العالَمُ العربيّ أو الوَطنُ العربيّ فَضاءٌ مكانيّ وامتدادٌ زمانيّ وعُمقٌ عَقَديّ وحَضاريّ وثَقافيّ يَمتدّ في المَكان، من الخَليجِ العربيّ
إلى المُحيطِ الأطلسيّ، ويمتدُّ في عُمقِ الزّمانِ من ظهورِ الإسلامِ في القرنِ السّابعِ للميلادِ، ثُمّ انتشاره عقيدةً ولغةً بالفُتوحاتِ
في اتّجاهاتٍ مُختلفةٍ، ولَقَد حصَلَت تغيُّراتٌ على مَدى الزّمانِ وطرأت أحداثٌ وتَبدّلَت دُوَلٌ طيلةَ أربعةَ عشَرَ قرناً تولَّدَ منها المُجتمعُ
العربيُ الإسلاميُّ الكَبيرُ، وتطوّرَت هياكلُه البشريّةُ ومؤسَّساتُه وأنماطُ إنتاجِه وعلاقاتُه الاجتماعيّةُ وأقطارُه المُختلفةُ، إلى أن حّطَ
رِحالَه في الصّيغةِ التي يوجدُ عليْها اليومَ، وما ينطوي عليْه من تَعْقيدٍ وتَبايُنٍ وما يطفَحُ بِه من حَرَكةٍ دائبةٍ.
والحقيقةُ أنّ هناكَ مصطلحاتٍ تُستعمَلُ في العُقودِ الأخيرةِ لوصفِ المنطقةِ التي يَعيشُ فيها العربُ، منها الشّرقُ الأدنى والشّرقُ
الأوسطُ، وهما مُصطلحانِ غَربيّانِ استعماريّانِ وُضعا لأغراضٍ استراتيجيّةٍ عسكريّةٍ تخدمُ أهدافَ الغربِ وتعمدُ إلى طَمسِ الهويةِ
الحضاريّةِ لسُكّانِ المنطقةِ. أمّا الوَطنُ العربيُّ فهو مصطلَحٌ يُفضِّلُ استعمالَه القوميّونَ العَربُ لوصفِ بلادهِم الشّاسعَةِ حيثُ تَغْلِبُ
العربيّةُ لساناً والانتماءُ شُعوراً. ولكنّ أكثرَ المُصطلحاتِ حياداً وانتشاراً هو العالَم العربيُّ؛ وهو مصطلَحُ يستخدمُه العربُ وغيرُ العربِ
من غيرِ أن يوحِيَ بتَحيّزٍ معيّنٍ واضحٍ، ويَنْطوي على ضَربٍ من الإقرارِ بوجودِ حدٍّ معيّنٍ من التّجانُسِ الحضاريّ بين سُكّانِ المنطقةِ
أو أرضيّةٍ حَضاريّةٍ مشترَكَةٍ جامعةٍ
أمّا اليومَ فمُصطلحُ العالَم العربيّ نفسُه فيه نظرٌ لأن الذي حَصَلَ :
أنّ الدّولَةَ السياسيّةَ أو السلطةَ السياسَيّةَ الحاكمةَ في العالَم العَربيِّ انْقَلَبَت على قاعدتِها أي على الأمّةِ وأجهزَتْ على مَكاسبِها
وتَحَكّمَت فيها تحكُّماً استبْداديّاً أفقَدَها مَكانتَها وقُدرتَها على الرّيادة والإبْداعِ، وحَوَّلَتها إلى مُجرّدِ رُكامٍ ضَخمٍ من الأفرادِ المُتفرِّجينَ،
مُستهْلِكينَ ومُستَهْلَكينَ، ثمّ تضَخَّمَت الدّولَةُ وتوَرَّمَتْ حَتّى صارَت الأصلَ، وهذا وضعٌ مَقْلوبٌ نَمَت في ظلِّه أحاسيسُ سلبيّةٌ وهُمومٌ
فرديّةٌ وأمراضٌ نفسيّةٌ .
العالَم العربيّ مركّب وصفيّ مؤلَّفٌ من موصوفٍ وصفةٍ، ولَم يعدْ هذاالمركّبُ قائماً في الوجود ، بل هو صورةٌ مهشَّمةٌ في الذّاكرة، مجزّأة
إلى شظايا وقطعٍ متناثراتٍ، تناثَرَت بفعلِ سُقوط الصورة على أرضِ الواقع وإصابتها بصدمةٍ عنيفةٍ، العالَم العربيّ في حاجةٍ إلى ميلادٍ
جديد، إلى بَعْثٍ من مَرقَدِه و تفقُّدِ بَقاياه وتحسُّسِ أطرافِه ورَتْقِ فُتوقِه ورَقْعِ خُروقِه لاستئناف السيرِ واستجماع عناصرِ القوّةِ المُبدّدة
التي ابتَلَعَها العدوّ الصّهيونيّ والسّائحُ الأجنبيّ والمُستعمِرُ الجديدُ والعُمَلاءُ الخَوَنَة والوُسطاءُ السّماسرَةُ وتُجّارُ أعراضِ أمتهم والمُفسدونَ
من أهلِ الدّار