لم يكن للغة إنسانية منطوقة مكتوبة أن تتكون، لو لم تتكون فيها الأصوات (المفردة: الصوامت وأشباهها والصوائت وأشباهها، والمقاطع: القصيرة والطويلة والمستطيلة والمتطاولة)، التي تتكون منها الصيغ (أبنية الأسماء والأفعال والحروف)، التي تتكون منها المركبات الصغرى (أبنية التعبيرات والجمل)، التي تتكون منها المركبات الوسطى (أبنية الفقر والنصوص)، التي تتكون منها المركبات الكبرى (أبنية الكتب والجماهر). ولم يكن لهذه المركبات الكبرى أن تعتبر لو لم تكن لها دلالاتها التي تتكون من دلالات المركبات الوسطى التي تتكون من دلالات المركبات الصغرى التي تتكون من دلالات الصيغ التي تتكون من دلالات الأصوات. وكما تتابعت حركات وجودها المستقيم، تتتابع حركات وجودها المنحرف، إذا أخل برعايتها قارئ أو كاتب؛ إذ تنحرف الأصوات ودلالاتها؛ فتنحرف الصيغ ودلالاتها، فالمركبات الصغرى ودلالاتها، فالمركبات الوسطى ودلالاتها، فالمركبات الكبرى ودلالاتها، وتضيع بين الملقي والتلقي رسالة القراءة والكتابة، مثلما تضيع رسالة الاستماع والتحدث.
المكونات غير اللغوية (المقام) ودلالتها
ولم يكن للمكونات اللغوية (المقال) ودلالتها، أن تؤدي رسالة القراءة والكتابة كاملة، حتى تنضاف إليها المكونات غير اللغوية (المقام) ودلالتها، التي تخالطها وتحيط بها وليست منها، من مثل حقيقة القارئ والكاتب أنفسهما، وزمان القراءة والكتابة، ومكانهما...؛ فهذا محمد جلال كشك صاحب "ودخلت الخيل الأزهر"، يصدر كتابه "كلام لمصر"، الذي ظهر لي قريبا فجأة، بقوله: "ليس المهم أن تقول، بل متى تقول، وهذه بعض من أقاويل قلناها يوم عز الكلام". ولئن تعلق بقيمة زمان المقال إن مكانه وكاتبه وقارئه وغيرها لمما ينبغي أن يعتبر. ولا اعتراض بالأثر الشريف: "لا تعرف الحق بالرجال، ولكن اعرف الحق تعرف أهله"؛ فهو في غير مقام الشهادة الذي لا غنى فيه عن التمييز بين أقدار الرجال!