اكتشاف موقع لصناعة الملح على سواحل بريطانيا يعود إلى 6 آلاف عام
المزارعون الأوائل في بريطانيا كانوا قادرين على إنتاج الغذاء بكميات كبيرة، وهو ما ساعد على تسريع التوسع السكاني، وأدى إلى تحوّلات اجتماعية وسياسية عميقة.
علماء آثار أثناء التنقيب في الموقع الذي قد يعد أقدم حوض ملح في بريطانيا وينتمي لعصور ما قبل التاريخ (المصدر: ستيف شيرلوك)
اكتشف فريق من علماء الآثار على ساحل يوركشاير (مقاطعة كبرى شمال شرقي إنجلترا) أقدم موقع لصناعة الملح في أوروبا الغربية، ومن المنتظر أن يُحدث هذا الاكتشاف ثورة في فهم اقتصاد بريطانيا في عصور ما قبل التاريخ.
ففي تقرير نشرته صحيفة "الإندبندنت" (Independent) البريطانية، يقول الكاتب ديفيد كيز إن الآثار المكتشفة في هذا الموقع -وهي عبارة عن أفران لصنع الملح- تعود إلى نحو 6 آلاف عام، أي قبل حوالي 2400 عام من أقدم "مصنع ملح" بريطاني مكتشف سابقا.
وقد أجرى هذا البحث فريق من مركز الأبحاث البيئية للجامعات الأسكتلندية، وهي مؤسسة تديرها جامعة غلاسكو، بينما قام فريق باحثين من جامعة شيفيلد بعمليات التحليل العلمي لبقايا الملح على الأواني الخزفية.
ويرى العلماء أنّ هذا الاكتشاف يُثبت أن الاقتصاد البريطاني في عصور ما قبل التاريخ أكثر تطورا مما كان يُعتقد سابقا، وأنه كان يرتكز بشكل كبير على تربية الماشية واستخراج الملح.
ويشير اكتشاف يوركشاير إلى أن المزارعين الأوائل في بريطانيا كانوا قادرين على إنتاج الغذاء بكميات كبيرة، وهو ما ساعد على تسريع التوسع السكاني، وأدى إلى تحوّلات اجتماعية وسياسية عميقة.
طريقة استخراج الملح
اكتشف علماء الآثار على ساحل يوركشاير 3 أفران لصنع الملح وبقايا من عشرات الأواني الخزفية المستخدمة في هذه العملية، وأظهرت الاختبارات وجود مستويات عالية جدا من الملح على الأسطح الداخلية لهذه الأواني.
ويقول المشرف على الحفريات الدكتور ستيف شيرلوك إن هذا الاكتشاف "يغيّر فهمنا للجوانب الرئيسية لاقتصاد العصر الحجري الحديث. هذا يثبت أن صناعة الملح في بريطانيا -وهي صناعة بالغة الأهمية- أقدم بحوالي 2400 عام مما كنا نعتقد".
وبما أنه لا توجد أي مصادر لاستخراج الملح الصخري في يوركشاير، فضلا عن أن استخراج هذا النوع من الملح لا يتطلب أفرانا؛ يرجح العلماء أن الملح في تلك المنطقة كان يصنع من مياه البحر.وبحسب فريق البحث، فإن هذه العملية كانت على الأرجح تتم على مرحلتين: أولا، تحويل مياه البحر إلى محلول ملحي من خلال عملية التبخر عبر تعريضه للرياح وأحيانا تدفئته تحت أشعة الشمس في أحواض واسعة مصنوعة من الطين، وثانيا، استخدام الأفران أو المواقد لتحويل المحلول الملحي إلى بلورات ملحية.
ويقول ديفيد ليا ويلسون أحد كبار منتجي الملح في بريطانيا، والذي يدير مشروعا لاستخراج ملح البحر بطريقة تقليدية في شمال ويلز، إن "استخراج الملح من مياه البحر عملية معقدة تستغرق وقتا طويلا وتتطلب مهارة كبيرة. إن أي حضارة ساحلية قديمة كانت تمتلك تلك التقنية، بإمكانها حتما توسيع نشاطها الاقتصادي بشكل كبير".
زيادة الإنتاج الحيواني
وتكشف آثار يوركشاير أن سكان تلك المنطقة في العصر الحجري الحديث تمكنوا من زيادة إنتاجهم من لحوم البقر ومنتجات الألبان، عبر حفظ اللحوم باستخدام الملح. وكان يفضل في تلك الفترة ذبح معظم ذكور الماشية قبل بلوغ العام الأول. لكن من دون ملح، لم تكن هناك طريقة ناجعة لحفظ اللحوم، خاصة أن بريطانيا ومعظم شمال أوروبا يتميز بالرطوبة العالية.
لذلك فإن استخراج الملح كان يسمح بحفظ اللحوم واستخدامها مصدر غذاء على مدى العام، وكذلك تحرير المراعي لإناث الماشية المنتِجة للحليب، وتقليل كميات الأعلاف الشتوية. كما أن وفرة اللحوم المحفوظة بالملح على مدى العام مكّنت من حفظ إناث الماشية المنتجة للحليب وزيادة منتجات الألبان.
ويقول جيمس سويفت المتخصص في تقنيات حفظ اللحوم بالطرق التقليدية، "من دون الملح، كان من المستحيل تقريبا أن يحافظ هؤلاء المزارعون الأوائل على لحوم الأبقار بشكل سليم في المناخ البريطاني الرطب".