صورة ملونة اعتمادا على التقنيات الحديثة للطفلين عقب نجاتهما من الكارثة
خلال الليلة الفاصلة بين يومي 14 و15 أبريل 1912، كان العالم على موعد مع مأساة سفينة تيتانيك التي ارتطمت خلال ساعة متأخرة من الليل بجبل جليدي بعرض المحيط الأطلسي لتغوص بعد حوالي ساعتين و40 دقيقة نحو قاع المحيط متسببة في وفاة ما لا يقل عن 1500 فرد من ركابها.
خلال الأيام التي تلت الكارثة، تناقلت وسائل الإعلام العالمية العديد من القصص التراجيدية لأشخاص إما لقوا حتفهم أو نجوا بأعجوبة من هذه المأساة التي ظلت ذكراها خالدة في أذهان الأجيال التالية. ومن ضمن هذه القصص التراجيدية، يذكر التاريخ قصة الطفلين نافراتيل (Navratil) التي هزّت فرنسا وأثارت الحزن في نفوس الفرنسيين حيث فقد هذان الطفلان والدهما في سن مبكرة بحادثة غرق تيتانيك في خضم قصة غريبة بدأت أطوارها من فرنسا.
صورة التقطت لميشال وإدموند نافراتيل عقب نجاتهما من الموت
زواج فاشل وطلاق
إلى ذلك، ولد ميشال نافراتيل (Michel Navratil) بمناطق سلوفاكيا الحالية خلال شهر آب/أغسطس 1880 وعاش فترة من حياته بالمجر قبل أن ينتقل بحلول سنة 1902 نحو مدينة نيس الفرنسية حيث افتتح محل خياطة أقبل عليه عدد هام من الفرنسيين.
يوم 26 أيار/مايو 1907، تزوج ميشال نافراتيل من مارسيل كاريت (Marcelle Carette) ذات الأصول الإيطالية والتي كانت تصغره بعشر سنوات. ومن هذا الزواج، ولد طفلان حمل أولهما اسم ميشال، ولد يوم 12 حزيران/يونيو 1908 ولقب لولو، بينما حمل الثاني اسم إدموند، لقّب مومو، وأبصر النور يوم 5 آذار/مارس 1910.
سنة 1912، تدهورت العلاقة الزوجية بين ميشال ومارسيل. وبسبب ذلك، استعد الزوجان خلال نفس ذلك العام للانفصال. وفي خضم هذه الأحداث، أصيب ميشال نافراتيل بالاكتئاب وأهمل متجره قبل أن يتجه للبحث عن طريقة للاحتفاظ بابنيه تزامنا مع انفصاله عن ميشال.
صورة التقطت عام 1912 لميشال وإدموند نافراتيل
هوية مزورة
وبسفينة التيتانيك، وجد ميشال نافراتيل ضالته حيث وضع الأخير خطة للسفر رفقة طفليه، ميشال البالغ من العمر 3 سنوات حينها وإدموند ذي العامين، نحو الولايات المتحدة الأميركية للاستقرار بشيكاغو حيث عدد من الأقرباء الذين هاجروا منذ سنوات.
ولإنجاح خطته، باع ميشال نافراتيل محل الخياطة لصديقه وزميله لويس هوفمان مقابل ثمن بخس. بالتزامن مع ذلك، استعار ميشال جواز سفر صديقه هوفمان لتزوير هويته وتسهيل عبوره نحو سفينة التيتانيك وتجنب الرقابة الأمنية بالموانئ.
في الأثناء، خطف ميشال نافراتيل ابنيه من عند والدتهما وانتقل نحو شيربورغ (Cherbourg) حيث تمكن من تجاوز الرقابة الأمنية، مستخدما اسم هوفمان. ومن ثمّ، حل الأخير بكاليه قبل أن ينتقل لاحقا نحو ساوثمبتون ليستقل، رفقة ابنيه اللذين أخبرهما بأن أمهما ستلتحق بهما فيما بعد، سفينة التيتانيك وينطلق نحو الولايات المتحدة الأميركية.
نجاة الطفلين
على متن تيتانيك، مكث ميشال نافراتيل مع ابنيه بالأماكن المخصصة لركاب الدرجة الثانية. وطيلة الفترة التي سبقت الكارثة، لم يفارق الأب طفليه وظل بالقرب منهما خوفا من أن يكتشف أحد المسافرين قصته الحقيقية.
مع ارتطام السفينة بالجبل الجليدي، حلّ ميشال نافراتيل بغرفة ابنيه مصحوبا بأحد العاملين على متن التيتانيك. وعلى الفور، نقل الأب الطفلين نحو أحد قوارب النجاة وحمّلهما رسالة أخيرة لوالدتهما.
وبكلماته الأخيرة، دعا ميشال نافراتيل زوجته بأن تعتني بشكل جيد بالطفلين، بعد أن تعثر عليهما، وعبّر لها للمرة الأخيرة عن عميق حبه.
لاحقا، نجا الطفلان من الموت بفضل وصول سفينة كارباثيا (Carpathia) بالوقت المناسب لإنقاذ الناجين ومن ثم وجد كل من ميشال وشقيقه إدموند نفسيهما بأميركا محاطين بكاميرات الصحافيين.
يتيما تيتانيك
بالولايات المتحدة الأميركية، استقر الطفلان بنيويورك ومن ثم في بوسطن بمنزل امرأة وافقت على احتضانهما. لاحقا، حلّ القنصل الفرنسي على عين المكان ليؤكد الأصول الفرنسية للطفلين اللذين انتشرت صورهما بالصحف ولقّبا بيتيمي التيتانيك.
وانطلاقا من صورة بإحدى الصحف، تعرّفت مارسيل كاريت على ابنيها لتنطلق بشكل سريع نحو الولايات المتحدة الأميركية وتجتمع بهما مجددا بعد أن فقدت أثرهما منذ أسابيع.
لبقية حياتهما، حافظ الطفلان على ذكرى فراق والدهما برحلة التيتانيك. وعندما كبرا، أصبح ميشال، الملقب بلولو، أستاذ فلسفة بجامعة مونبلييه بينما أصبح شقيقة مهندسا معماريا وفارق الحياة بشكل مبكر عن عمر يناهز 43 سنة عام 1953.