أدركت مدرسي التعبير يعلموننا التلبث قليلا أو كثيرا بين يدي الكتابة حتى نحدد الأفكار التي سنكتب فيها ونرتبها ونهذبها، يسمونها عناصر الموضوع، وينصحون لنا أن نكتبها بين يديه. ثم أدركت أنهم ربما أرادوا الاكتفاء بها في تقدير درجة التعبير أو جدارته بالقراءة. ثم اطلعت فيما بعد على من يحرص في كتابته على تقديم عنوان ما سيفصل شأنه، وأعجبني ما فعل؛ فصرت أضيف مثل هذه العناوين إلى ما يفتقدها مما أقرأ، ثم صرت أحرص عليها فيما أكتب.
إطناب القراءة والكتابة
وينبغي لمن كان في سعة من وقته وبسطة في جهده وحظوة بمراده أن يستوفي القراءة والكتابة أو أن يستقصيهما؛ وهذا أضعف الإيمان! أما الاستيفاء فهو قراءة عناوين الأفكار كلها أو كتابتها هي وما تحتها من تفصيل. وأما الاستقصاء فهو قراءة أحد عناوين الأفكار وحده أو كتابته هو وما تحته من تفصيل في كل مورد، أو من كل وجه.
إيجاز القراءة والكتابة
ولا حرج على من لم يكن في سعة من وقته أو بسطة في جهده أو حظوة بمراده أن يختصر القراءة والكتابة أو أن يقتصر منهما؛ وهذه هي الغنيمة الباردة. أما الاختصار فهو قراءة عناوين الأفكار كلها أو كتابتها دون ما تحتها من تفصيل. وأما الاقتصار فهو قراءة أحد عناوين الأفكار وحده أو كتابته هو وما تحته من تفصيل.
بلاغة الإيجاز والإطناب
وكما يمتدح كل من تيسر له أن يستوفي ما عليه أو أن يستقصيه، ينبغي أن يمتدح كل من لم يتيسر له إلا أن يختصر ما عليه أو أن يقتصر منه، ما تعاورت عليه الأنواع الأربعة في الأحوال المختلفة؛ فبذل لكل حال ما يلائمها. أما من يتمسك بنوع واحد على اختلاف الأحوال فهو الذي ينبغي ألا يمتدح؛ إذ قد انقاد للعادة، واستكان إلى الخمول، ولا حول ولا قوة إلا بالله!