كيف تسبب ارتطام الكويكب العملاق الذي أفنى الديناصورات في ازدهار الغابات الاستوائية؟
ارتطام الكويكب بالأرض حمل آثارا على الغابات الاستوائية المطيرة (بيكسابي)
من الصعب أن تشرع في كتابة قصة وتظل تقص فصولا جديدة فيها لعشرات السنين. ليس الأمر كذلك بالنسبة للكويكب الذي ارتطم بالأرض منذ 66 مليون سنة محدثا فوهة "تشيكشولوب" (Chicxulub crater) في شبه جزيرة يوكاتان (Yucatán Peninsula) بالمكسيك، والذي مازال يحكي لنا فصولا جديدة في قصة الحياة.
ورغم أن ارتطام ذلك الكويكب قد أغرق الأرض في ظلام دامس، فإن أياديه على الغابات الاستوائية المطيرة تروي لنا الآن فصلا جديدا من فصول الحياة.
ففي دراسة حديثة نشرت في دورية "ساينس" (Science) في 2 أبريل/نيسان الحالي، سلط علماء من "معهد سميثسونيان للبحوث الاستوائية" (Smithsonian Tropical Research Institute) الضوء على أصول الغابات المطيرة الحديثة لفهم كيفية استجابتها للتغير السريع في المناخ.
وأظهرت الدراسة -التي علق عليها معهد سميثسونيان في بيانه الصحفي– أن هذا الارتطام الذي أنهى عصر الديناصورات قد تسبب أيضا في انقراض 45% من النباتات في منطقة كولومبيا حاليا. مما أفسح الطريق أمام النباتات الزهرية التي توجد في الغابات الاستوائية المطيرة الحديثة.
في البداية تساءل الفريق عن "الكيفية التي تغيرت بها الغابات الاستوائية المطيرة بعد حادثة "تشيكشولوب" التي أخلت بتوازن النظم البيئية" كما تقول مونيكا كارفالو، المؤلف الأول للدراسة.
الارتطام الكويكبي أفسح الطريق أمام النباتات الزهرية للظهور في الغابات الاستوائية (يوريك ألرت – بيث كينغ)
قبل وبعد الكارثة
وكما تذكر كارفالو، فقد قام الفريق "بالبحث عن أي حفريات لنباتات استوائية. إذ فحصوا أكثر من 50 ألف أحفورةِ حبوب لقاح، وما يزيد على 6 آلاف من أحافير الأوراق النباتية التي يرجع عمرها لما قبل الحادثة وبعدها". وقد جمعت هذه الأحافير من 39 موقعا مختلفا في كولومبيا، وذلك لرسم صورة كبرى عن شكل الغابة قبل وبعد الحادثة.
وأظهرت حفريات حبوب اللقاح والأبواغ -التي جمعت من الصخور الأقدم عمرا من الحادثة- أن السرخسيات والنباتات الزهرية قد هيمنت بشكل متساو على بيئة الغابة المطيرة، كما شاعت الصنوبريات أيضا.
أما بعد حادثة "تشيكشولوب" فقد اختفت الصنوبريات بشكل كامل من المناطق الاستوائية، في حين حلت النباتات الزهرية مكانها في العالم الجديد. ولم يتعاف التنوع النباتي مرة أخرى حتى 10 ملايين سنة بعد الحادثة.
أصبحت معظم الغابات الاستوائية كثيفة الأشجار بعد ملايين السنين من الحادثة (بيكسابي)
كما قدمت حفريات أوراق النباتات دليلا على تباعد أشجار الغابات الاستوائية قبل الحادثة، مما سمح للضوء بالتسلل من خلالها حتى يصل إلى سطح الأرض.
وخلال 10 ملايين سنة بعد الحادثة، أصبحت معظم الغابات الاستوائية كثيفة الأشجار كالتي نراها اليوم. إذ تُلقي أوراق الأشجار الكبيرة وفروعها بظلالها على الأشجار الصغيرة. وبالتالي، فإن تلك الأغطية النباتية المتباعدة -التي وجدت قبل الحادثة- ساعدت على تبخر كمية أقل من الماء الموجود في التربة إلى الغلاف الجوي، وذلك بالمقارنة بما أحدثته الغابات الكثيفة التي انتشرت على مدار ملايين السنين بعد الحادثة.
ولم يعثر الفريق على أية أدلة على وجود أشجار للبقوليات قبل الحادثة. لكنهم عثروا على تنوع ووفرة كبيرة لأوراق البقوليات بعد الحادثة. واليوم، فإن البقوليات تهيمن على الغابات الاستوائية المطيرة، وتلعب -هي والبكتيريا المرتبطة بها- دورا في تثبيت النيتروجين في التربة.
ضرر الحشرات قبل وبعد الحادثة
واهتم العلماء بدراسة الضرر الذي ألحقته الحشرات بأوراق النباتات. إذ وجدوا أن كل نوع من النباتات شهد نوعا مختلفا من الضرر قبل الحادثة، مما يعني أن طعام الحشرات كان أكثر تخصصية. على النقيض من ذلك، فقد لحق بجميع النباتات نفس نوع الضرر بعد الحادثة، مما يعني أن تغذية تلك الحشرات كانت لا تقتصر على أنواع معينة من النباتات.
الديناصورات كانت سببا في تباعد الأشجار بالتغذية عليها والتحرك بينها (بيكسابي)
إذا، فكيف تحولت تلك الغابات الاستوائية المتناثرة والغنية بالصنوبر -أثناء عصر الديناصورات- في عصر ما قبل الكارثة إلى ما نشهده اليوم من غابات مطيرة تتخللها الأشجار الشاهقة والكثيفة والتي تتلون بأزهارٍ ملونة. بناء على الأدلة التي وفرتها أحافير حبوب اللقاح والأوراق النباتية، فإن هناك 3 أجوبة عن هذا التساؤل، كما يعتقد العلماء.
فإما أن تكون الديناصورات هي السبب في تباعد الأشجار وتناثرها وذلك بالتغذية عليها والتحرك بينها. وإما أن يكون الرماد المتطاير الذي خلفته الحادثة قد أثرى التربة، مما ساعد النباتات الأسرع نموا -كالنباتات الزهرية- على الازدهار. أو أن يكون انقراض بعض الصنوبريات قد أفسح المجال أمام النباتات الزهرية لتزدهر في المناطق الاستوائية.