أمام مدخل أحد مراكز التسوّق عَلَتْ أصوات صراخ مما لفت انتباه منى وصديقتها شذى ، توقّفتا بعيداً على الرصيف المقابل لتريا ماذا يحدث ، لمحتا شابّاً حنطي اللون مفتول العضلات ذو لحية انيقة ، وقد امسك به رجلان من رجال الشرطة.
الشرطي بصوتٍ عال : ستذهب معنا... يعني ستذهب معنا...
الشاب: ولكني لم ارتكب أي جرم كي تأخذني للمخفر..
الشرطي : وماذا تُسمّي عدم ارتدائك الكمامة داخل المجمّع؟
الشاب : كما متي نسيتها في حقيبة والدتي التي دخلت قبلي إلى هذا المجمّع سآخذها منها وألبسها.
الشرطي : ماذا ! ؟ هل تريد ان تتجوّل داخل المجمع بدون كمامة باحثاً عن أمّك؟ هذا امرٌ مرفوض... فإمّا أن تدفع غرامة المخالفة أو نصطحبك معنا الى المخفر... ماذا تقول؟
الشاب بعصبيّة : أنا لاتهمّني النقود لكن هذا ظلم... اتركوني ... ملعون ابو الكمامة!
في هذه الاثناء قررت الفتاتان ان يتدخلن عسى ان يتمكّن من إنقاذ هذا الشاب الوسيم من هذه الورطة.
اقتربتا من باب المجمع واسرعتا لتخليص الشاب من أيدي الشرطة!
الشرطي الأول متعجباً : ماذا تفعلن ؟ ابتعدن من هنا... لا علاقة لكنَّ بالأمر.
ضحك الشرطي الثاني بخبث قائلاً : ومن قال لك بأن لا علاقة لهنَّ... انظر جيداً.. ولا واحدة منهنّ ترتدي كمامة... وهنّ الآن داخل المجمع..
الأول : صحيح ! كيف لم انتبه لذلك ؟
منى : نحن دخلنا لمساعدة هذا الشاب من بين أيديكم وليس لنا نيّة الدخول اصلاً.
الأول : وما علاقتكن به؟ هل هو صديق ام قريب؟
شذى : كلا.. هو غريب عنّا لكننا تعاطفنا معه ليس إلّا.
الثاني : لا يهمني سبب دخولكن...كل ما يهمّني هو تطبيق القانون وعليكن ايضاً دفع الغرامة!
جاءت أم الشاب مسرعة وهي تصرخ : ثامر.. إبني..لماذا تمسكون به؟ ماذا فعل؟
الأول: لقد دخل المجمّع دون كمّامة وعليه ان يدفع الغرامة وإلّا اخذناه للمخفر.
الأم : ها هي كمامته معي ، خُذ يا بُنيّ والبسها ، يالكم من قُساة..
الثاني : لدينا أوامر ويجب أن ننفّذها..
الام مخاطبة ابنها : ومن هاتان الشابتان اللطيفتان؟
الابن : لا اعرفهن ولكنهن حاولن مساعدتي ويبدو انهن تورطن نفس ورطتي ، لانهن كذلك بدون كمامات..
الأم : شكراً لكنَّ حبيباتي ، لن انسى لكنَّ هذا الجميل.
شذى : لا داعي للشُكر يا ماما... نحن لم نقم سوى بالواجب
منى : اعذريها يا خالة لو نادتكِ ب(ماما) لأنها يتيمة الأم ، فقد توفّت والدتها اثناء الولادة.
اغرورقت عيني الأم بالدموع وأقبلت على شذى وضمّتها الى صدرها وهي تبكي
الأم لشذى: فيكِ عطر ورائحة ابنتي التي فقدتها بحادثة سيّارة... كم انت كريم يا ربّ
الشرطي: هل نحن في مشهد درامي؟ هيّا... ادفعوا الغرامات وانصرفوا من هنا... لدينا الكثير من الواجبات ولسنا متفرّغين لكم ولعواطفكم.
همّت الأم بإخراج حافظة نقودها لدفع الغرامة ،.
في هذه الأثناء وقفت سيارة شرطة أمام باب المجمّع ونزل منها ضابط شرطة ، دخل المجمّع ليعرف سبب هذا التجمع
الاول : سيّدي... لقد أوقفنا هؤلاء الثلاثة وهم يهمّون بالدخول دون كمامات ، وهم لا يريدون دفع الغرامة.
الضابط : لا تكونوا كالروبوتات، لتكن في قلوبكم ذرّة رحمة وشيء من الانسانية ، هؤلاء بشر وربما لم يفعلوا ذلك عمداً
منى : صحيح يا حضرة الضابط ... نحن دخلنا لمساعدة هذا الشاب وقد فاتنا بأننا لا نرتدي الكمامات.
الضابط للشرطيان: اطلقا سراح الجميع واذهبا داخل المجمع... هيّا.. تحرّكا...
ذهب الشرطيان وهما يتذمّران
الاول: يا لسوء حظّنا... ما الذي أحضر الضابط في هذه الساعة؟
الثاني : خسارة.. كنّا سنكسب منهم كميّة من المال..
الأول : لا عليك... خيرها بغيرها.
خرج الجميع الى الشارع والأم ممسكة بيد شذى كأنها تمسك بيد إبنتها ،ابتسم ثامر وقال معاكساً أمّه :أحم.. أحم.. نحن هنا...
أجابت شذى ضاحكةً : لقد خطفتها منك... هي أمّي انا أيضاً... أليس كذلك يا ماما؟
الأم: نعم.. هو كذلك يا روح ماما.
ثامر مخاطباً أمّه : ما رأيكِ يا أمي أن ندعوهم مع عائلاتهم لشرب القهوة عندنا في الفيلا يوم الخميس القادم كي نتعارف ؟
الأم : إنها فكرة ممتازة... هل انتنَّ موافقات عليها؟
منى: سجّلي لديكِ ارقام هواتفنا وأعطنا رقم هاتفكِ وسنبقى على إتّصال، سنطرح الأمر على اهلنا .. كل شيء سيكون على مايرام بإذن الله.
تبادلوا ارقام الهواتف ثم ودّعوا بعضهم وذهب كلٌّ في طريقه ، منى وشذى واصلتا السير على الاقدام في حين استقل ثامر وأمه سيارتهما الفارهة.
منى مخاطبةً شذى: ما ألطف هؤلاء الناس ! لقد عاملتكِ الأم كما لو كنتِ إبنتها !... إنها إمرأة طيّبة ولطيفة..
شذى : نعم.. لقد أحسستُ بذلك وقد احببتها من كلّ قلبي
منى : وما رأيكِ بثامر؟
أحمرّت وجنتا شذى خجلاُ واحنت رأسها قائلة : إنه شاب لطيف...
منى : وماذا بعد ؟ لقد لاحظته وهو يكاد يأكلك ببصره... يا عفريته...
شذى بصوت مبحوح : لا أدري... ربما ... لا أعلم
منى بخبث : لقد ألقيتِ شباككِ عليه ووقع في المصيدة ... أه منكِ آه
ضحكتا ثم استقلّتا باص عمومي .
وصلت شذى الى البيت وكان والدها لايزال في المصنع، فهو يعمل كعامل بسيط في أحد مصانع الأغذية.
بدأت بتجهيز طعام العشاء مما توفر لهم في شقّتهم المتواضعة ، أكملت تحضير الطعام وبدأت تحضّر واجباتها الدراسية ، فهي في المرحلة الثانية من الدراسة في كليّة التربية مع صديقتها منى.
بعد حوالي الساعة دخل والدها واستلقى على الأريكة وهو منهك القوى ، بادرته شذى بالترحاب واحضرت له إناء فيه ماء دافيء وبدأت تغسل قدميه بكل حب وحنان...
الأب : حبيبتي... هل من جديد؟ كيف كان يومكِ؟
شذى : الحمد لله يا أبي... كل شيء على ما يرام... أنا بخير طالما انت بخير.
الأب : أراكِ على غير عادتكِ... فأنت لا تنظرين أليَّ وتحاولين ان لا انظر في عينيكِ ... ما الذي يُقلقك يا حياتي؟
شذى بتردّد : كنتُ ذاهبة مع صديقتي منى للتسّوق وقد تعرّفنا على أم وإبنها في أحد المتاجر... لقد أحسست وكأنّها أمّي التي افتقدها..
انهمرت دموعها على خدّيها وواصلت الكلام : وهي بالمقابل اخذتني الى صدرها وقبّلتني وقالت لي بأني بمقام ابنتها التي ماتت.
الأب وهو يمسح دموعها : ان الله يحبّك يا ابنتي وقد وضع تلك السيّدة الفاضلة في طريقكِ ربّما كي تعوّضك عن حنان الأم ... ألف حمد وشكر لك يا رب .... وماذا حصل بعد ذلك؟
شذى : لقد كانت مع إبنها وطلبا منّي ومن منى ان نطلعكم على إمكانيّة زيارتهم يوم الخميس القادم... ماذا تقول يا أبي؟
الأب : بكل سرور ، إتّصلي بمنى لنعرف موقف أهلها .
شذى مخاطبةً منى على الهاتف : مرحباً منى... لقد تكلّمتُ مع أبي حول الدعوة في بيت ثامر ووافق ، فهل فاتحت اهلك؟
منى : نعم .. بابا وماما موافقين ... سأتّصل بأم ثامر لأخبرها بقدومنا ولكي آخذ منها العنوان ايضاً.
شذى : حسناُ ... أخبريني بالنتيجة كي نذهب كلّنا سويّة.. باي..
كان يوم الخميس عصرا ، الكل يرتدي أجمل ما يملك من ملابس، أوقفوا سيّارة أجرة وانطلقوا الى الفيلا.
السائق: ارتدوا الكمّامات لو سمحتم..
نزلوا حسب العنوان ليروا فيللا رائعة الجمال تزينها الاشجار والورود ويبدو من بعيد حوض سباحة ...
انبهر الجميع من المنظر.. قرعوا الجرس ففُتحت الباب من تلقاء نفسها.
وما ان دخلوا في الممر حتى استقبلتهم أم ثامر بفرح غامر ورحّبت بهم افضل ترحيب ودعتهم للدخول الى غرفة الصالون.
كان الصالون مليئاً بالتحف الثمينة والاثاث الفاخرة والثريّات المبهرة للنظر... إستأذنت أم ثامر من الضيوف ودخلت المطبخ وفي هذه الاثناء دخل ثامر ورحّب بالضيوف الواحد تلو الآخر وهو في غاية السعادة.
جلس ثامر معهم وبعد برهة دخلت أم ثامر ايضا وجلست بجانب أبنها.
لحظات ودخلت الخادمة وهي تدفع عربة التقديم وعليها فناجين القهوة وقطع الجاتوه.
كانت أمسية رائعة تعارف الجميع على بعضهم ..
أم ثامر : لقد سررنا كثيراً بمجيئكم وارجو ان تكرّروا الزيارة في القريب
ابو منى : إن شاء الله .. شكراً على حُسن ضيافتكم ، وارجو ان تزورونا كي نقوم لكم بالواجب.
ثامر : فرحنا اليوم بكم وإن شاء الله نلتقي ثانية..
غادر الضيوف الفيلا وهم في غاية السعادة ، استقلوا تاكسي وذهبت كل عائلة الى بيتها.
دخلت عائلة منى البيت وبعد ان استراحوا قليلاً قالت أم منى : عائلة غنيّة ، أم وابنها الشاب الذي سيُصبح مهندساً... يالها من فرصة ذهبيّة !
الأب : عن أيّ فرصةٍ ذهبيّة تتكلّمين؟
أم منى : ما بك.. ألا تفهم؟ أقصد ان نجعل ثامر يقع في غرام منى وبعدها يصيبنا من ثروتهم الكثير ونصبح أغنياء.. أغنياء
منى : ماذا تقولين يا أمي؟ أنا لست سلعة تتاجرين بها...
أم منى : أنتِ مثل أبوكِ تعشقين الفقر ... هذه الفرصة وصلت لنا ولا يجوز أن نفرّط بها أبداً... أفهمتِ؟
دخلت منى الى غرفتها غاضبة واغلقت الباب.
أبو منى : دعي الامور تجري كما يشاء الله ولا تُلحّي على البنت فهي أدرى بمصلحتها.
أم منى : كلّا... هي لا تعرف مصلحتها... أنا أمّها وأدرى منها..
في بيت شذى ، خلع الأب بدلته الوحيدة وعلّقها ثم دخل غرفته ، في حين بدأت شذى بتحضير طعام العشاء.
وهما يتناولان الطعام سأل الأب ابنته : كيف وجدّتِ العائلة يا أبنتي؟
شذى : لقد ازداد حبّهم في قلبي... إنهم لطفاء ومتواضعين.
الأب : فعلاً يا شذى وهذا ما أحسست به أيضاً ، الأم كانت قمّة اللباقة والأدب..
شذى : الأم ... ها !
الأب ضاحكاً : وأبنها كذلك ... هل اعجبكِ ثامر؟... قصدي شريف والله
ضحك الأثنان وذهب كلٌّ الى غرفته
الأب يطلب من الله : يا رب ... أجعل هذا الشاب من نصيب إبنتي... يا رب
التقت الصديقتان أمام باب الكليّة
شذى : منى ... كيف حالكِ؟ .. أراكِ مضطربة... ماذا حدث؟
منى : لا .. أبداً .. بعض المشاكل العائليّة .. لا عليكِ
شذى : لقد كانت زيارتنا لعائلة ثامر لطيفة جداً وممتعة
منى : بالفعل.. إنهم أهل ذوات وجاه وثروة ، إضافةً الى أخلاقهم الراقية.
في هذه الأثناء رنَّ هاتف شذى
شذى وهي تنظر في الهاتف : يا إلهي .. إنه ثامر .. مرحباً ثامر.. كيف الحال؟
ثامر عبر الهاتف : أنا بخير ولله الحمد ... أين انتِ ؟
شذى : أنا مع منى وقد خرجنا للتو من الكليّة.
ثامر : مقابل الكليّة هناك متنزّه عام .. سأنتظركما هناك
شذى : سأخبر منى بذلك واخابرك.. باي.
منى : ماذا يريد؟
شذى : يريد أن يقابلنا في ذاك المتنزّه القريب .. هل نذهب؟
منى : يجب أن أخابر أمي
شذى: وأنا كذلك سأخابر أبي.
أخرجت منى الهاتف ورنّت على أمّها : ماما ... ثامر يريد ان يلتقي بنا أنا وشذى في المتنزه القريب من الكلّية... هل انتِ موافقة؟
الأم عبر الهاتف : انتِ وشذى!... ولماذا تأتي شذى معكِ؟ .. ألا تستطيعين التملّص منها والذهاب لمقابلته وحدكِ؟
رنّت شذى على والدها : بابا .. آسفة على الأزعاج ، ثامر خابرني قبل قليل وطلب منّي أن أقابله في المتنزه المقابل للكليّة... هل توافق؟
الأب عبر الهاتف : اذهبي يا ابنتي ومن الأفضل أن تصطحبي منى معكِ لأنه أول لقاء بينكما...
شذى : شكراً لك يا أبي .. سأفعل كما قلت.. باي
شذى لمنى : لقد وافق أبي على شرط أن اصطحبكِ معي
منى : ووافقت أمّي كذلك وقد فرحت كثيراً لكونك معي.
رنّت شذى على ثامر : هلو ثامر .. لقد قرّرنا أن نلتقيك في المتنزه... إلى اللقاء.
ألتقى الثلاثة في المتنزه وجلسوا على إحدى الأرائك.
ثامر : أنا سعيد برؤيتكما هذا اليوم
منى : نحن أسعد ... بالمناسبة، أمّي تسلّم عليك.
ثامر : وعليكم السلام... وماذا عنكِ يا شذى؟
شذى : انا مسرورة بلقائك وأبي معجبٌ بأخلاق وتصرّفات أمّك.
ثامر : تقصدين أمّك...
وضحك الجميع ، ودار بينهم طيب الكلام والوئام ، بعدها همّوا بالانصراف ، فقال ثامر : سيّارتي واقفة أمام المدخل، سأوصلكما ..
شذى : لا داعي لذلك
منى : أنا أرى أن لا ضير من ذلك ، نحن صرنا أصدقاء... أليس كذلك؟
ثامر : بالتأكيد ... هيّا بنا..
أوصل ثامر البنتين كل واحدة الى بيتها وذهب الى البيت، كانت أمّه جالسة في الصالون ، سَلّم عليها وجلس وهو يدندن بأغنية.
الأم : كيف كان يومك ؟ تبدو فرحاً... قُل لي .. فرّحني
ثامر : لقد التقيتها يا أمي.. التقيت مع حبيبة قلبكِ .. التقيت مع شذى .. صحيح أنها لم تكُ لوحدها، بل كانت بمرافقة منى ، لكني أحسستُ وكأنّنا لوحدنا..
الأم: كم اشتقت لرؤيتها... قل لها عندما تراها بأني أحبها
ثامر : الهاتف قربكِ .. أتّصلي بها وقولي لها ما تشائين.
أخذت الأم الهاتف واتصلت بشذى ودار بينهما حديث المحبّة والاشواق دام لأكثر من نصف ساعة ، ثم أغلقت الخط.
الأم لثامر : حبيبي ثامر.. ما رأيكَ أن أخطبها لك؟ إن كنتَ تُحبّني فلا ترفض كما كنت ترفض في السابق ، أنا أحببت شذى ولا أريد أن أخسرها.
ثامر : ولكننا لا نعرف الكثير عنها وعن عائلتها، هي بنتٌ لطيفة ، ذكيّة ومؤدّبة، دعيني أتعرّف عليها وعلى أبيها أكثر.
الأم : لا داعي للتأخير... خير البِرّ عاجله.. وكما قُلت لك ، لا أريد أن اخسرها بأي حال من الأحوال.
ثامر : حسناً .. سأتّصل بها غداً وأسألها إن كانت موافقة على الخطبة أم لا.
وصلت منى الى البيت فبادرتها أمها بالسؤال وبتلهّف : أبشري يا أبنتي.. أحكي لي كل شيء بالتفصيل ، وهل تخلّصتِ من اللصقة المزعجة شذى؟
منى : كلّا يا أمّي ، لقد ذهبنا سويّة للقاء ثامر
أم منى بعصبيّة : كم أنتِ ساذجة وعلى نيّاتكِ .. إلى متى تبقين على هذا الغباء؟ أذهبي الى غرفتكِ ولا أريد سماع أي شيء... غبيّة !
في اليوم التالي أتّصل ثامر بشذى : هلو شذى ... انا ثامر.. كيف حالك؟
شذى من على الهاتف : اهلاً ثامر.. شكراً.. أنا بخير
ثامر : شذى .. اسمعيني جيّداُ .. أنتِ تعرفين مدى حُب والدتي لكِ وانا أيضاً شعرت بأحساس يشدّني أليكِ ربّما هذا ما يسمّونه الحُب من أول نظرة... ألو.. هل أنتِ معي؟
شذى بخجلٍ شديد : نعم .. أنا معك
ثامر: جيّد .. لقد قرّرت وبالاتفاق مع والدتي ومباركتها أن أتقدّم لخطبتكِ.. فهل أنتِ موافقة؟
سكتت شذى وكأنّها تبكي من الفرح وقالت بصوتٍ مبحوح : كما تريد..
أبلغت شذى والدها بالأمر ففرح فرحا شديداً وشكر الله الذي استجاب لدعائه وقفزت دمعة من عينه
شذى : لماذا تبكِ يا أبي؟
الأب : بقدر فرحي لكِ ، بقدر حزني على فراقكِ، فليس لي في هذه الدنيا غيرك..
شذى : ومن قال أني سأتركك؟ انت ستكون معي وفي قلبي على الدوام
الأب : بارك الله فيكِ يا أبنتي ، لكنها سُنّة الحياة..
وبعد ثلاثة أيام عرفت منى بموضوع الخطبة ففرحت من جهة وخافت من ردّ فعل أمّها من جهة ثانية.وبالفعل، حين علِمَت بالأمر بدأت توبّخ أبنتها وتؤنّبها على خسارة هكذا صفقة رابحة.
قالت وهي في قمّة الانفعال والعصبيّة : سأبذل كل ما بوسعي كي أٌفشل هذا الزواج !
ذهب ثامر وأمّه لزيارة بيت شذى ، دخلا الشقّة الصغيرة بعد ان فتحت شذى الباب ، كان والدها قد أخذ إجازة من العمل هذا اليوم وجلس في غرفة الاستقبال ينتظر قدومهما، ما أن دخلا حتى جاء الأب يرحّب بهما بكل حفاوة.
أم ثامر : شقّتكم حلوة وبسيطة ، إنّها تُذكّرني بأول أيام زواجي حيث كنتُ أنا والمرحوم زوجي نسكن في شقّة مثلها...
أبو شذى : أسعدنا حضوركم .. والبيت بيتكم
أم ثامر : البيت عامر بأصحابه.
جلس الجميع ثم ذهبت شذى كي تحضّر القهوة .
ثامر : يا عمّي ... انتَ تعرف كم احببناكم وأمّي أحبت شذى مثل المرحومة أختي وتعلّقت بها، وأنا كذلك أحسستُ من أول نظرة بأنها هي فتاة أحلامي ... وقد جئنا اليوم لنطلب يد كريمتك لي .. هل أنتَ موافق؟
أبو شذى : البنت أبنتكم كما هي أبنتي ... وما تُفَصّلون نحن نلبس ... مبروك عليك يا بُنيّ ... كل ما أطلبه منك أن تصونها وترعاها وتحبّها ولا تتركها في أيّام الضيق.
ثامر : أعدك يا عمّي بذلك.
دخلت شذى حاملة طبق عليه فناجين القهوة ووضعته على الطاولة.
أبو شذى : مبروك يا أبنتي ... لقد خطبكِ ثامر وأنا وافقت .. هل انتِ موافقة؟
أحنت رأسها من الخجل ودخلت غرفتها .
أبو شذى : مبروك ... السكوت علامة الرِضا.
إستأذن أبو شذى الضيوف ودخل إلى غرفة شذى ثم أخذها من يدها وأجلسها بجانب ثامر.
كانت سهرة رائعة ، تبادلوا الأحاديث والنكت ، واتفق ثامر مع شذى على موعد الزفاف. بقي الضيوف الى الساعة التاسعة مساءً .
بعد أسبوع كانت أم منى عائدة من التسوّق فمرّت من أمام البناية التي تسكن فيها شذى , فلمحت بوّاب العمارة وهو في حالة يُرثى لها ، ارتدت أم منى الكمّامة واقتربت من البوّاب
أم منى لبّواب العمارة : سلامات عمو جبّار... ما بك؟
جبار وهو يسعل : أشعر بنحول في جسمي وسخونة وهذا السعال لا يُفارقني.
تهلّلت أسارير أم منى وتمنّت أن يكون جبار مصاباً بالكورونا ، فقالت له بخبث : لي عندك طلب
جبار : انا بالخدمة .. ماهو؟
أخرجت ورقة نقديّة من حقيبتها ودسّتها بيده قائلة : خُذ ... هذه هديّة منّي لك وسأعطيك أكثر لو فعلت ما ساطلبه منك.
جبار : حتى وبدون نقود أنا حاضر يا سيّدتي.
أم منى : أسمعني جيّداً .. حين تعود شذى الى البيت حاول ان تجعلها تضع حقيبتها لديك كي تُساعدك في أمرٍ ما ، وعندما تنشغل عنك أفتح حقيبتها وألبس كمامتها قليلاً ثم أعدها الى الحقيبة.
جبار : هذا كل ما في الأمر! كنت اتوقّع شيئاً أصعب .. اعتبري الموضوع منتهي.
أم منى : شكراً ... إلى اللقاء ، عندك العافية.
أستمرّت أم منى بالمسير وجبار متعجّب من هذا الطلب الغريب.
رجعت شذى من الدوام، رأت جبّار وهو يئن من الألم
شذى : ماذا أصابك .. عمو جبّار؟
جبار : لا أدري.. ربّما نزلة برد ... هل يمكنكِ مساعدتي؟
شذى : طبعاً عمو... ماذا تريد؟
جبار :رجاءً أدخلي الى غرفة الحراسة واجلبي لي ادويتي وقليل من الماء
شذى : حاضر عمو
تركت حقيبتها بجانب جبار ودخلت الغرفة ، وبسرعة فتح جبار حقيبتها ولبس كمّامتها ثم أعادها إلى الحقيبة.
احضرت شذى الادوية وقدح من الماء واعطتهم لجبار ، أخذت حقيبتها وصعدت الى شقّتها ، وبعد مدّة قصيرة خرجت ثانيةً كي تتسوّق للبيت.
بعد بضعة أيام شعرت شذى بحمى شديدة وصعوبة بالتنفّس ، قام ابيها على الفور باستدعاء الإسعاف ، ونقلوا شذى للمستشفى .
أدخلوا شذى بسرعة إلى غرفة العناية المركّزة.
خابر والد شذى خطيبها ثامر وأبلغه بما حصل ، وبعد مدّة جاء ثامر وأمّه للمستشفى.
أم ثامر : أبنتي .. حبيبتي .. ماذا جرى لها؟
أبو شذى : لا أدري... لكنها انهارت بسرعة ، أصابتها حمّى وضيق تنفّس.
كان ثامر يذهب ويجيء بتوتّر وخوف ويردّد : حبيبتي شذى .. حبيبتي شذى .. حبيبتي شذى
خرج الطبيب من غرفة العناية المركّزة قائلاً : أنتم أهل المريضة؟
أجاب الجميع : نعم
الطبيب : عليكم جميعاً أن تُجروا فحص الكورونا، لأن ابنتكم مصابة به وهي بحالة خطرة جدّاً.
ثامر وهو يصرخ : شذى ... حبيبتي .. لقد حجزت القاعة والفرقة والفندق وحجزت لنا شهر عسل في باريس.. شذى !شذى ى ى!!