو سيئة، لكنها لم تكن الأفضل أو ليست بالجودة الكافية للحصول على أهم جائزة سينمائية.
أفلام لا تستحق الفوز بالأوسكار
1- Rocky
بالطبع الفيلم ممتع وملهم ومؤثر بدرجة كبيرة، ولكن كل تلك العوامل ليست كافية لجعله يتفوق على رائعة سكورسيزي وروبرت دي نيرو Taxi Driver. ربما جاء فوزه على حساب هذا الفيلم تحديدًا بسبب التضاد بينهم، حيث أن الأول يدعم فكرة المثابرة والروح الطموحة والانتصار، بينما الثاني يصور الغرق في الفساد وانتشار الفوضى بشكل كبير وفي كل شيء. مما يجعل الأمريكيين تحديدًا ينحازون لقصة البطل الرياضي روكي.
2- Titanic
قصة الحب الأشهر في السينما على متن سفينة تايتانيك الغارقة، بلا شك هو فيلم ذو شعبية كبيرة وجمهور عريض بغض النظر عن جودته الفنية. خصوصًا مع حصوله على الجائزة من أفلام قوية مثل الفيلم الدرامي الرائع As Good As It Gets، أو الفيلم المحبوب أيضًا Good Will Hunting، أو حتى أحد أفضل أفلام الجريمة L.A. Confidential.
3- Shakespeare in Love
فاز فيلم الخيال التاريخي عن الكاتب ويليام شكسبير، متفوقًا على Saving Private Ryan الذي كان يستحق الجائزة بإجماع. كما عاش طويلًا وظل بالأذهان كواحد من أفضل الأفلام المؤثرة عن الحروب وأثارها، على عكس Shakespeare in Love الذي يعتبر مناسب لسهرة رومانسية مسلية وليس ليصنف كالأفضل، حيث لم يعش طويلًا بعد فوزه بالجائزة.
4- Crash
باعتراف مخرجه بول هاجيس، لم يستحق ذلك الفيلم الفوز بالجائزة. أعلن وقتها الممثل القدير جاك نيكلسون بتعابير متفاجئة عن فوزه أمام فيلم Brokeback Mountain الذي نال على إعجاب الجميع ولكن لم ينل الجائزة. تأثر الناس بالفيلم وبقضية الصراعات العرقية التي يناقشها، فلربما كان الأكثر تأثيرًا ولكن ليس الأفضل.
5- The King’s Speech
جاء فوزه في شدة الغرابة حيث أنه كان على حساب عدد من الأفلام القوية في تلك السنة مثل Black Swan وSocial Network و127 Hours وغيرهم. الفيلم الذي يحكي قصة تاريخية بريطانية لم يكن أفضل من الأفلام التي كان ينافسها، بل وجده البعض مملًا وضعيفًا مقارنة بهم على الرغم من كونه لا بأس به في حد ذاته.
6- Twelve Years A Slave
يرى العديد أن فوز الفيلم كان بسبب قصته عن أصحاب البشرة السوداء والعبودية. رغم أنها قصة إنسانية مؤثرة وقضية مهمة للطرح والدفاع عنها، إنما لم يكن الفيلم بالجودة الكافية أو أفضل الأفلام في سنته حتى. وأمام أفلام مثل Dallas Buyers Club وHer خطف الجائزة رغم عدم أحقيته بها بمساعدة الصوابية السياسية والسعي لتصحيح الماضي وإدانة الممارسات السابقة.
7- Moonlight
كان الإعلان عن فوز فيلم La La Land بالجائزة أمر متوقع جدًا وهو بالفعل ما حدث. وبعد صعود صناع الفيلم واستلامهم للجائزة وإلقاء الخطاب، تم تصحيح “الخطأ” وإعلان أن الفائز الحقيقي هو فيلم Moonlight، مما كان مفاجأة كبيرة لكل المتابعين. لكن الأمر كان مستساغًا لدى الأغلبية، أن يفوز بها فيلم يتحدث عن أقلية مثل أصحاب البشرة السوداء في ظل الاتهامات الموجهة لهوليوود بالانحياز للبيض.
الشروط الجديدة للأكاديمية
وأصدرت الأكاديمية مؤخرًا شروطها الجديدة المتعلقة بتمثيل الأقليات مثل المرأة، والأعراق الأخرى غير البيض كالآسيويين والسود والعرب واللاتينيين، وذوي الميول الجنسية غير المغايرة. وتهدف تلك الشروط إلى تضمين تلك الفئات في القصة أو طاقم صناعة الأفلام بمختلف الأدوار من تمثيل وإخراج وكتابة وغيرهم.
وسوف تؤثر تلك الشروط على صناعة الأفلام والفائز بالأوسكار بشكل كبير، حيث أنها ستصبح إلزامية عام 2024 للترشح لجائزة أفضل فيلم. وقد يصبح للجائزة كتالوج نمطي يجب اتباعه للحصول عليها بعيدًا عن الإبداع، مما قد يفقدها قيمتها ويحرم أفلام أخرى تستحقها. ولكن في النهاية ذلك الأمر سيعتمد على صناع الأفلام وقدرتهم على الإبداع في المساحة المحددة.
يحيى محمد علي - أراجيك