لوحة تجسد ضحايا بعثة فرانكلن




عام 1845، اتجهت بريطانيا لضرب موعد مع التاريخ عن طريق رحلة استكشافية فريدة من نوعها نحو القطب الشمالي. وحسب معطيات تلك الفترة، حاول البريطانيون عبور آخر النقاط غير المكتشفة من الممر الشمالي الغربي، بشمال كندا حالياً، الذي يربط المحيط الأطلسي بالمحيط الهادئ عبر أرخبيل القطب الشمالي الكندي.
وأملا في إنجاح هذه المهمة المحفوفة بالمخاطر، اختارت البحرية البريطانية المستكشف والأميرال جون فرانكلن الذي تمتع بخبرة كبيرة في مجال الرحلات نحو القطب الشمالي لقيادة هذه المغامرة الاستكشافية. فطيلة السنوات السابقة، شارك هذا الرجل بثلاثة عمليات استكشافية بالقطب الشمالي كانت أبرزها رحلة كوبرماين (Coppermine) ما بين عامي 1819 و1822.

آخر من شاهدهم

في الأثناء، حشدت البحرية البريطانية أفضل سفنها لمهمة فرانكلن بالقطب الشمالي ووافقت على وضع سفينتي أيتش أم أس إيريباس (HMS Erebus) وأيتش أم أس تيرور (HMS Terror) تحت تصرف فرانكلن. وقد صنفت هاتان السفينتان حينها ضمن قائمة أحسن وأرقى السفن البريطانية بسبب حجمهما الكبير وامتلاكها لأشرعة كبيرة ومحركات بخارية سمحت لهما ببلوغ سرعة قدرت بحوالي 4 عقد بالساعة دون الحاجة للرياح.




صورة لجثة جون تورينغتون المحنطة بفضل الجليد عند فتح القبر


صورة لجثة جون هارتنيل المحنطة أحد أفراد بعثة فرانكلن الذين دفنوا بجزيرة بيتشي




إلى ذلك، تكون طاقم هذه المغامرة من حوالي 129 بحاراً تميزوا بخبرتهم في مجال الملاحة. ولضمان حصولهم على كامل حاجياتهم الغذائية، زودت السلطات البريطانية مخازن هذه السفن بآلاف علب المصبرات كما وفرت لهم لحماً طازجاً تزامناً مع اقترابهم من غرينلاند.
وفي حدود منتصف مايو 1845، غادرت السفينتان منطقة غرينهيث (Greenhithe) بإنجلترا واتجهتا نحو شمال إسكتلندا قبل أن تحلا قرب غرينلاند. في الأثناء، شوهد أفراد بعثة فرانكلن لآخر مرة خلال أغسطس 1845 من قبل صيادين أوروبيين عند خليج بافن (Baffin Bay) حيث انتظر طاقم السفينتين أجواء مناخية ملائمة لعبور مضيق لنكستر المحفوف بالمخاطر.



الأميرال جون فرانكلن



وفاة جميع أفراد البعثة
على مدار المائة وخمسين عاما التالية، نظمت العديد من الرحلات العلمية للبحث عن بقايا رحلة فرانكلن وتفسير اللحظات الأخيرة لطاقمها. وقد أسفرت النتائج الأولية عن العثور على ثلاثة قبور وبعض بقايا الحملة بجزيرة بيتشي.
وحسب ما آلت إليه الأبحاث، واجه فرانكلن ورفاقه فترة عصيبة بالقطب الشمالي وفارقوا الحياة في ظروف صعبة. فوفق رسالة تركها أحد أفراد طاقم رحلة فرانكلن وعثر عليها سنة 1859 الأميرال الأيرلندي فرانسيس ليوبولد ماكلينتوك (Francis Leopold McClintock)، الذي أرسل للكشف عن مصير رحلة فرانكلن، بالشمال الغربي لجزيرة الملك وليام، تعرض فرانكلن ورفاقه لمصاعب بسبب الجليد منذ العام 1846 واضطروا للتخلي عن سفنهم وتركها عالقة بالجليد في حدود يوم 22 أبريل 1848. وأثناء نزولهم من السفن، لم يتبق من طاقم رحلة فرانكلن سوى 105 رجال على قيد الحياة.



الأميرال فرانسيس ليوبولد ماكلينتوك



من ناحية ثانية، تحدثت الرسالة عن وفاة فرانكلن يوم 11 يونيو 1847. وعقب قضائهم لشتاء قاس ما بين عامي 1847 و1848، قرر ما تبقى من طاقم هذه الرحلة التوجه سيراً على الأقدام نحو نهر باك (Back River) ليلقوا جميعاً حتفهم في ظروف صعبة حيث فارقوا الحياة إما تجمداً أو جوعاً أو بسبب أمراض كالإسقربوط والسل أو بسبب هجمات الحيوانات المفترسة.
أكلوا لحوم رفاقهم الموتى
منتصف ثمانينيات القرن الماضي، أجرى فريق تابع لعالم الأنثروبولوجيا الكندي أوين بيتي (Owen Beattie) أبحاثا حول محتويات القبور بجزيرة بيتشي وبعض البقايا البشرية الأخرى التي تركها طاقم بعثة فرانكلن. إلى ذلك، ظلت الجثث الثلاث بجزيرة بيتشي محنطة بشكل جيد لنحو 140 عاماً بفضل درجة الحرارة المنخفضة كما تحدثت التقارير عن وفاة هؤلاء الثلاثة بسبب مرض السل وتعكر حالتهم الصحية عقب تسمم بالرصاص قيل في بادئ الأمر إنه حصل بسبب علب الطعام قبل أن تنفي أبحاث أخرى ذلك وتلقي باللوم على نظام مياه الشرب بالسفينة.



لوحة تجسد صور الجثث الـ3 بجزيرة بيتشي



من ناحية أخرى، أثبتت الأبحاث على البقايا البشرية الأخرى التي عثر عليها معاناة طاقم بعثة فرانكلن من الجوع ولجوءهم لأكل لحم البشر للحفاظ على حياتهم، حيث لم يتردد الجميع حينها في أكل لحوم رفاقهم الموتى حسب ما أثبتته آثار الآلات الحادة التي عثر عليها بالعظام.