السياب تؤكد أن الشعر أضاف إلى الطب الكثير وجعل منها طبيبة حقيقية
رغم انشغال العراقية في السياب بمهنة الطب، ودراستها التي أخذت من وقتها وعمرها الكثير؛ فإن ذلك لم يمنعها من ممارسة أفضل هواية في حياتها وهي الكتابة الأدبية بمختلف صنوفها.
ولدت السياب في مدينة البصرة عام 1981، وتخرجت في كلية الطب من جامعة البصرة عام 2005، وحصلت على الماجستير في الجراحة النسائية والتوليد عام 2016، كما عملت في مجال الإعلام وقدمت برامج شعرية وطبية لفترة قصيرة من حياتها، ثم عادت إلى الطب مرة أخرى.
تكتب السياب في مختلف فنون الأدب من شعر وقصة ونثر ومقالات، ونشرت مجموعتها الشعرية الأولى "الموتى لا يجيدون الحب" عام 2016، ثم أصدرت مجموعتها الثانية "قلبي يتحدث الفرنسية" عام 2018، ورواية "شجرة آدم" التي لا تزال قيد النشر، كما شاركت في عدة مهرجانات عراقية، وحصلت على شهادات تقديرية من اتحاد الأدباء في البصرة وغيرها.
وتستعد لكتابة مجموعتها الشعرية الثالثة، كما تعكف الآن على كتابة رواية جديدة سوف ترى النور قريبا.
السياب تقول إن الموسيقى تلهمها للكتابة
طفولة الحرب
حكت السياب أبرز ذكريات طفولتها قائلة "لا أتذكر أني كنت طفلة أبدا، أتذكر أنني كنت أريد أن أكبر بسرعة، كنت آمل أن المستقبل يحمل لي واقعا أكثر أمانا واستقرارا".
وتضيف للجزيرة نت، حين يسألني أحد عن طفولتي، ألتفت إلى الوراء، أرى أبا يحاول جاهدا تخفيف وقع الحروب من على بناته الثلاث.
وتروي السياب كيف أنها شهدت نهاية الحرب مع إيران عام 1988، وتتذكر صوت القنابل، وكيف كانت المعلمات يخلين الصفوف عند حدوث الغارات، وشهدت غزو الكويت وحرب الخليج الثانية والحصار المفروض على البلاد (1990-2003)، وتردف أن "تلك الحرب كانت الأكثر تأثيرا في إحساسي.. ومن خلالها تعلمت أن أقرأ عن الحروب وعن الطغاة".
بدأت تجربتها وهي في سن العاشرة، حيث كتبت قصائد فيها طفولة الحرب وانتقاد الموت، أبرزها قصيدة حرة اسمها "الكلاب"، وكانت صورها مستنبطة من منظر جثث الجنود العراقيين وكيف كانت تأكلها الكلاب في الشوارع بعد أن قصفتهم الطائرات الأميركية وهم في طريقهم للانسحاب من الكويت إلى داخل البلاد.
عاشت الشاعرة طفولة صعبة بين ظروف مرتبكة بين سنوات الجوع والقحط حتى أصبحت فتاة مراهقة ودق الحب قلبها، فتحولت إلى الشعر العاطفي كجزء من التحول النفسي في هذا الاتجاه، ووجدت في الكتابة حياة، على حد تعبيرها.
المجموعة الشعرية الأولى "الموتى لا يجيدون الحب"
عشق الحياة
"كل روح أنقذها فإني أضيف شعبا كاملا هكذا أرى الطب والحياة والشعر"، تقول السياب، وتضيف، "فعشق الحياة لديّ هو ما يجعل الوقت متكاثرا، مريضاتي حكايات متعددة لصورة الحياة، وكما يتألم الجسد فمثله الروح، ومن حبي للغة العربية، خرجت شاعرة لأن في اللغة حياة".
وعن كتابها الأول "الموتى لا يجيدون الحب"، توضّح "كنت أقصد أولئك الذين ماتت في قلوبهم الحياة، فأحييت بكلماتي كتابا حمل هذا العنوان، وكان مولودي الأدبي الأول".
وتسترسل بالقول، "واصلت الكتابة حتى "تحدث قلبي الفرنسية" في كتابي ومجموعتي الشعرية الثانية، وما بين المجموعتين كانت لي مشاركات شعرية في عدد من الأنشطة، وحفلات التوقيع".
وتكشف السياب عن مصدر إلهامها وسرّ تلك الطاقة التي تدفعها للكتابة، فتقول، "ألهمتني الموسيقى للكتابة، فيجيء نصّي مليئا بالإحساس الصادق، فلا أريد لكتاباتي شكلا ولا قالبا، أرى بداية الشعر قد ولدت معي، وأنا طفلة، مع نبضتي الأولى، لقد سطّرت نبضات قلب أمي، حين حملتني فواصلت رفقة الحرف، شجّعتني على ذلك وعلى القراءة، وشجّعني ذلك الرجل الحقيقي الذي كان له الأثر الأبرز في حياتي وهو والدي، فتعمقت علاقتي بالقراءة والثقافة".
وتشير إلى أن نصوصها كانت تولد بعفوية، فتخصص النسائية والتوليد كان يمنحها فرصة أن ترى ولادة جديدة، تتفتح فتعطي روحا في الأفق فتنمو القصيدة، وسعادتها كانت تكمن في أنها تترك أثرا جميلا لدى مريضاتها.
وتواصل حديثها بالقول، "حين تمسك إحداهن يدي وتقول لي: إن بناتي أمانة لديك، إنه شعور بالغ بجدوى كونك طبيبا وشاعرا، أنا أختصر الحياة بما تقدمه لي وما أقدمه لها في استمرارها بمشرطي الأنيق، وحرفي الذي ربما يشق البياض ليعبّر عنّي، حيث أثّر واقعي كثيرا على الشعر وعلى الأدب".
المجموعة الشعرية الثانية "قلبي يتحدث الفرنسية"
اصطياد الشعر
وتوالت بعد ذلك الفرص، وواصلت السياب مشوارها حيث كانت تكتب النصوص بين فترة وأخرى، وترى في الكتابة طريقها المختصر للتعبير عن اللحظة والحدث، فتقول، "فربما في حياة امرأة مثلي عاشت عصورا كثيرة من التغيير في بلد لا يهدأ، كنت أستطيع أن اصطاد لحظة الشعر حتى من بين الموت، شاركت بقصة قصيرة تدعى "جِراح طبيب جرّاح" في مجموعة "عيون إنانا" الجزء الثاني الصادرة عن "دار الجمل" في ألمانيا وبالتعاون مع معهد "غوته"، وكانت تتحدث عن قصة طبيب حقيقي".
وتتابع، "ثم كتبت رواية بعنوان شجرة آدم، وهي روايتي التي تمنيت أن ترى النور لكنني خفت من نشرها لأسباب كثيرة، منها كوني امرأة وتكتب في هذا المجال، ولكوني أرى دائما أنني في حالة تطور، فكلما مضى الزمن على هذه الرواية، انتابني شيء من التردد في نشرها، ربما لأنني أراها غير ناضجة، ولذلك أتمنى أن تنضج أكثر في القدم لعلها تبدو واضحة المعالم في المستقبل".
الكتابة كانت سلواي ومؤنسي، والطبّ إن خلا من المشاعر بات مهنة قاسية، أضاف الشعر إلى الطب الكثير، فالشعر جعل مني طبيبة حقيقية، ولم أكن في حاجة للتوفيق بينهما، فشكرا لكليهما، تقول السياب.
وأما عن الأسرار الخفية التي جعلت منها شاعرة، فتعتقد أن وفاة والدها كانت هي نقطة التحول الكبير في حياتها، والتغيّر من "فيّ" الطبيبة إلى "فيّ" الشاعرة، وتوضح ذلك بالقول، "لم أكن أرى نفسي شاعرة حتى نشرت الكتاب الأول، في لحظة غرور شعري، فبعد أن رأيت أن الحزن استهلك من قلبي الكثير، استطعت أن ألملم جراحاتي في الكتابة".
وتختم بالقول، أعتقد أن الشعر موجود في كمائن الروح، ربما لأنني أيضا سليلة عائلة شعرية وعلمية، فلم يكن من الصعب الربط بين الطب والأدب، فجذوري تمتد للشاعر بدر شاكر السياب أيضا، رغم أنني لم ألتق به ولم أصادفه سوى تمثالا على شط العرب.