نيتفليكس لا تهدأ، أليس كذلك؟ عملاق البث الإلكتروني قرر أن يبدأ عام 2021 بموسمٍ جديد من مسلسل Snowpiercer الشهير. أجل، الاسم صحيح، وقد مر عليكم بشكلٍ أو بآخر في الماضي. إنه نفس اسم الفيلم الذي صار أيقونية سينمائية في قوائم الترشيحات بوقتٍ قصيرٍ للغاية من إطلاقه في السينمات العالمية والمحلية. فيلم عن الطبقية، التوحش الإنساني، والرغبة في البقاء بأي شكل.

الآن الحبكة متشعبة أكثر وأكثر، واستطاعنا أن نسلط الضوء على التضاربات الإنسانية بشكلٍ أعمق. المسلسل طويل في الواقع، والأحداث دسمة ومليئة بالشخصيات التي فعلًا تجذب الانتباه. لكن السؤال البديهي هو، هل القصة ارتقت إلى مستوى ملحمية الفيلم؟ أم فشلت نيتفليكس في تجسيد عنفوان البشر تجاه بعضهم البعض في الأزمات؟

حسنًا، هذا ما سنجيب عنه في مقال اليوم، فمعنا مراجعة مسلسل Snowpiercer الشهير هذه الأيام على نيتفليكس بموسمه الثاني، فهيا بنا!

قصة مسلسل Snowpiercer



تبدأ قصة مسلسل Snowpiercer عندما قرر البشر تدمير الكوكب بأنفسهم، بالجهل وانعدام البصرية.

لسنين وسنين حذر العلماء من الاحتباس الحراري، وهو أحد مؤشرات التغير المناخي. مع الوقت ارتفعت حرارة الكوكب أكثر وأكثر، حتى بات من المستحيل على البشر أن يتأقلموا مع الذي يحدث، حيث اندلعت الحرائق في كل مكان فجأة، وأصبحت الأرض هي الجحيم بعينه. فلم يكن أمام الجنس البشري إلا الدفع بغازات معينة تجبر الكوكب على تخفيض درجة حرارته بالتدريج، لكن الذي حدث هو العكس تمامًا، فصار كوكب الأرض بمثابة كرة ثلجية كبيرة.

مع الوقت أخذت الحرارة في الانخفاض، حتى تقلصت أعداد البشر بشكلٍ ملحوظ. هنا قرر رجل أعمال اسمه وليفورد، أن يصنع سفينة نوح في أرض الواقع، ويخلق المعجزة الحيّة: مخترق الجليد – Snowpiercer!

قطار عملاق مكون من 1001 قاطرة بالتمام والكمال، مقسم إلى طبقات اجتماعية، ومدشن بالسلاح، المؤن، الصوب الزجاجية المغلقة، الملاحم، المحال التجارية، أنظمة رعاية صحية، وكل شيء يمكن أن يساعد على استمرار البشرية في ظل هذه الكارثة العالمية. إنه صرح عملاق يعمل بتقنية قادرة على توليد الطاقة عن طريق السير حول الكوكب في مسار واحد بسرعة كبيرة، وإذا توقف القطار، تنقرض الإنسانية مباشرة.

مسلسل Snowpiercer يدور بالكامل حول الشريحة الاجتماعية التي ركبت القطار وهو يقلع من شيكاغو، شريحة (الذيل). هم بشر غير مرغوب بهم، نجوا بأنفسهم في نهاية المطاف، ليصيروا هم عمالة السُخرة لدى ويلفورد. ثورة خلف ثورة، موت خلف موت، والعجلة تدور. لكن هذه المرة الذيل يريد فعلًا تحقيق العدل لنفسه، أن يتساوى مع أصحاب الدرجة الأولى، أن يشعر بالآدمية مجددًا، فهل سينجح برباطة جأش قاطنيه من جهة، وعشوائيتهم من جهة أخرى؟

حسنًا، تابعوا المسلسل لتعرفوا. وإذا شاهدتم الفيلم، لا تقلقوا، المسلسل بعيد كل البعد عن قصة الفيلم، إنها حبكة جديدة تمامًا، ولا يتشاركان إلا مفهوم القطار صاحب المحرك الأبدي فقط.

انطباع عن القصة

لسرد انطباع مناسب حول قصة مسلسل Snowpiercer بطريقة حيادية، حاولت بقدر الإمكان تناسي أحداث الفيلم الأول وانطباعي حوله. في الواقع، الفيلم كان ممتازًا، وخرجت منه بانطباع عملاق بحق، وتطبيقه على هذا المسلسل كان ليكون مأساة، لأن التجسيد هنا.. حسنًا.. غير موفق بعض الشيء للأسف.

الصراع من أجل الإنسانية يمكن سرده في مجلدات ومجلدات، طالعوا مثلًا الرواية المهولة تحت عنوان (الحرب والسلم) للكاتب توليستوي، إنها بديعة بحق، تجسد دموية البشر في عالم الفضيلة الزائفة. لكن توليستوي تفرع لمناطق جغرافية كثيرة في عمله الأدبي، ونحن هنا محبوسون في قطار واحد فقط، ومهما بلغ عدد عرباته من الكِبر، فهو قطار واحد في النهاية، مساحة جغرافية محدودة للغاية، ومعروفة بالشبر والميللي.

القصة في بعض المراحل كانت فيها منحنيات معينة فقط من أجل مطّ الأحداث حتى يكون هناك وقت يسمح بإدراج الكارت الجديد في رزمة أوراق اللعب، فبالتالي قلب الموازين تمامًا. كشف الكروت سريعًا سيكون إهدارًا لإثارة مرتقبة، وكان يجب الحشو. هنا للأسف فشل كاتب السيناريو في تقديم مراحل انتقالية مناسبة، وكان يمكن فعلًا حصر 4 ساعات انتقالية في ساعة واحدة فقط، ليكون الموسم الأول من مسلسل Snowpiercer عبارة عن فيلم مدته ساعتين فقط، أجل، بالضبط، نفس مدة الفيلم الأصلي تقريبًا.

في النهاية المنعطفات الأخيرة فعلًا قلبت كل شيء رأسًا على عقب، وعوضت حالة الملل التي أصابتني في المنتصف. لكن بعد كل شيء، وانتهاء قوّة الأدرنالين في العروق، ستكتشف أن المسلسل ممل في مناحٍ كثيرة، وكان بالإمكان جعل القصة أفضل، على الأقل للمشاهد الذي أتى من خلفية الفيلم الأصلي. ربما تروق القصة لمن يشاهده لأول مرة، لكن بالرغم من التخلي شبه التام عن انطباعي الإيجابي عن الفيلم، فشل هذا المسلسل في جعلي أحبه بالقدر المطلوب.

الشخصيات في مسلسل Snowpiercer

هنا نأتي للعنصر الذي تسبب في إحداث الملل أثناء الأحداث، الشخصيات!

حرص كاتب مسلسل Snowpiercer على تقديم شخصيات كثيرة جدًا، بحكم تعدد الطبقات الاجتماعية في القصة. لكن هناك عشرات الشخصيات حرفيًّا لا فائدة منها، وتم تسليط الكاميرا عليها أكثر من مرة، وحصلت على وقت شاشة طويل، دون فائدة مرجوة. بعض تلك الشخصيات انتهت تمامًا مع نهاية الموسم الأول، وكل مواضع ظهورها لم تكن مؤثرة في الأحداث أبدًا، وفقط أتت لإبراز الصورة العامة للطبقة الاجتماعية المعينة التي أتت منها، وهذا بالرغم من إمكانية الاكتفاء بنصف عدد الشخصيات تقريبًا، وإيصال نفس المعنى الديستوبي والاضطرابي بداخل تقسيمات القطار الملعون.

لكن بعيدًا عن التكديس الملحوظ للشخصيات الثانوية، فالشخصيات الرئيسية مبنية بطريقة جيدة فعلًا. التاريخ الخاص بكل شخصية محورية ملحوظ للغاية، وأفعالها تتأثر بماضيها، حيث تجد أن ردود أفعالها على مواقف بعينها لا تتم معالجتها من خلال فهم الحاضر فقط، بل ربطه بالماضي أولًا، ومقارنته مع الكود الأخلاقي، ثم أخذ القرار.

والكود الأخلاقي مسألة مهمة هنا، حيث وضح التباين الملحوظ في التركيبات النفسية للطبقات المختلفة. فطبقة الذيل مثلًا تحاول أن تهتم بالكل، ومع كل طبقة مرتقية في القطار، تزداد الأنانية بشدة. لكن المثير للانتباه أن إيثار الآخرين الذي كانت تتمتع به طبقة الذيل، شرع في الخفوت بالتدريج، حتى اختفى تقريبًا لدى معظم شخصياته، ولن أقول كيف بالطبع، هذا سأتركه لتعرفوه بأنفسكم.

التمثيل

ملحمي من البعض، متوسط من البعض، ومأساوي من البعض، تركيبة تقليدية لعمل تقليدي.

كنت أنتظر أداءً مختلفًا في الواقع، أتممت مسلسل Snowpiercer فقط من أجل القصة، أردت أن أعرف إلى أين ستأخذنا الأحداث، وما هي الخبايا التي يخفيها المؤلف خلف ستار الحلقات المتتابعة. التمثيل محبط، تقليدي بنسبة كبيرة، مع بعض القفزات الاحترافية من وقتٍ لآخر. حتى أن أداء بعض الشخصيات الثانوية كان أفضل من معظم الشخصيات الرئيسية، ببساطة شعرت بواقعية التمثيل لي كمشاهد، لكن لم أشعر بنفس الواقعية لهم كممثلين، وهذا في عين الناقد عيب خطير للأسف.

الإخراج

الإخراج هو العنصر الذي لفت انتباهي في مسلسل Snowpiercer بشكلٍ عام، الزوايا حقًا جديرة بالإعجاب.

الحركة الإخراجية المميزة على مدار الأحداث هي محاولة إدراج أكثر من شخصية واحدة في نفس الإطار، مع التقليل من القطع المتواصل بين الكاميرات، بهدف إدخال المُشاهد في قلب المشهد بدون تشويش. هذه تقنية من النادر استعمالها هذه الأيام، خصوصًا مع مسلسلات الإثارة التي تستدعي القطع المتسارع، فهذه نقطة تحسب للمخرج بدون شك.

أما بالمجمل، فمعظم الكادرات عادية، لكن جيدة ومناسبة للقصة، فلا تعليق لديّ عليها بالسلب أو الإيجاب.

الموسيقى

وجود الموسيقى ملحوظ جدًا في أحداث مسلسل Snowpiercer كلها تقريبًا، المقطوعات تشعر وكأنها لا متناهية. هناك مقطوعة صغيرة مخصصة لكل مرحلة انتقالية في الأحداث، وربما الموسيقى هي فعلًا العنصر الذي اندمج مع الإخراج شبه الجيد ومنعطفات القصة الممتازة، خفف بشكلٍ ما من الملل الذي تخلل أحداث القصة الطويلة جدًا.






احمد سامي - أراجيك