مريم شوكت تنتصر على إعاقتها وتزخرف بريشتها مستقبلا حلمت به من خلال دراسة الهندسة المعمارية مريم شوكت، طالبة تعد أنموذجا للقوة والإصرار على تخطي العقبات، عانت منذ صغرها من إعاقة "ظاهرية" لم تمنعها من ممارسة حياتها والسير على درب التفوق، بل حتى الإبداع في مجال الرسم؛ وكان المرض سببا جعل منها علامة إيجابية بارزة في مدرستها وقدوة للكثيرات من زميلاتها.
عانت مريم من اعتلال العضلات منذ ولادتها، وهو مرض لا علاج له في الوقت الحاضر، ويتطور مع تقدم العمر، ويؤدي لتفاقم مشكلة الحركة العضلية في جسمها، وهو ما دعاها لاستخدام الكرسي المتحرك -الذي لم تكن تستخدمه سابقا- لتسهيل حركتها.


رسوم إيجابية

مريم مولعة منذ صغرها بالرسم، وهي موهبةٌ تطورت في السنوات الأخيرة من خلال مشاركتها في العديد من المعارض المدرسية أو ما تنشره على صفحتها في موقع إنستغرام، ويلمس المشاهد في رسومها التفاؤل والتعايش مع فكرة الإعاقة والإيجابية في تناولها.

تعمد مريم دائما لتصوير الفتاة ذات الاحتياجات الخاصة وهي تمارس حياتها بشكل طبيعي، إضافة لاستخدامها الألوان بتدرجات متفائلة ومليئة بالبهجة، وعن ذلك تقول: "أمارس هواية الرسم منذ صغري، وازداد شغفي بها مع مرور الأيام من خلال محاولاتي المستمرة لاكتساب مهارات جديدة وتطويرها والتجديد في أسلوبي".
وتضيف: "من خلال الرسم أجد متنفسي الذي أعبّر فيه عن زاوية رؤيتي للظرف الذي أمر به من جانب إيجابي بعيد تماما عن نظرة المجتمع القاصرة لمن هم بمثل ظرفي".



من رسوم الشابة العراقية مريم شوكت‬

مصدر إلهام

في ظروف مماثلة لما مرت به مريم، لا يقع العبء على عاتق المريض وحده، بل هناك من يشاركه صعوبة التجربة، ومنهم من يفشل ويركن لليأس، وقد يتوقف متعذرا بشتى الأعذار؛ لكن في حالة مريم كان للأهل دور إيجابي في وصولها لما هي عليه الآن، بوصفها طالبة متميزة بين زميلاتها معروفة في الوسط الدراسي بالتهذيب وحسن الخلق والتفوق.




تقول عنها إقبال راضي مدرّسة اللغة الفرنسية في ثانوية المتميزات التي تخرجت فيها مريم: "كانت مثالا يحتذى به، شخصيا كنت أتعلم منها وأجدها مصدر إلهام للكثيرات، فهي متفوقة، تجتهد لتكون الأولى دوما، فنانة لا تجد في علتها ما يعيب، بل على العكس جعلت من إعاقتها الحركية حافزا لتكون ملهمة لسواها ممن يتعذرون بالظروف ليتقاعسوا عن أداء واجباتهم الدراسية أو اللحاق بركب التفوق".
وتضيف: "كنت دوما أرى في والدي مريم الجنديين المجهولين وراء هذا التميز، ورأيت على مدى سنوات حرصهما على دعمها، لقد كانا السبب الذي دفعها لتكون على ما هي عليه اليوم".



من تصاميم مريم شوكت الهندسية في الجامعة حيث تدرس الهندسة المعمارية‬


مليون و375 ألف معاق

من المعلوم أن المصابين بالإعاقة الحركية من ذوي الاحتياجات الخاصة يكتشفون اختلافهم منذ سن مبكرة بسبب التمييز الذي يعانون منه في المجتمع. وفي إحصائية سابقة نشرتها وزارة التخطيط العراقية، تبين وجود مليون و375 ألف معاق بالعراق، أعلى نسبة منهم كانت للمعاقين حركيا. فهل من السهل التغاضي عن وجود هذه الأعداد بيننا؟

عن ذلك يقول الدكتور زامدار رسول الاستشاري الحاصل على الدبلوم العالي في الأمراض النفسية من جامعة كاليفورنيا: "من الممكن أن يكون أصحاب الهمم من ذوي الإعاقة أفرادا اعتياديين في مجتمعاتهم، يمارسون النشاطات ذاته، لكن الصعوبة تكمن في نظرة المجتمع المتخلفة التي لا تتفهم أن العوق هو عوق العقل عن اتخاذ القرارات الصائبة وليس الجسد".
مضيفا أن "كل رد فعل انهزامي يظهره المعتل بالإعاقة الحركية -أيا كان نوعها- هو في الحقيقة نتاج فعل المجتمع وأفراده عليه".


الهندسة المعمارية

مريم حلمت ذات يوم أن تحصل على معدل عال تحقق من خلاله أمنيتها بدراسة تخصص في مجال يناسب ظرفها، كالهندسة المعمارية أو الديكور، أو أي قسم يعود بالنفع والفائدة على المجتمع. وقد حققت الحلم، وهي الآن طالبة في قسم الهندسة المعماريةبعد حصولها على معدل 93.35 في السادس الإعدادي/الفرع التطبيقي (الثانوية العامة)، ولا تزال تمارس موهبتها كرسامة تلون بأناملها أوراقا وتزخرف بريشتها مستقبلا حققت من خلاله ما عجز عنه الكثيرون.