استخدم العلماء وسائل عدة للتأريخ للتغيرات المناخية، وفي دراسة حديثة أضاف العلماء طريقة جديدة لفعل ذلك بتحليل كومة من ذرق الخفافيش تعود إلى آلاف السنين، وتوصلوا إلى نتائج مثيرة للاهتمام.
ففي حين لا يعير البعض اهتماما لكومة من ذرق الخفافيش التي تراكمت على مدار 4300 عام، فإن هذا الذرق قدم لمجموعة من الباحثين نظرة ثاقبة ومثيرة للاهتمام عن كيفية تغير حمية الخفافيش ومن ثم الظروف المناخية المحيطة بها على مدار آلاف السنين.
وقد نشر الباحثون نتائج دراستهم في "دورية جيوفيزيكال ريسيرش: بيوجيوساينسس" (Journal of Geophysical Research: Biogeosciences)، ونشر بيان صحفي عنها بموقع "أدفانسنغ إيرث آند سبيس ساينس" (Advancing Earth and Space Science) بتاريخ 12 أبريل/نيسان الحالي.
أثرت تغيرات المناخ في غذاء الخفافيش وهو ما ظهر في ذرقها (غيتي)
معرفة النظام الغذائي
بارتفاع يبلغ مترين، قامت كومة من ذرق الخفافيش -المعروفة أيضًا باسم "جوانو" (guano)- بتسجيل التاريخ بوضوح، فبتحليل هذه الطبقات، تمكن العلماء من اكتشاف التغيرات في النظام الغذائي للخفافيش التي تعيش في أحد كهوف جامايكا (جزيرة في البحر الكاريبي) منذ آلاف السنين.
إذ يوفر هذا التغير في الحمية الغذائية لمحات عما كان عليه المناخ والبيئة في ذلك الوقت، من تغيرات في درجات الحرارة وهطل الأمطار التي تؤثر بدورها في حياة الحيوانات والحشرات والنباتات التي كانت متاحة للخفافيش لتقتات عليها.
ويقول عالم المسطحات المائية جولز بلايز، من جامعة أوتاوا (University of Ottawa) في كندا، "نحن ندرس تاريخ الطبيعة ونستطيع معرفة الظروف المناخية في الماضي من الرواسب في قاع البحيرات، لكنها المرة الأولى التي يستطيع فيها العلماء ذلك عن طريق حمية الخفافيش، على حد علمنا".
اهتم العلماء بالستيرولات المميزة للغذاء النباتي والحيواني في ذرق الخفافيش (غيتي)
الدلالات البيوكيميائية
كان الباحثون مهتمين بشكل خاص بالستيرولات، وهي دلالات كيميائية حيوية تبقى محفوظة آلاف السنين مميزة لكل من الغذاء النباتي والحيواني، وتنتقل من الطعام إلى الذرق إذ تتغذى أنواع الخفافيش الموجودة في الكهف على كل من الفاكهة والحشرات، لذلك عُثر على كلا النوعين من الستيرولات، ولكن بنسب متفاوتة.
التحليل أجري على ذرق الخفافيش التي تعيش حاليا في كهف "هوم أواي" (Home Away) بجامايكا، الذي يضم نحو 5 آلاف خفاش من 5 أنواع مختلفة، وذلك أعطى الفريق العلمي ركيزة للعمل على أساسه.
ومما كُشف عنه كذلك أنه عندما كانت البيئة جافة، منذ نحو ألف و3 آلاف عام، أدى ذلك إلى صعوبة الحياة لدى للحشرات، وفي تلك الأوقات كانت الخفافيش تتغذى على الفاكهة في كثير من الأحيان.
وتقول عالمة الأحياء لورين جالانت، من جامعة أوتاوا "لقد استدللنا أن المناخ في الماضي كان له تأثير في الخفافيش، فمع التغيرات الحالية في المناخ، نتوقع أن نرى تغييرات في كيفية تفاعل الخفافيش مع البيئة المحيطة، وقد يكون لذلك عواقب على النظم البيئية".
وفر ذرق الخفافيش أدلة على تغيرات البيئة والمناخ سواء أكانت طبيعية أم لأسباب بشرية (غيتي)
ربط بالأحداث التاريخية
أما الاكتشاف الآخر المثير للاهتمام فهو التغيرات في تكوين الكربون في الجوانو، الذي ربما يرتبط بوصول قصب السكر إلى جامايكا في القرن الـ15، كما يمكن أيضا ملاحظة الدلالات الكيميائية للأنشطة البشرية مثل التجارب النووية ووصول الغاز المحتوي على الرصاص.وتعدّ الخفافيش أكثر أهمية للنظم البيئية مما نتوقع: فهي تؤثر في أعداد الحشرات وتلقيح الأزهار ونثر البذور، والطريقة المتبعة في هذا الكهف طريقة فعالة وغير ضارة لدراسة حميتها الغذائية ومعرفة ما لحق بها على مرّ التاريخ؛ فباستخدام كومة من الجوانو يمكن معرفة معلومات تمتد آلاف السنين.
ويعلق عالم الجيولوجيا مايكل بيرد، من جامعة جيمس كوك (James Cook University) في أستراليا، على الدراسة قائلا إنه "عمل متقن يوضح مقدار ما يمكنك التوصل إليه باستخدام الذرق؛ لقد فتحت هذه الدراسة آفاقا جديدة".