خلال فترة طفولته، ساعد ميهير فايا والده في إدارة الأعمال التجارية الناشئة بمجال المجوهرات، في مدينة دبي، حيث كان يرافقه خلال رحلته عبر قارب العبرة لبيع قطع الذهب.ولا يزال فايا يذكر السوق عندما كان عبارة عن بضعة أكشاك متهالكة على ضفاف النهر، قبل أن يصبح موطناً لمئات من تجار التجزئة.



ويعد أشوين فايا، وهو والد ميهير، واحداً من آلاف تجار الذهب، وصائغي الذهب، والحرفيين، ورجال الأعمال الهنود الذين قاموا بزيارة دبي، في السنوات الأخيرة من القرن الـ20، لجني ثرواتهم في تجارة الذهب المزدهرة.
وفي فترة ما قبل الوباء، شكل سوق الذهب والمجوهرات 20٪ من إجمالي الصادرات غير النفطية لدولة الإمارات، حيث يأتي معظمها من مدينة دبي.

نشأة السوق

ولم تتغير أزقة سوق الذهب وأسطحه الخشبية بشكل كبير خلال القرن الماضي، بصرف النظر عن إجراء بعض التحديثات.
ولكن، توسع السوق من حوالي 400 متر مربع إلى موقع يزيد عرضه عن كيلومترين وطوله عن 3 كيلومترات. ويمارس أكثر من 700 شخص تجارته في سوق الذهب أو سوق "مينا بازار".
وهناك العديد من المتاجر التي لا تزال تديرها عائلات منذ عقود طويلة.وفي أوائل القرن الـ20، كانت ضفاف خور دبي موطناً لعدد قليل من تجار المجوهرات المحليين، الذين يتاجرون على طول طريق التوابل.

ولكن، شجعت سياسات التجارة الجديدة في الأربعينيات جميع رواد الأعمال الإيرانيين والهنود على إنشاء متاجرهم. وفي العقود التي تلت حقبة السبعينيات، تغيرت ثروات المدينة مع اكتشاف النفط.


مدينة الذهب

ويتذكر جايانت جافيري تلك الأيام المليئة بالحب.
وسافر جايانت، وهو من مومباي، إلى دبي برفقة شقيقه أنيل، في عام 1971، وهو نفس العام الذي تأسست فيه دولة الإمارات العربية المتحدة.
وكبر الأخوان في قطاع تجارة الذهب بالبحرين، حيث أسس جدهما شركة للصيرفة، والتي باعت أيضاً سبائك الذهب. ولكن، اختار الشقيقان طريق الاستقلال بأنفسهما.
واتخذ متجرهما الأول موقعه في دبي، حيث كان عبارة عن شركة تجارية عامة، تتولى تجارة الذهب بتوجيهات صادرة عن جدهما.



ومع زيادة الطلب على الذهب في الخليج بشكل تدريجي، أسس الشقيقان "مجوهرات جافيري"، في عام 1990. ويقال إنه أول متجر بسوق "مينا بازار" في بر دبي.
وفي السنوات التالية، ظهر آلاف من الهنود في دبي، حرصاً على محاكاة نجاح من قبلهم. وبالتالي، شهدت التسعينيات ذروة اندفاع الإمارات نحو الذهب.
واكتسبت دبي لقب "مدينة الذهب"، وهي وجهة غير مكلفة لشراء الذهب والأحجار الكريمة، ولا تزال تتمتع بهذه السمعة حتى يومنا هذا.
ويعود ذلك إلى انخفاض الضرائب، حيث لا تتجاوز القيمة المضافة 5٪، بالإضافة إلى ارتفاع حدة المنافسة بين تجار الذهب، وتطبيق اللوائح الحكومية.




ولا تعد أسعار المجوهرات في دبي ثابتة، فهي تتبع سعر السوق اليومي لأسعار الذهب العالمية، ما يعني أنه يمكنك المساومة مع أصحاب المتاجر.
ويقول فايا: "هناك منافسة هائلة الآن، حيث تغيرت جميع الاتجاهات.. في الماضي، كانت جميع المجوهرات مصنوعة يدوياً.. اليوم، تتم مرحلة التصميم عبر الكمبيوتر وتتوفر لدينا آلات الصب".
سر النجاح
وبالنسبة إلى معظم مندوبي مبيعات الذهب بدبي، يكمن سر النجاح في العملاء المخلصين، الذين توطدت علاقتهم بالتجار على مدى عقود طويلة.
ويعد ميهول بيتاني شاهداً على ذلك.




ووصل ميهول إلى دبي في عام 2007، علماً أنه كان يكاد يتحدث اللغة الإنجليزية ولا يعرف شيئاً عن تجارة الذهب والألماس، كونه نشأ في أسرة من المزارعين.
وبعد مضي 13 عاماً، أصبح ميهول واحداً من أكثر البائعين شعبية في المدينة، ويقول إن أكثر من 90٪ من عملائه مخلصين له.
ويوضح ميهول: "الأمر كله يتعلق بالصدق والوضوح مع العملاء.. مهما كان ما تبيعه، عليك أن تقول الحقيقة، حتى يحصلون على القيمة مقابل المال".
ولا يعمل مندوبو المبيعات على مبدأ العمولات أيضاً، ما يعني أن ميهول يعمل ستة أيام في الأسبوع، و 12 ساعة في اليوم الواحد، بسبب حبه لوظيفته بشكل أساسي.
لاعبون كبار
وبينما استمر بعض التجار في بيع الذهب على الطريقة التقليدية، مثل "مجوهرات جافيري"، سعى البعض الآخر إلى التوسع في أعمالهم.
وأصبحت اليوم العلامات التجارية مثل "كارا" للمجوهرات و"داماس" و"جوي الوكاس" من بين الأسماء المألوفة لغالبية الأشخاص.
وبالنسبة إلى جايانت جافيري، من المستحيل التنافس مع هؤلاء اللاعبين الكبار، فأسعاره عادة ما تكون أعلى لأنه لا يشتري الذهب بكميات كبيرة.
وينظر جافيري أحياناً إلى المنافسين، معتقداً أن "أعمالهم هي أفضل من عمله".




ولكن تعتقد المتاجر الكبيرة أن هناك متسعاً في السوق للجميع.
ونشأ بابو جون في ولاية كيرالا بالهند، قبل افتتاح متجره الأول "Sky Jewellery" في سوق الذهب، خلال عام 1988.
واليوم، يملك جون أكثر من 20 صالة عرض في جميع أنحاء الخليج، بالإضافة إلى 3 متاجر بسوق الذهب، حيث يبعد كل منها حوالي 200 متر عن بعضها البعض.
ولكن، كان لا يزال هذا القطاع مزدهراً قبل تفشي الوباء.وبعد عقود من النمو السريع لتجارة الذهب في الإمارات، كانت جائحة "كوفيد-19" هي السبب وراء تباطؤ بعض الأمور.

ووصل الذهب إلى أدنى مستوياته في عام 2019، حيث وصل سعر الأونصة الواحدة إلى حوالي 1200 دولاراً. وبعد وصوله إلى أعلى مستوى على الإطلاق في عام 2020، بأكثر من 2000 دولار للأونصة، انخفض اليوم إلى حوالي 1800 دولار.
أمل بمستقبل أكثر إشراقاً
ويقول ميهول إن الوباء قضى على 40٪ من مبيعاته، بينما عاش ميهير وعائلته ستة أشهر "مروعة"، غير متأكدين من عودتهم إلى العمل مجدداً.
ولكن، يأمل مؤسس "Al Anwaar Jewellers"، راجيش بوبلي، أن تكون الأيام أكثر إشراقاً في المستقبل.




ونشأ بوبلي أيضاً في عائلة من تجار المجوهرات بمومباي، حيث كان والده تاجر جملة يشتهر ببيعه مجوهرات الذهب ولؤلؤ المياه العذبة.
وانتقلت العائلة إلى دبي عندما كان راجيش يبلغ من العمر 16 عاماً فقط، حيث أشرف على متجر افتتحه والده له.
ويقول راجيش: "لم يكن والداي متعلمين، لكنني كنت جيداً في دراستي. وتحت إشراف والدي، قمت ببيع الكثير من الذهب واللؤلؤ".




واليوم، هناك فروع مختلفة لشركة "Al Anwaar Jewellers" في مومباي ودبي، ما جعل راجيش فخوراً بهذا النمو، لكنه غير متأكد من حدوث ذلك في مكان آخر بالعالم.
وقال: "يعرفنا السكان المحليون، كبرنا مع ثقافتهم وبركاتهم. لقد قدمت لنا هذه المنطقة الكثير من الخير".