إمارة بدر خان الأريزي
في الادوار ألأخيرة من حياة الدولة العثمانية وبسبب من انتشار الفساد الإداري فيها كانت الولايات التابعة للعثمانيين تعاني من الابتزاز والرشوة و بيع المناصب مما كان يشعل نار الثورة بين شعوب المنطقة ولذلك كانت الثورات متكررة كما كانت محاولات انشاء الامارات و الاستقلال بها عن العثمانيين مستمرة ، ومن الامارات الكوردية امارة بوتان ( الجزيرة = او ما يعرف اليوم بالمثلث العراقي السوري التركي ، وتحت اقدام جبل جودي ) ، وكانت هذه الامارة تمتد ما بين وان وسيرت و حتى سيورك وجنوب دياربكر في الشمال ، أما في الجنوب فكانت تمتد من رواندوز شرقا والى الموصل و سنجار و لغاية ويران شهير غربا بحيث شملت كامل أنحاء الجزيرة العليا و الجنوب بما فيها كامل ما يسمى بمنقار البطة في الشمال الشرقي من سورية الحالية ، وكانت الإمارة فيها وراثية يتسلم الإبن الأكبر كرسي الإمارة من أبيه .
كانت كل القوميات في الجزيرة من القبائل الكوردية والقبائل السريانية ( الكلدوآشورية ) وبعض الأرمن وأتباع الديانة اليزيدية يدينون بالولاء لهذه العائلة الكوردية المباركة المتدينة ، بدأت هذه الإمارة سنة 1812 م وكانت تحت السيادة العثمانية أسمياً وكان لها إستقلال جزئي ، من أمرئها الأمير سيف الدين الثاني ثم الأمير منصور خان ثم الأمير إسماعيل خان ثم الأمير مصطفى خان ثم الأمير عبدال خان تسلم كل عن أبيه الحكم ، لكن بعد وفات الأمير عبدال خان بك ( وهو أبو الأمير بدر خان بك ) تولي الأمارة ابن عمه الأمير سيف الدين بك (وهو أبو الأمير يزدان شير ) ، و كان سليم النية زاهداً في أمور الدنيا لدرجة أغفلته عن القيام بواجبات الإمارة ، فاختل نظامها و اخذ رؤساء العشائر يخرجون عن طاعته و لم يستطع بدرخان بك السكوت على الأمر و اخذ يتدخل في شؤون الأمارة ، و اعترف الأمير سيف الدين بك بأنه غير كفء في إدارة شؤون حكومته ، فأعتزل الحكم ، و انصرف إلى العبادة ، وجلس على كرسي الحكم الأمير صالح بك أكبر أبناء الأمير عبد الله بك ، و كان منذ صباه متصرفاً إلى العبادة و طاعة الرحمن و الابتعاد عن أمور الدنيا ، و قد حاول ان يبتعد عن مزاولة الحكم ، لكنه اضطر بناءً على إصرار أخيه ان يبقى في الحكم مع الاستمرار في التعبد وقبول الطريقة النقشبندية و قراءة الأوراد و الأذكار و وصل فيها إلى درجة الجذب ثم تخلى عن كرسي الإمارة ، و في الوقت نفسه استطاع الأمير بدرخان بك بما لديه من الغيرة القومية .فاستطاع ان يكسب محبة الجميع فبايعوه على تولي زمام الإمارة عام 1821 م و لا يزال الأكراد إلى يومنا هذا يذكرون بالاعتزاز الماضي السعيد الذي ساد حكمه .
قرر الأمير الفذ إعلان الإستقلال عن العثمانين ، أعلن عن مشروعه بإقامة دولة (كوردستان) ابتدأ اولا بالقضاء علي تمرد النساطرة ، ثم قام بتدعيم أركان حكمه من نشر العدل وتعاليم الدين . ولكن تعامله مع النساطرة أغظب دول أوربا فتأّمرت عليه مع الدولة العثمانية وزودتهم بما يحتاجون للقضاء على الأمير الكوردي . مع بداية ربيع ( 1847 ) , فقدت القيادة العامة التركية الأمل في إحراز نصر سريع على قوات الأمير ( بدرخان الأريزي ) أمير جزيرة بوتان الكردية المستقلة ، لذا لجأت إلى أسلوب المخادعة وبذر الشقاق بين أمراء الأكراد وشراء ضمائرهم المتخاذلين منهم آملة من ذلك شق صفوف الكورد كوسيلة ناجحة وسهلة لغرض سيطرتها على كوردستان والقضاء على امارة بوتان الكوردية .
وهكذا استغلت الخصومات والخلافات التي كانت موجودة بين الأمير بدرخان ويزدان شير قائد الجناح الأيمن للقوات الكوردية والذي كان يطمع في تولي حكم حكم بوتان وخلال ربيع ( 1847 ) تمكن عثمان باشا قائد القوات التركية من فتح ثغرة في جبهة الجيش الكوردي بمؤازرة من يزدان شير ( الأمير المخدوع ) ومعه ( 15 ) ألف مقاتل كوردي بعد أن تمكن من شراء ولائه مقابل ان يتولى حكم إمارة بوتان بعد القضاء على الأمير بدرخان ، ما حدث من خيانة لم تكن وليدة الساعة ، لكن أستغلت تركيا الأحداث التي أعادت الحكم من يد عائلة الأمير سيف الدين بك والد يزدان شير ، إلى الأمير بدر خان بك إبن الأمير عبدال خان بك .
وفي تموز ( 1847 ) استسلم الأمير بدرخان بك وسلم القلعة في ( أروخ ) بعد أن قاوم مدة ثمانية أشهر وتم نفيه مع أخويه ( مير سعد ومير صالح ) ، وهيأة أركانه إلى استانبول . بعد القضاء على انتفاضة الأمير بدرخان وتفاديا لمنع قيام انتفاضات أخرى في كوردستان مستقبلاً قامت السلطات التركية بنشر الفصائل التركية في جميع المناطق الكوردية و وأحدث تغييرات جديدة في المؤسسات الإدارية و جمعت الجزيرة وهكاري وبرواري في ولاية واحدة تحت سلطة الأمير ( يزدان شير ) وحرمت الورثة من الأمراء والحكام الكورد من امتيازاتهم الوراثية . واستمرت في ملاحقة المتبقين من حلفاء الأمير بدرخان الأقوياء , فقد لاحقوا ( خان محمود ) إلى القوا القبض عليه في أيلول ( 1847 ) واستمروا في ملاحقة الحليف الآخر ( نور الله بك ) حتى أضطر للفرار إلى إيران عام ( 1849 ) وحينها فر العديد من المشتركين في الثورة إلى إيران وما وراء القفقاس . واستمرت القوات التركية في إخلاء المناطق الكوردية من الكورد غير الراضين عن سياستها في أحد جرائم التطهير العرقي. وبعد ان هدأ الوضع في كوردستان نسبيا قامت السلطات التركية بنفي أمير بدليس الكوردي ( شريف بك ) إلى استانبول ، وعينت على حكم بدليس بدلاً عنه حاكماً تركياَ . وهكذا أنهى الباب العالي حكم كل الأمارات الكوردية . وفي عام ( 1850 ) قامت القوات التركية بمذبحة مريعة في منطقة اومريان العائدة لحكم ( يزدان شير ) بحجة عدم وفائها للضرائب المترتبة عليها ، وبقيت المصادمات والمناوشات اليومية مستمرة بين السكان الكورد والقوات التركية نتيجة الاستياء العام بين الكورد من وصول القوات التركية بكثافة إلى كوردستان وإرغامها السكان على التنجيد الإجباري وجمع الضرائب وتموينات الحرب بصورة قسرية لذا غالباً ما كان الرجال يلجئون على رؤوس الجبال النائية هرباً من التجنيد الإجباري وتهرباً من دفع الضرائب الباهظة وتقديم المؤن لجيش محتل .