اختلف العلماء في تحديد توقيت رحلة الإسراء والمعراج؛ وهم في ذلك على أقوال عدَّة:

ذكر ابن عساكر وغيره أحاديث الإسراء في أوائل البعثة[1].

وأما ابن اسحاق فذكر أن الرحلة كانت بعد البعثة بنحوٍ من عشر سنين[2].

وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ موسى بن عقبة، عَنِ الزهري أَنَّهُ قَالَ: أُسَرِي بِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَبْلَ خُرُوجِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ بِسَنَةٍ. قَالَ: وَكَذَلِكَ ذَكَرَهُ ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ أَبِي الأَسْوَدِ، عَنْ عروة بن الزبير[3]. وَعَلَى قَوْلِ الزُّهْرِيِّ وَعُرْوَةَ يَكُونُ فِي رَبِيعٍ الأَوَّلِ[4].

وروى الحاكمِ، عَنِ الأَصَمِّ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ، عَنْ يُونُسَ بْنِ بُكَيْرٍ، عَنْ أَسْبَاطِ بْنِ نَصْرٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ السُّدِّيِّ. أَنَّهُ قَالَ: فُرِضَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم الْخَمْسُ بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ لَيْلَةَ أُسَرِيَ بِهِ، قَبْلَ مُهَاجَرِهِ بِسِتَّةَ عَشَرَ شَهْرًا[5]. فَعَلَى قَوْلِ السُّدِّيِّ يَكُونُ الإِسْرَاءُ فِي شَهْرِ ذِي الْقِعْدَةِ.

قال ابن كثير: وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ مِينَاء، عَنْ جَابِرٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ، قَالاَ: وُلِدَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَامَ الْفِيلِ يَوْمَ الاِثْنَيْنِ الثَّانِيَ عَشَرَ مِنْ رَبِيعٍ الأَوَّلِ، وَفِيه بُعِثَ، وَفِيه عُرِجَ بِهِ إِلَى السَّمَاءِ، وَفِيهِ هَاجَرَ، وَفِيهِ مَاتَ. فِيهِ انْقِطَاعٌ. وَقَدِ اخْتَارَهُ الْحَافِظُ عَبْدُ الْغَنِيِّ بْنُ سُرُورٍ الْمَقْدِسِيُّ فِي سِيرَتِهِ[6].

وذكر ابن كثير -أيضًا- أن الحافظ عبد الغني بن سرور المقدسي قد أَوْرَدَ كذلك حَدِيثًا لاَ يَصِحُّ سَنَدُهُ، أَنَّ الإِسْرَاءَ كَانَ لَيْلَةَ السَّابِعِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ رَجَبٍ[7].

والذي أميل إليه أن الإسراء والمعراج كانا بعد عودة رسول الله صلى الله عليه وسلم من الطائف مباشرة، أي في شهر ذي القعدة أو ذي الحجة من العام العاشر من البعثة، لأن هناك أحداثًا مترتِّبة عليه ستأتي بعد هذا التوقيت كما سيتضح لنا في سياق القصة؛ منها قراءة سورة النجم في الكعبة، ومنها هجرة الحبشة الثانية، ومنها دعاء الرسول بالقحط على قريش عندما استعصت عليه، وهذا كله تناولناه بالتفصيل في مقالات السيرة النبوية.

د.راغب السرجاني
[1] ذكر ابن عساكر "باب إخبار الأحبار بنبوته والرهبان وما يذكر من أمره عن العلماء والكهان"، ثم ذكر "باب تطهير قلبه من الغل وإنقاء جوفه بالشق والغسل"، ثم ذكر "باب ذكر عروجه إلى السماء واجتماعه بجماعة من الأنبياء". ابن عساكر: تاريخ دمشق 3/480، وما بعدها. وذكرها الطبري كذلك بعد ذكره لابتداء الوحي، وذكر أحاديث الإسراء والمعراج، وقال قبلها: ثم كان أول شيء فرض الله تعالى من شرائع الإسلام عليه بعد الإقرار بالتوحيد والبراءة من الأوثان والأصنام وخلع الأنداد الصلاة- فيما ذكر. انظر الطبري: تاريخ الرسل والملوك 2/307، وقال ابن عبد البر: قال أبو بكر محمد بن علي (بن القاسم) الذهبي في تاريخه: ثم أسري بالنبي صلى الله عليه وسلم من مكة إلى بيت المقدس وعرج به إلى السماء بعد مبعثه بثمانية عشر شهرًا. قال أبو عمر: لا أعلم أحدًا من أهل السير قال ما حكاه الذهبي، ولم يُسند قوله إلى أحد ممن يضاف إليه هذا العلم منهم، ولا رفعه إلى مَنْ يحتج به عليهم. انظر: التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد 8/48. وقال أيضًا: الوقاصي عن ابن شهاب فقال: أسري به بعد مبعثه بخمس سنين. انظر: التمهيد 8/51، 52. وقال ابن بطال: وقول الزهري أولى من قول الذهبي... ورواية الوقاصي أولى من رواية موسى بن عقبة؛ لأنهم لا يختلفون أن خديجة صلت معه بعد فرض الصلاة عليه، وتوفيت قبل الهجرة بأعوام... فهذا يدل أن الإسراء كان قبل الهجرة بأعوام؛ لأن خديجة قيل: إنها توفيت قبل الهجرة بخمس سنين، وقيل: بثلاث. انظر: ابن بطال: شرح صحيح البخاري 2/6، 7، وهذا -في رأيي- مردود عليه، لأن خديجة لم تصلِ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلوات الخمس، إنما صلت معه صلاة الغداة والعشي فقط، وهذه مفروضة -كما بينَّا قبل ذلك- من أوائل أيام البعثة. وقال القسطلاني: وعن الزهري أنه كان بعد المبعث بخمس سنين، ورجحه القرطبي والنووي. انظر: القسطلاني: إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري 6/203، قال النووي: وقال الزهري: كان ذلك بعد مبعثه صلى الله عليه وسلم بخمس سنين. وقال ابن إسحاق: أُسري به صلى الله عليه وسلم وقد فشا الإسلام بمكة والقبائل. وأشبه هذه الأقوال قول الزهري وابن إسحاق. انظر: النووي: المنهاج 2/209.
[2] ذكر ابن هشام عن ابن إسحاق قصة الإسراء والمعراج في موضع قبل موت أبي طالب وخديجة ل، ولم يذكر تاريخ القصة. قال ابن هشام: حدثنا زياد بن عبد الله البكائي، عن محمد بن إسحاق المطلبي، قال: ثم أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، وهو بيت المقدس من إيلياء، وقد فشا الإسلام بمكة في قريش، وفي القبائل كلها. انظر: ابن هشام: السيرة النبوية 1/396- 408. وقال ابن كثير: وأما ابن إسحاق فذكرها في هذا الموطن بعد البعثة بنحو من عشر سنين. انظر: ابن كثير: البداية والنهاية 3/135. وهذا يعني أن اختيار ابن كثير هو العام العاشر من البعثة.
[3] البيهقي: دلائل النبوة 2/354، 355، وقال ابن عبد البر: وقال أبو إسحاق الحربي: فلما كانت ليلة سبع وعشرين من ربيع الأول قبل الهجرة بسنة أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم... وروى همام عن قتادة قال: كانوا يصلون إلى بيت المقدس ورسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة قبل الهجرة، وبعد ما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى إلى بيت المقدس ستة عشر شهرًا. وهكذا قال في الإسراء: إنه كان قبل الهجرة بسنة. وهو قول موسى بن عقبة... قال أبو عمر -أي ابن عبد البر-: هكذا قال موسى بن عقبة عن ابن شهاب أن الإسراء كان قبل الهجرة بسنة. قال أبو عمر: وذلك بعد مبعثه بسبع سنين أو باثنتي عشرة سنة على حسب اختلافهم في مقامه بمكة بعد مبعثه... وروى يونس عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة ل قالت: توفيت خديجة قبل أن تفرض الصلاة. قال ابن شهاب: وذلك بعد مبعث النبي صلى الله عليه وسلم بسبعة أعوام... انظر: التمهيد 8/49-52، وقال ابن سعد: أخبرنا محمد بن عمر الأسلمي، قال: حدثني أسامة بن زيد الليثي، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده. قال: وحدثني موسى بن يعقوب الزمعي، عن أبيه، عن جده، عن أم سلمة ل. قال موسى: وحدثني أبو الأسود، عن عروة، عن عائشة ل. قال محمد بن عمر: وحدثني إسحاق بن حازم، عن وهب بن كيسان، عن أبي مرة مولى عقيل، عن أم هانئ ابنة أبي طالب. وحدثني عبد الله بن جعفر، عن زكرياء بن عمرو، عن ابن أبي مليكة، عن ابن عباس ب. وغيرهم أيضًا قد حدثني، دخل حديث بعضهم في حديث بعض، قالوا: أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة سبع عشرة من شهر ربيع الأول قبل الهجرة بسنة، من شعب أبي طالب إلى بيت المقدس. انظر: الطبقات الكبرى 1/166. وقال الصالحي: واختلفوا في أي سنة كان، فجزم جمع بأنه كان قبل الهجرة بسنة، وجرى عليه الإمام النووي، وبالغ ابن حزم فنقل فيه الإجماع. سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد 3/65.
[4] انظر: ابن كثير: البداية والنهاية 3/135، وقال القسطلاني: وذهب الأكثرون إلى أنه كان في ربيع الأول قبل الهجرة بسنة. انظر: القسطلاني: إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري 6/203، وقال ابن الجوزي: فمن قال: لِسَنة. فيكون ذلك في ربيع الأول. انظر: الوفا بتعريف فضائل المصطفى ص162.
[5] ابن إسحاق: السير والمغازي ص297، والبيهقي: دلائل النبوة 2/355، وقال ابن سعد: أخبرنا محمد بن عمر، عن أبي بكر بن عبد الله بن أبي سبرة، وغيره من رجاله، قالوا: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأل ربه أن يريه الجنة والنار، فلما كان ليلة السبت لسبع عشرة خلت من شهر رمضان قبل الهجرة بثمانية عشر شهرًا ورسول الله صلى الله عليه وسلم نائم في بيته ظهرًا، أتاه جبريل وميكائيل فقالا: انطلق إلى ما سألت الله. فانطلقا به إلى ما بين المقام وزمزم، فأتي بالمعراج. انظر: الطبقات الكبرى 1/166، وذكر ابن الجوزي الإسراء والمعراج في حوادث سنة اثنتي عشرة من النبوة، وقال: قال الواقدي: كان المسرى في ليلة السبت لسبع عشرة ليلة خلت من رمضان في السنة الثانية عشرة من النبوة، قبل الهجرة بثمانية عشر شهرًا. وروي عن أشياخ أخر قالوا: أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة سبعة عشر من ربيع الأول، قبل الهجرة بسنة. انظر: المنتظم في تاريخ الملوك والأمم 3/25، 26. وقال أيضًا: وهذا قول ابن عباس وعائشة، وسمعتُ شيخنا أبا الفضل بن ناصر يقول: قال قوم: كان الإسراء قبل الهجرة بسنة. وقال آخرون: قبل الهجرة بستة أشهر. فمن قال: لِسَنة. فيكون ذلك في ربيع الأول، ومن قال: لثمانية أشهر. فيكون ذلك في رجب، ومن قال: لستة أشهر. فيكون ذلك في رمضان. قلت (ابن الجوزي): وقد كان في ليلة سبع وعشرين من رجب. انظر: ابن الجوزي: الوفا بتعريف فضائل المصطفى ص162.
[6] ابن كثير: البداية والنهاية 3/135.
[7] ابن كثير: البداية والنهاية 3/135، وانظر: ابن الجوزي: الوفا بتعريف فضائل المصطفى ص162، وقال الصالحي: واختلفوا في أي الشهور كان الإسراء؛ فجزم ابن الأثير وجمع منهم النووي في فتاويه كما في النسخ المعتمدة، بأنه كان في ربيع الأول، قال النووي: "ليلة سبع وعشرين". وجرى عليه جمع، وهكذا عن الفتاوى الإسنوي في المهمات، والأَذْرَعي في التوسط، والزركشي في الخادم، والدميري في حياة الحيوان، وغيرهم. وكذا رأيته في عدة نسخ من الفتاوى وفي بعض النسخ من شرح مسلم كذلك، وفي أكثرها ربيع الآخر كما في نسخ الفتاوى. ونقله ابن دحية في الابتهاج، والحافظ في الفتح، وجمع عن الحربي. والذي نقله عنه ابن دحية في كتابيه: التنوير والمعراج الصغير، وأبو شامة في الباعث، والحافظ في فضائل رجب، ربيع الأول. وقيل: كان في رجب. وجزم به النووي في الروضة تبعًا للرافعي، وقيل: في رمضان. وقيل: في شوال. انظر: سبل الهدى والرشاد 3/65.