"خريطة الحياة".. خريطة تفاعلية جديدة للتنبؤ بأماكن الكائنات غير المكتشفة
على الرغم من الجهود المبذولة طوال العقود الماضية فإن خريطة الأنواع البيولوجية ينقصها الكثير من الكائنات التي لم تكتشف بعد
يزخر فهرس الحياة بالعديد من الصفحات الفارغة للأنواع البيولوجية التي لم تكتشف بعد (بيكسابي)
توضع الخرائط عادة لوصف ما نعرف، سواء لرسم مناظر الطبيعية الساحرة أو لتوصيف الحدود الجغرافية أو لتصنيف شبكات الغذاء المعروفة، غير أن رسم خرائط للمجهول قد يعد بذات الأهمية، خاصة في أوقات الأزمات.
فعلى الرغم من الجهود الحثيثة التي بذلها مستكشفو التنوع البيولوجي وعلماء التصنيف على مدى العقود الماضية فإن فهرس الحياة ما زال يزخر بالعديد من الصفحات الفارغة لعديد من الأنواع البيولوجية التي لم تكتشف بعد.
خريطة للمجهول
كان "رسم خرائط المجهول" هو الدافع الرئيسي وراء جهد علمي جديد استهدف رسم خريطة لجميع الأماكن الموجودة على سطح الأرض والتي تحتوي على أنواع بيولوجية غير مكتشفة بعد.
فخلافا لما نشهده حاليا من كارثة محدقة بالتنوع البيولوجي والتي نفقد فيها العديد من الأنواع المعروفة وغير المعروفة بشكل ينذر بالخطر فإن هذه الخريطة الجديدة -التي أطلق عليها العلماء اسم "خريطة الحياة"- تمنحنا فرصة أفضل -وربما تكون الوحيدة- لتوثيق أنواع الحيوانات وتصنيفها وإنقاذها قبل أن تنقرض نهائيا.
ووفقا لتقديرات باحثَيْ الدراسة الحديثة التي نشرت في دورية "نيتشر إيكولوجي آند إيفولوشن" (Nature Ecology & Evolution) في 22 مارس/آذار الجاري، وعقبت عليها جامعة ييل (Yale University) في بيانها الصحفي، فإننا لا نعرف سوى 13 إلى 18% من أنواع الكائنات الحية.
الخريطة يمكنها التنبؤ بالأماكن التي تحوي أنواعا من الكائنات غير المكتشفة (موقع الإنترنت التفاعلي الخاص بخريطة الحياة)
وطبقا لتلك التقديرات، فإن هناك نسبة كبيرة من الأنواع غير المعروفة قد تُفقَد أو تظل بعيدة عن الرعاية اللازمة على أقل تقدير، الأمر الذي يؤكد عليه الباحثان في البيان الصحفي بأننا "قد نفقد هذه الأنواع غير المكتشفة -بما في ذلك أدوراها الحيوية التي تقوم بها- إلى الأبد لو لم يتم إدراجها في صناعة القرار أو ضمن الالتزامات الدولية التي تهدف إلى الحفاظ على التنوع البيولوجي".
ومن هنا تستمد الخريطة الجديدة أهميتها، إذ انبرى جهد عالمي البيئة ماريو مورا ووالتر جيتز -وهما مؤلفا الدراسة- إلى ابتكار نموذج يمكنه معالجة هذا النقص الملاحظ في التنوع البيولوجي، وذلك بالتنبؤ بالأماكن التي قد تحوي أنواعا من الفقاريات الأرضية غير المكتشفة.
واستند العالمان في تصميم هذا النموذج إلى عدد من العوامل البيولوجية والبيئية والاجتماعية المتعلقة بأكثر من 32 ألفا من الفقاريات الأرضية المعروفة بالفعل لدى علماء الأحياء.
من الصعب اكتشاف الحيوانات الصغيرة التي تسكن في الشقوق (بيكسابي)
الأكبر أكثر حظا
ويعقب مورا قائلا إن "الأنواع المختلفة لديها فرص متباينة لاستكشافها ووصفها مبكرا"، ويكمن السبب في ذلك في سهولة اكتشاف الحيوانات الكبيرة الموجودة في النطاق الجغرافي الذي يسهل الوصول إليه، فيما يصعب رصد الحيوانات الصغيرة التي تسكن في الشقوق أو التي يتعذر الوصول إليها في الغابات.
ولذلك، فإن هذا النقص الهائل في عدد الأنواع المعروفة في شجرة الحياة يعد من نصيب تلك الأعداد الكبيرة من الحيوانات الفقارية الصغيرة غير المكتشفة حتى الآن.
وهو ما يؤكد عليه مورا قائلا إننا "نجنح إلى اكتشاف الأنواع الظاهرة أولا ثم المخفية لاحقا، ولذا فإن علماء التصنيف بحاجة إلى مزيد من التمويل اللازم لاكتشاف هذه الأنواع غير المعروفة حتى الآن".
ووفقا للنموذج الذي ابتكره الباحثان -والذي لا يعد دقيقا جدا كما يصفانه، وذلك نظرا لطبيعة التقديرات التي بني عليها النموذج- فإن البرمائيات والزواحف تستحوذ على النسبة الكبرى من الفقاريات الأرضية غير المكتشفة.
الغابات الاستوائية الرطبة قد تحتوي على نصف الأنواع غير المكتشفة حتى الآن (بيكسابي)
تطلعات مستقبلية
ويعتقد الباحثان أن البرازيل وإندونيسيا ومدغشقر وكولومبيا قد تحتوي على أكثر الأنواع غير المكتشفة، والتي قد تستهدفها ربع الاستكشافات المستقبلية.
كما يعتقد الباحثان أن الغابات الاستوائية الرطبة ذات النباتات عريضة الأوراق الموجودة في تلك المناطق قد تحتوي على حوالي نصف الأنواع غير المعروفة.
غير أن الباحثيْن بحاجة إلى توسيع رقعة البحث لتشمل الأنواع النباتية والبحرية واللافقارية، عوضا عن استكشاف الفقاريات فقط.
وبالطبع، فإن تسريع وتيرة البحث قد ينقذ العديد من الأنواع المهددة بالانقراض قبل أن يتم اكتشافها، خاصة في ظل الانقراض الجماعي السادس الذي بدأ بالفعل كما يرى العديد من الباحثين.
وهو ما يؤكد عليه الباحثان قائلين إن "توسيع نهج البحث ليشمل الأصناف الأخرى يساعد على اكتشاف الأنواع غير المعروفة قبل أن تغرق في غياهب المجهول".