عُدّ فيلم مولان خطوة للتقرب وكسب ودّ المشاهدين والمسؤولين في الصين (مواقع التواصل الاجتماعي)
في أقصى الجنوب الغربي للولايات المتحدة تقع لوس أنجلوس، عاصمة الإبداع المرئي الأهم المتحكم في صناعة السينما والتلفزيون حول العالم باجتماع الفنانين والكتّاب وصنّاع الأفلام والممثلين والراقصين الأهم في العالم في ما يعرف اختصارا بهوليود.
وتاريخيا، وإلى حد كبير، لم يُعترف بعالمية أي ممثلين أو مخرجين من أي دولة في العالم، إلا من خلال المرور من بوابة هوليود السينمائية، لكن هذا الواقع في طريقه نحو التغيير أمام ما تقوم به الصين بصورة مزدوجة سواء بدعم صناعة السينما المحلية داخلها، أو التأثير في صناعة السينما الأميركية ذاتها.
ففي أواخر التسعينيات، عندما كان حجم شباك التذاكر في الصين لا يزال صغيرًا، وأنتجت هوليود أفلاما أغضبت الحزب الشيوعي، مثل فيلم "سبع سنوات في التبت" عن حياة الدلاي لاما زعيم إقليم التبت، وفيلم "الزاوية الحمراء" لريتشارد جير الذي انتقد فيه النظام القانوني في الصين، لكن ما كان مسموحا به قبل 10 سنوات لم يعد متسامحا معه الآن.
وقد وجّهت جائحة فيروس كورونا ضربة قوية لهوليود، وتتطلع استوديوهات السينما الأميركية إلى دور العرض الأجنبية في جهودها للتعافي.
إمكانات صينية تصعب مواجهتها
إن وجود هوليود داخل الصين، سواء عن طريق ما يتم تصويره داخل الأراضي الصينية أو ما يتناول الشأن الصيني، يعني قبول نفوذ الحزب الشيوعي على صنع الأفلام الأميركية وبوجه متزايد. وتختار الحكومة الصينية الأفلام التي يمكن عرضها في دور العرض داخل الصين سنويا، لذا يتعين على صناع الأفلام التفكير في كيفية جذب المشاهدين الصينين من ناحية، ومن ناحية أخرى عدم الاقتراب من المحرمات الصينية الحكومية.
وعلى عكس الولايات المتحدة، لا تملك الصين نظام تصنيف للأفلام، لذلك تعتمد الحكومة على أجهزتها الرقابية لمنع المحتوى الذي تعدّه مسيئًا للجمهور وللثقافة الصينية وللنظام الصيني الحاكم، وذلك يمتد إلى ما هو أبعد من مشاهد الجنس أو العنف المفرط أو الألفاظ الخارجة، ليبلغ الشؤون السياسية وكيفية تصوير المجتمع الصيني والتعرض له.
الصين في سينما الأمس واليوم
سُمح للمواطنين الصينيين بمشاهدة أفلام أميركية على نطاق تجاري واسع منذ عام 1994 داخل دور العرض الصينية، وكانت السوق الصينية حينذاك صغيرة. وحقق فيلم "الهارب" (The Fugitive) -وهو أول فيلم أميركي يعرض في دور السينما هناك- 3 ملايين دولار فقط، في حين قفزت أرباح الأفلام الأميركية في السنوات الأخيرة نتيجة السماح بعرضها داخل الصين لتبلغ مئات الملايين من الدولارات.
وفي عام 2005 كان لدى الصين 4 آلاف دار عرض فقط، وهو ما يزيد قليلا عما امتلكته بريطانيا في ذلك الوقت. وفي العام الماضي بلغ عدد دور العرض الصينية 70 ألفا، وهو ما يتساوى مع كل ما تملكه أميركا وأوروبا مجتمعتين طبقا لبيانات لشركة "أوم ديا" (Omdia)، وهي شركة أبحاث فنية متخصصة.
وبلغ إجمالي عائدات شباك التذاكر الصينية عام 2019، 8.6 مليارات دولار، ولا تزيد عليها إلا عائدات شباك التذاكر الأميركية التي بلغت ما يربو قليلا على 11 مليار دولار في العام نفسه.
ومنذ أوائل القرن الـ21 تحقق الاستوديوهات الأميركية مزيدا من الأرباح من مشاهدة أفلامها خارج الولايات المتحدة، وبلغت نسبة عائدات البث في الخارج ما يقارب ثلثي عائدات الأفلام، وتعدّ الصين أهم سوق خارجية للأفلام الأميركية حول العالم. وفي الوقت ذاته لا تتمتع هوليود داخل الصين بالحريات التي تتمتع بها في بقية دول العالم.
صنع في هوليود
نشرت منظمة "بن أميركا" (Pen America) الحقوقية المعنية بحرية التعبير عن الرأي حول العالم، تقريرا جاء في 94 صفحة بعنوان (Made in Hollywood, Censored by Beijing) "صنع في هوليوود-خضع للرقابة في بكين"، جاء فيه أن اللاعبين الرئيسيين في هوليود يتخذون باطّراد قرارات بشأن أفلامهم "تجنبهم استعداء المسؤولين الصينيين الذين يقررون ما إذا كانت أفلامهم يُسمح لها بالدخول إلى السوق الصينية المزدهرة من عدمه".
وقالت المنظمة في تقريرها "إنه في بعض الحالات، دعا صانعو الأفلام أو المخرجون مباشرة الجهات الرقابية الحكومية الصينية للاطلاع على أفكار أفلامهم وسيناريوهاتها، وتلقي المشورة والنصح بشأن كيفية تجنب تعثر مسار الرقابة". وخلص التقرير إلى أن استرضاء المستثمرين والحزب الشيوعي الصيني "أصبح وسيلة مهمة لممارسة الأعمال التجارية في هوليود".
ويمكن للرقابة الصينية تغيير السيناريو الخاص بالفيلم واقتراح تعديلات أخرى كي يُسمح بعرض الفيلم لاحقا داخل الصين.
الصين توسع من محظوراتها الثلاثية (3 تاءات-3Ts)
على مدى سنوات طويلة فرضت الحكومة الصينية قيودا واسعة على صناعة السينما داخل وخارج الصين بحيث يتم تجاهل 3 قضايا تبدأ كل منها بحرف التاء، من هنا أطلق عليها التاءات الثلاثة، في إشارة إلى التبت وتايوان وتيانانمين.
ولا يعرف الكثير من الصينين ماذا حدث عام 1989 عندما سحقت الدبابات الصينية مظاهرة سلمية قادها الطلاب في ميدان تيانانمين الشهير، مما أدى إلى مصرع آلاف المتظاهرين، ولا يمكن أن يُشار بالحديث أو بالصور إلى هذه الحادثة في أي فيلم يُبث في الصين، كما تحاول بكين منع ذلك خارج الصين أيضا.
ولا تريد الصين أن يُذكر اسم تايوان أو أن يُصوّر أي فيلم فيها، ولا تقبل الحكومة الصينية أي ذكر لحقيقة أن تايوان هي جزيرة منفصلة، على الرغم من أنها من الناحية الفنية لا تزال جزءا من الصين.
أما إقليم التبت فلا تقبل الصين أي إشارة إلى معاناة سكان الإقليم الساعي إلى الحكم الذاتي، ولا تقبل وجود صورة أو إشارة إلى زعيم التبت الدلاي لاما.
وفي العامين الأخيرين توسعت قائمة المحظورات الصينية لتشمل مسلمي غرب الصين من الإيغور في إقليم شينجيانغ، ومتظاهري هونغ كونغ المطالبين بالديمقراطية داخل جزيرتهم.
ولا يتوقع أن تُقدم هوليود على إنتاج أفلام تتناول هذه القضايا مخافة إغضاب الحكومة الصينية.
كسب ودّ المشاهد الصيني
وأقدمت شركة ديزني الشهيرة على إنتاج وعرض فيلم مولان العام الماضي، والفيلم عبارة عن قصة فلكلورية صينية تُمجّد الدولة الصينية التاريخية، وينتصر فيها الخير الصيني على الشر الآخر. وصُوّرت مشاهد الفيلم بين الصين ونيوزيلندا، وأدّى بطولته ممثلون صينيون في أغلبهم. ورأى كثير من المراقبين أن فيلم مولان خطوة للتقرب وكسب ودّ المشاهدين والمسؤولين في الصين.
وأثار الفيلم ضجة وحرجًا لهوليود بعد ما مدحت إحدى بطلات الفيلم الصينيات، يفاي ليو (Yifei Liu)، قوات الأمن الصينية عقب القمع العنيف للمظاهرات السلمية المطالبة بالديمقراطية في هونغ كونغ.