عَلاقَةُ الهويّة باللّغةِ عَلاقَةٌ جَدليّةٌ تفاعليّةٌ؛ فلَيْسَت اللّغةُ أداةً للتّعبيرِ فَقَط، ولا وَسيلةً للتّواصُلِ بينَ الأفرادِ فقط، ولا شأناً من شُؤونِ العلمِ والثّقافَةِ والتّدريسِ فقط
، ولكنّها شأن من شُؤونِ الهويّةِ والأمنِ القوميّ والسيادَةِ الوطنيّةِ والاستقرارِ الاجتماعيّ والنّفسيّ. فاللّغةُ مُؤلِّفٌ رَئيسٌ من مُؤلِّفاتِ الهويّةِ في كلّ بَلَدٍ أو وَطنٍ
أو أمّةٍ(1) ، بل الهويةُ مَفْهومٌ ذو دلالةٍ لغويّةٍ واجتماعيّةٍ وثقافيّةٍ، يَعْني الإحساسَ بالانتماءِ إلى أركان الهويّةِ التي هي الدّينُ والثقافَةُ والاجتماعُ. أمّا اللغةُ فهي
النّاطقُ الرّسميّ بلسان الهويةِ ووسيلَةُ إدراكِ العالَم وتصنيفِ المُجتَمَعاتِ، ونظراً إلى خَطَرِها وشموليتِها فهي مَسؤوليّةُ كلِّ الجِهاتِ التي تُكوِّنُ عَناصرَ المُجتَمَعِ،
مَسؤوليةُ المَجامعِ ومُؤسَّساتِ التّربيّةِ وأجهزةِ الإعلامِ والمُنظَّماتِ الثّقافيّةِ ووُجَهاءِ الأمّةِ وبُسَطاءِ العامّةِ (2) ، لأنّ اللغةَ هي الهويةُ ذاتُها وهي الأداةُ التي نُحوِّلُ
بِها المُجتمَعَ إلى واقعٍ، وثَقافةُ الأمّةِ كامنةٌ في لغتِها، في مُعجَمِها وصرْفِها وتَراكيبِها ونُصوصِها، وما من حَضارةٍ إنسانيّةٍ إلاّ وصاحبتْها اللّغةُ، وما من صراعٍ بشريٍّ
إلاّ ويكْمُنُ خلْفَه صراعٌ لغويٌّ خَفيٌّ، فالهويةُ نتاجُ المَعاني والقِيَم التي يشيدُها الأفرادُ عَبْرَ اللّغة، والطّابَع الخاصُّ بمجتَمَع من المُجتَمَعاتِ ناتجٌ عَن تَفاعُلِ ما يَسْري بداخلِه
من خطاباتٍ لغويّةٍ مُرتهنةٍ بالمُتغيّراتِ التّاريخيّةِ