مع تزايد اللجوء للعشيرة لحل المشاكل.. صناعة العقال تشهد انتعاشا كبيرا في العراق
بلغ سعر العقال بالعراق نحو 20 دولارا بعد أن كان أقل من دولار في سبعينيات القرن الماضي
أثار الإقبال اللافت مؤخرا على العقال العربي تساؤلات عدة في الشارع العراقي، رغم ارتفاع أسعاره. وتشهد البلاد انتشار ظاهرة لبس الزي العربي ، وبروز دور المشايخ في حل المشاكل والخلافات العشائرية، أسباب يُعتقد أنها وراء ازدهار هذه الصناعة على أيدي بعض المهرة بمن فيهم الشباب بعد أن كانت حكرا على كبار السن.
هذه الصناعة تتم بطريقة يدوية، وتحتاج لخبرة ودقة وصانع يجيدها، مع استخدام المواد الأصلية من الخيوط لضمان المتانة.
يقول فرج رضا الشاهين، وهو أحد المهتمين بهذه المهنة حيث يصنع العقال من خيوط الصوف والحرير والقطن، وله مقاسات وأنواع مختلفة، كالعقال الرفيع الذي يلبس في الغرب، والسميك الذي يلبس في مناطق وسط وجنوب.
ومن أبرز الأدوات المستخدمة في صناعة العقال التسكَاة والمدفة والقالب، وفرشاة صغيرة وناعمة لتنظيف الخيوط الداخلة في صناعته.
صناعة العقال بأسلوب تقليدي تحتاج إلى التركيز والحرفية
وفيما ينهمك الشاهين في لف الخيوط على قالب التصنيع يقول إن للعقال خيوطا متدلية من الخلف، وهي تختلف من منطقة إلى أخرى، منوهاً إلى أن الصانع الماهر يتمكن من إنتاج 3 عُقُل في اليوم، حيث تتطلب صناعتها دقة متناهية في ربط الخيوط ببعضها البعض.
ووفقا لأبي باسم الرجل الذى أمضى نحو 25 عاماً في مهنة بيع العقال العربي، فإن للعِقال أسماء متعددة في العراق مل "المُلائِي، المكصب، المرعز، المفتول، الخشن، الناعم، ولون صناعته الشائع في أوساط العراقيين هو الأسود".
وثمة من يصنع العقال بلون أبيض، وآخر بلون وبر الجمال، لكن هذين اللونين لا يحظيان بإقبال كبير إلا أنهما يتوفران في مناطق بالموصل وصلاح الدين وكركوك والأنبار وأجزاء من بغداد وديالى، كما يقول البائع للجزيرة نت.
العقال له دلالة ومكانة بين العشائر العراقية
امتداد تاريخي
وللعقال امتداد تاريخي طويل، وفي هذا الامتداد اختلافات حول ظهوره، مثلما تختلف تسمياته تبعا لنوعه وطريقة لباسه.
وبحسب المؤرخ الواسطي مثنى حسن مهدي، فإن إحدى الروايات عن العقال تشير إلى أنه ظهر في العهد الأندلسي وبالتحديد مراحله النهائية، إذ قرر العرب أن يلفوا رؤوسهم بربطة سوداء كعلامة تدلل على فقدهم للخلافة.
ويقول الواسطي للجزيرة نت إن روايات أخرى تشير إلى أن "أصل العِقال جاء من العقل، والعقل مكانه الرأس، إذ كان الملوك والوجهاء يلفون رؤوسهم برباط يميزهم عن غيرهم في المجتمع".
ويعتقد فريق ثالث أن أول من استخدم العقال هم البدو لربط إبلهم، أثناء فترات استراحتهم في البراري وعندما يفتحون رباطها يضعونه على الرأس كي لا ينسوه في المكان.
ويرى مهدي أن الرواية الثانية هي الأقرب، فالحكمة والعقل يكونان في الرأس، لهذا نجد الكثير من المشاكل لاسيما العشائرية والمشاكل الصعبة والمعقدة تحل في الغالب بحضور المشايخ وأصحاب الحل والعقد.
ومن الموروثات المجتمعية بالعراق، في حال وقعت مشكلة بين شخصين ورمى أحدهما عقاله فهذا يعني أن المشكلة تطورت وتوسعت ولا يمكن حلها دون اللجوء إلى العرف العشائري.
لبس العِقال بات علامة مميزة في الريف والمدينة ويعده كثير من الشباب رمزا لهويتهم
طريقة لبس العقال
وترافق طريقة لبس العقال فرضيات يتداولها أصحاب الشأن قد تكون واقعية أو ربما للتندر، وفي هذا الصدد يقول الحاج داود سلمان البغدادي إن الشخص الذي يلبس عقاله بشكل مائل يعني انه عاشق أو مغرم، ومن يضعه في الجزء الخلفي من رأسه يدل هذا على أنه يعاني من الضيق أو الإفلاس.
ويضيف البغدادي أن الشخص الذي يضع العقال بشكل مُحكم فوق منتصف رأسه، أو كما يسمى (طمس) يعني أنه صاحب أعمال وكثير الحركة، ويخشى سقوط عقاله بسبب تحركاته التي يتطلبها عمله.
وفي مرسمه بالهواء الطلق يحرص الفنان التشكيلي كريم ناصر على ارتداء الكوفية والعقال ماسكا الفرشاة والألوان ليرسم واقع الريف العراقي، يقول للجزيرة نت إن لبس العِقال بات علامة مميزة في الريف والمدينة، ويعده معظم الشباب رمزا لهويتهم، يفتخرون به ويقلدون أجدادهم.
وهذا الإقبال ربما يفسِّر ارتفاع أسعار العِقال بشكل كبير، إذ بلغ سعر الواحد نحو 25 ألف دينار(20 دولارا) بعد أن كان سعره أقل من دولار في سبعينيات وحتى منتصف ثمانينيات القرن الماضي.