"يا باعثا على الأمان، لو تقبل،
أن أكشف لك عن جراحي،
وأبوح لك بقصتها."
وحده، الباعث على الإحساس بالأمن، يسمح لي قلبي أن أبوح له بسري. وحده يسمع شكواي، كأنه إلهي الذي يفقد كل شيء، غير صفة البعث.
يبعث الأمان في قلبي، لما يموت جراحا، لما أحكي له قصة قلبي. إلهي، الذي يخلق كل شيء بحس الأمان. داك الأمن الذي لا يعكر الريب والغدر ، صفاءه ونفوذه في قلبي. طوبى للأمين، وحده يسكن الوريد والأبهر، وينساب بين تجاويف الروح.
لقد مللت من البحث عن الخبر الضائع، ولكن الشعراء والمغنون لم يملوا. اعتذر، لم تعد لي رغبة في الحديث عن الحب الضائع. للشاعر الكلمة، مسترسلا:
"ليتني، كنت طيرا جارحا،
آوي إلى السماوات،
بالسؤال على عارض مطير:
هل من خبر عن قمري؟
أتشوف إشعاعه، بينما لا يزال ضائعا.
لربما انزوى مع النجوم وراء المحيطات.
لقد نخرني السقام، ولم أجد من يداويني.
أبكي لذكراك، لا أملك صبرا ولا عزاء،
وقد أفقدني الشوق طعم الحياة.
ذات المجد أراك، وبوصلة الخير،
وناصعة بالجمال.
تحرمينني من صراحة عينيك،
وأخاف عليك من حكم ربّي.
أسعى إليكِ، كأنما أعرج للسماء السابعة.
لا أحسدك، فأنت إبداع ربي.
وقد خلقك من النور،
وأحاطك بكل النجوم.
يسعى الجميع للتقرب إليك."
(كلمات من اغنية "أودادن"، ترجمتها إلى العربية)
أي صبر هذا لدى الشعراء، للتمسك بحبل الوصال لهذه الدرجة؟ لا أستطيع مجاراتهم في هذه الفضاحات. لربما أن الأحبة قدر ما كانو مثالات، قدر ما يمكن التعبير المستمر عن هذه التملقات الشعورية. فلا يصل الانسان درجة التملق إلا مع كائنات متعالية، مثالية، لاهوتية.
إن كان هذا هو الحب، فلا أدري لِما تعيا القرائح للتعبير عنه؟ فلن تستنفذه الكلمات، ولو جئنا بكل الأصوات، ولو كسرنا جميع الماعون، ولو جئنا بكل البشر رسلا وأنبياء. فلِما تتعب القرائح؟
"قبل أن ياذن للروح بالسبات.."
قبل، ان التقط جرة الماء.."
قبل أن أعبر الحدود، قبل أن تقوم الأرواح من مرقدها، لما قال "كن" وقبل "أن يكون"...
وما ذا يكون هذا الـ"قبل"؟
إنه لحظة، إنه زمن رقيق، ينبسط على الوجود، إنه الزمن الأثيري، الفالحي.
إنها اللحظة التي فيها "يُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ" (الآية)
إنها لحظة أمان، تسود الزمن كله. إنها لحظة منفلتة تصنع الزمن الفالحي. تخلق الحياة كلها.
إنها اللحظة التي تنبعث مع ذوي الفضل بالأمان، فيصنعون ما تعجز كل الآلهة لخلقه على الأرض.
ولكن كما يُقال "من يضمن هدوء العجوز، قبل أن يبرد الحساء
حسن أوعثمان