ذَكرَ عبدُ القاهر الجُرجاني في دَلائل الإعْجاز، أنّ الحسَنَ البصريَّ رحمه الله،
كانَ يتمثَّلُ في مَواعظِه بالأبياتِ من الشّعرِ وكان من أوجعِها عندَه قولُ الشاعر:
اليَومَ عندكَ دَلّها وحَديثُها /// وغَداً لغيْرِكَ كفُّها والمِعصَمُ
والبيتُ أيضاً في بَهْجَة المَجالس وأنس المُجالس، وفي رواية أخرى للبيتِ:
اليومَ عندَك دلُّها ودَلالُها..... وهو أبلَغُ، للتجنيس
نَعَم، هو بيتٌ موجِعٌ ، قيلَ في المرأة، ولكنَّ الحسَنَ البصريَّ كانَ يتمثّلُ به في
غيْر النّساءِ، وينقلُه إلى مَعانٍ أخرى، إذ جَعَلَ لكلِّ ما يَفتنُ المرءَ دلاًّ ودَلالاً وكفّاً
ومعصماً، فأهملَ المعاني المُرادَةَ، في أصلِ البيتِ، وقَصَدَ إلى مَعانٍ جديدةٍ غيرِ
مُرادةٍ واستعارَ لكلّ ما يَملكُ قَلبَ المرءِ من مال أو جاه أو نَسَب... استَعارَ له الدّلَّ والدَّلالَ.
وهذه قراءَةٌ وتأويلٌ يخرجُ بالشعرِ عن مَقاصده التي توافقُ قائلَه إلى مَعانٍ جديدةٍ قابلةٍ
لأن تتّسعَ لها الأبياتُ. ويُلاحظُ أنّ في إخراج الشعرِ العربيّ من مَعانيه الأولى إلى معانٍ
جديدةٍ انسجامَ تأويلاتٍ وتعانُقَ قراءاتٍ، وليسَ صراعَ تأويلاتٍ على نحو ما ذَكَرَه بول ريكور
في كتابِه صراع التأويلات Conflits des intérpretations