مشكاة القراءة والكتابة الواحدة
تخرج مهارتا القراءة والكتابة من مشكاة واحدة وسواء أستوت درجتا ممارستهما أم زادت إحداهما على الأخرى إذ يقرأ القارئ ما كتبه غيره في سياق حصيلته هو القرائية وخبرته الكتابية كلتيهما جميعا ويكتب الكاتب ما يقرؤه غيره كذلك في سياق حصيلته هو الكتابية وخبرته القرائية كلتيهما جميعا فلا يجوز في الحكمة أن يتكلم عن إحدى المهارتين دون الأخرى
وراثة العمران
تنشر القراءة والكتابة على البشر نتائج المشاركة في الحياة السعيدة بعمران الأرض وتوريثها للخالفين كما تمنى السالفون وإلا ذهبت هباء منثورا ذهاب مال نفد بموت صاحبه بعدما عاش به زمانا رغيدا فبقي أولاده من بعده عالة على غيرهم يتكففونهم ما يمسك رمقهم فلا يعطونهم شيئا حتى يأخذوا أكثر منه
مأوى الدستور الظليل
ودستور القراءة والكتابة هو منظومة القوانين العليا المتحكمة فيما يفعله القارئ والكاتب وما لا يفعلانه وإنما يحكمها فيهما إيمانهما بها وتعويلهما عليها ولجوؤهما إليها قبل القراءة والكتابة وفي أثنائهما وبعدهما مثلما يلجأ المتحصن إلى حصنه فيزول بلباله ويهدأ باله ويبدأ احتفاله
استهلاك النفس
ولو لم يكن لمسلك الخالفين فيما يقرؤون ويكتبون دستور واضح يأوون إليه ويتفيؤون ظله لم يكن لهم مما استهلكوا فيه أنفسهم غير الجوع والعطش ثم الندم الذي يخوفه قول أمين الجندي (1766-1841):
وما من كاتب إلا سيفنى ويبقى الدهر ما كتبت يداه
فلا تكتب بكفك غير شيء يسرك في القيامة أن تراه
ورحم الله أبا عبادة البحتري بما نصحنا فيما حدثنا به عن طلبه الشعر قبل لقاء أبي تمام الطائي رحمه الله أنه كان أشبه بالجهد الضائع منه بالفن المتقن حتي لقيه فوقف منه على أصوله وفروعه وعلاماته فتحقق بها ودب في طريقه دبيبا حتى قدم عند بعض المشتغلين بالشعر على أبي تمام نفسه
مذاكرة المعروف
وكثير مما سبق ويلحق معروف عند كثير من المشتغلين بالقراءة والكتابة ولكن ينبغي في هذا المقام ألا نمتنع بمعرفته عن ذكره ومذاكرته فإن في مذاكرة المعروف حسن استهلال وتحبب وزيادة تأمل وتعمق وقوة تأسيس وتمهيد
التشارك في معرفة المجهول
وليس أخف حلما ولا أبعد وهما ولا أطيش سهما ممن اقتصر من غيره على مذاكرة المعروف يظن أن قد أحاط بما لديهم وأحصى كل شيء وهذا عرض من تأليه النفس يعرض لكل غافل وإن كان أعلم العلماء فهو عندئذ هفوته التي تستزله إلى هوة الضلال ثم تذله بتضييع الهدى