قضية الولاية التكوينية
من هو القرآن الناطق المُبين؟
من هو الذي عنده علم الكتاب كلّه ؟
من هو الذي أحصى اللَّه فيه كل شيء ؟
*
الولاية تعني السُّلطة والقدرة .
والتكوين يعني الوجود .
والوجود يعني العالَم .
والعالَم هو الأرض المكونة من سبعة أقاليم المنتشرة بالعرض ،
وما ذرأ الله فيها من الإنس والجن والحيوانات والنباتات وغيرها .
والسماوات المكونة من سبع طبقات المنتشرة بالطول ،
وما خلق الله فيها من الأفلاك والماء والخزائن والملائكة الكرام وغيرها .
إذاً الولاية التكوينية : هي القدرة على تعديل واصدار قوانين العالم الأرضيّة والسماويّة ، كتعديل القوانين الفيزياويّة والكيمياويّة والبيولوجيّة وغيرها ... وطبعاً هذه القوانين ممثلة بالأعداد (الأرقام) . قَالَ تَعَالَى : ﴿وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا﴾ - [سُّورَةُ الْجِنِّ : 28.]
فكل شيءٍ في هذا العالم له عددٌ مُعيّن ، بما في ذلك الوجدانيات والمجردات والروحانيات ، فلقد جعل تعالى حساب مدّة بقاء كل شيء بوحدات معيّنة كالكتلة وهي مقدار ما يحويه الجسم من مادّة وما تحتويه المادّة من معادلات كيميائية وفيزيائية وغيرها ، وبُعمر محدد كالسنين والشهور والأيام والساعات والدقائق والثواني وغيرها . والله تعالى المُحيط بجميع تفاصيل العالم الصغيرة ، والأقرب لمخلوقاته من حبل الوريد ، ومن الأمثلة لضربها على القلّة والإحاطة بالتفاصيل الصغيرة هي : الذرة والفتيل والنقير والقطمير التي ذكرها القُرآن الكريم .
قَالَ تَعَالَى : ﴿اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا﴾ - [سُّورَةُ الطَّلاَقِ : 12.] وَقَالَ تَعَالَى : ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ﴾ - [سُّورَةُ ق : 16.] وَقَالَ تَعَالَى : ﴿وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطًا﴾ - [سُّورَةُ النِّسَاءِ : 126.] وَقَالَ تَعَالَى : ﴿وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِالنَّاسِ﴾ - [سُّورَةُ الْإِسْرَاءِ : 60.]
- - - - - - -
قَالَ تَعَالَى : ﴿الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ الْقُرْآنَ﴾ - [سُّورَةُ الرَّحْمَنِ : 1 - 2.]
إنَّ الرَّحْمَن اسمٌ مِنْ اسْمَاءِ اللَّهِ تعالى .
والقُرْآنُ هو اسْمٌ من اسْمَاءِ النبي محمد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) :
1- قَالَ تَعَالَى : ﴿الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ وَقُرْآنٍ مُّبِينٍ﴾ - [سُّورَةُ الْحِجْرِ : 1.]
2- قَالَ تَعَالَى : ﴿وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُّبِينٌ﴾ - [سُّورَةُ يس : 69.]
ومن الواضح من الآيات أنّها قد فرقت بين آيات الكتاب وبين القرآن المبين .
والتي دلّت على أنّ رسول الله هو الذِكر والقُرآن النَاطِقُ المُبين .
والدليل على أنّ النبي هو القرآن المُعلَّم :
قَالَ تَعَالَى : ﴿عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى﴾ - [سُّورَةُ النَّجْمِ : 5.]
عَنْ الْإِمَامِ الرِّضَا (عَلَيْهِ السَّلَامُ) أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى :
﴿الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ الْقُرْآنَ﴾ ؟
قَالَ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) : اللَّهُ عَلَّمَ مُحَمَّداً (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) .
المصدر :
(تفسير علي بن ابراهيم : ص658و659.)
(البحار : ج24، ص67. وج57، ص283.)
وَعَنْهُ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) أَنَّهُ أَيْضاً سُئِلَ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ :
قَالَ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) : ذَلِكَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ (صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ) ،
عَلَّمَهُ اللَّهُ تَعَالَى بَيَانَ كُلِّ شَيْءٍ يَحْتَاجُ إِلَيْهِ النَّاسُ .
المصدر : (البحار : ج36، ص164.)
وَعَنْ رَسُولِ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) قَالَ :
إِنَّ عَلِيّاً مَعَ الْقُرْآنِ وَالْقُرْآنَ مَعَ عَلِيٍّ ،
لَا يَفْتَرِقَانِ حَتَّى يَرِدَا عَلَيَّ الْحَوْضَ .
المصدر : (البحار : ج89، ص80، عن الأمالي.)
فأمير المؤمنين علي بن أبي طالب (صلوات الله عليه) أيضاً قُرآن الله الناطق المُبين . وكيف لا يكون ذلك وهو ابن عمِّ نبي الله وأخاه بل نفسه بنصِّ آية المباهلة المباركة : قَالَ تَعَالَى : ﴿فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ﴾ - [سُّورَةُ آلَ عِمْرَانَ : 61.]
وهو القائل (صلوات الله عليه) : أَنَا دَمِي دَمُ رَسُولِ اللَّهِ ، وَلَحْمِي لَحْمُهُ ، وَعَظْمِي عَظْمُهُ ، وَعِلْمِي عِلْمُهُ ، وَحَرْبِي حَرْبُهُ ، وَسِلْمِي سِلْمُهُ ، وَأَصْلِي أَصْلُهُ ، وَفَرْعِي فَرْعُهُ ، وَبَحْرِي بَحْرُهُ ، وَجَدِّي جَدُّهُ . أَنَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ كَالضَّوْءِ مِنَ الضَّوْءِ . أَنَا دَاعِيكُمْ إِلَى طَاعَةِ اللَّهِ رَبِّكُمْ ، وَمُرْسِلُكُمْ إِلَى فَرَائِضِ دِينِكُمْ ، وَدَلِيلُكُمْ إِلَى مَا يُنْجِيكُمْ . أَنَا خَلِيفَةُ رَسُولِ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) فِيكُمْ ، وَمُقِيمُكُمْ عَلَى حُدُودِ دِينِكُمْ (وَنَبِيِّكُمْ) ، وَدَاعِيكُمْ إِلَى جَنَّةِ الْمَأْوَى . أَنَا صِنْوُ رَسُولِ اللَّهِ ، وَالسَّابِقُ إِلَى الْإِسْلَامِ ، وَكَاسِرُ الْأَصْنَامِ وَمُجَاهِدُ الْكُفَّارِ ، وَقَامِعُ الْأَضْدَادِ . أَنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ وَمَعِي عِتْرَتَهُ عَلَى الْحَوْضِ ، فَلْيَأْخُذْ أَحَدُكُمْ بِقَوْلِنَا وَلِيَعْمَلْ بِعَمَلِنَا . أَنَا صَاحِبُ عِلْمِهِ وَالْمُفْنِي عَنْهُ غَمَّهُ . أَنَا الْمُنَفِّسُ عَنْهُ كَرْبَهُ . أَنَا زَوْجُ فَاطِمَةَ بِنْتِ مُحَمَّدٍ سَيِّدَةِ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ . أَنَا أَبُو شَبَّرَ وَشَبِيرٍ . أَنَا غَاسِلُ رَسُولِ اللَّهِ وَمُدْرِجُهُ فِي الْأَكْفَانِ وَدَافِنُهُ . (عيون الحكم والمواعظ لعلي بن محمد الليثي الواسطي : ص165، عن كتاب غُرَرُ الحِكم ودُرَرُ الكلِم.)
عَلِيٌّ الَّذِي ضَرَبَ بِسَيْفَيْنِ وَطَعَنَ بِرُمْحَيْنِ وَصَلَّى الْقِبْلَتَيْنِ وَبَايَعَ الْبَيْعَتَيْنِ وَهَاجَرَ الْهِجْرَتَيْنِ وَلَمْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ طَرْفَةَ عَيْنٍ . هُوَ مَوْلَى صَالِحِ الْمُؤْمِنِينَ وَوَارِثِ النَّبِيِّينَ وَخَيْرِ الْوَصِيِّينَ وَأَكْبَرِ الْمُسْلِمِينَ وَيَعْسُوبِ الْمُؤْمِنِينَ وَنُورِ الْمُجَاهِدِينَ وَرَئِيسِ الْبَكَّاءِينَ وَزَيْنِ الْعَابِدِينَ وَسِرَاجِ الْمَاضِينَ وَضَوْءِ الْقَائِمِينَ وَأَفْضَلِ الْقَانِتِينَ وَلِسَانِ رَسُولِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَأَوَّلِ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ آلِ يس . الْمُؤَيَّدِ بِجَبْرَئِيلَ الْأَمِينِ وَالْمَنْصُورِ بِمِيكَائِيلَ الْمَتِينِ وَالْمَحْمُودِ عِنْدَ أَهْلِ السَّمَاءِ أَجْمَعِينَ . سَيِّدِ الْمُسْلِمِينَ وَالسَّابِقِينَ وَقَاتِلِ النَّاكِثِينَ وَالْمَارِقِينَ وَالْقَاسِطِينَ وَالْمُحَامِي عَنْ حَرَمِ الْمُسْلِمِينَ . مُجَاهِدِ أَعْدَائِهِ النَّاصِبِينَ وَمُطْفِئِ نَارِ الْمُوقِدِينَ وَأَفْخَرِ مَنْ مَشَى مِنْ قُرَيْشٍ أَجْمَعِينَ وَأَوَّلِ مَنْ أَجَابَ وَاسْتَجَابَ لِلَّهِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ . وَصِيِّ نَبِيِّهِ فِي الْعَالَمِينَ وَأَمِينِهِ عَلَى الْمَخْلُوقِينَ وَخَلِيفَةِ مَنْ بُعِثَ إِلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ ... (البحار : ج42، ص133، عن الإختصاص. مُقتبس من أوصاف قنبر (رضي الله عنه) مولى أمير المؤمنين علي عليه السلام.)
- - - - - - -
ولكثرة العِلْمِ وشِدَّتِه الذي علّمه الله تعالى لحبيبه المصطفى ؛
صار النبيُّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) راسخاً في العلْمِ :
قَالَ تَعَالَى : ﴿وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ﴾ - [سُّورَةُ آلَ عِمْرَانَ : 7.]
عَنْ الْإِمَامِ الْبَاقِرِ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ :
﴿وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ﴾ ؟
فَقَالَ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) : يَعْنِي تَأْوِيلَ الْقُرْآنِ كُلِّهِ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ ، فَرَسُولُ اللَّهِ أَفْضَلُ الرَّاسِخِينَ فِي الْعِلْمِ ، قَدْ عَلَّمَهُ اللَّهُ جَمِيعَ مَا أَنْزَلَ عَلَيْهِ مِنَ التَّنْزِيلِ وَالتَّأْوِيلِ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُنْزِلًا عَلَيْهِ شَيْئاً لَمْ يُعَلِّمْهُ تَأْوِيلَهُ ، وَأَوْصِيَاؤُهُ مِنْ بَعْدِهِ يَعْلَمُونَهُ كُلَّهُ . فَقَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ مَا نَقُولُ إِذَا لَمْ نَعْلَمْ تَأْوِيلَهُ ، فَأَجَابَهُمُ اللَّهُ : ﴿يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدَ رَبِّنا﴾ . وَالْقُرْآنُ لَهُ خَاصٌّ وَعَامٌّ وَنَاسِخٌ وَمَنْسُوخٌ وَمُحْكَمٌ وَمُتَشَابِهٌ ، فَالرَّاسِخُونُ فِي الْعِلْمِ يَعْلَمُونَهُ .
وَعَنْهُ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) قَالَ :
إِنَّمَا نَحْنُ الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَعَدُوُّنَا الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ، وَشِيعَتُنَا أُولُو الْأَلْبَابِ .
وَقَالَ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) فِي هَذِهِ الْآيَةِ :
﴿بَلْ هُوَ آياتٌ بَيِّناتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ﴾ ، فَأَوْمَأَ بِيَدِهِ إِلَى صَدْرِهِ .
وَعَنْ الْإِمَامِ الصَّادِقِ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) قَالَ :
نَحْنُ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ وَنَحْنُ نَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ .
وَعَنْهُ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) قَالَ :
الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ (صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ) ،
وَالْأَئِمَّةُ مِنْ بَعْدِهِ (صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ) .
المصدر :
(الكافي : ج1، ص213،212.)
و(البحار : ج89, ص92.)
*
بعد أن عرفنا أنّ النبي محمد والإمام علي (صلّى الله عليهم وسلّم) هما الذِكر والقُرآن النَاطِقُ المُبين صار لِزاماً أن تنطبق عليهم هذه الآيات : قَالَ تَعَالَى : ﴿لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ﴾ - [سُّورَةُ الْحَشْرِ : 21.] وَقَالَ تَعَالَى : ﴿قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا﴾ - [سُّورَةُ الْإِسْرَاءِ : 88.] وَقَالَ تَعَالَى : ﴿وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعًا﴾ - [سُّورَةُ الرَّعْدِ : 31.]
فمحمدٌ وعليٌّ (صلّى الله عليهم وسلّم) قادران على تسيير الجبال وتقطيع الأرض وتكليم الموتى .. ولن أجتمعت الإنس والجنِّ على أن يأتوا بِمثل النبي محمد أو الإمام علي (صلّى الله عليهم وسلّم) لن يأتوا بهما ولو كان بعضهم لبعضٍ ظهيراً ... ولقد انشقّ القَمَرُ لنصفين لمُحمد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وذلك بعد ان طالبه المشركون بمعجزةٍ خارقة لم يأت بها غيره ، فطلبوا منه شقّ القمر فأجابهم بشرط ان يؤمنوا بالله ورسوله فقبلوا بذلك ، فدعا رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بما طلبوه من الله تعالى وانشقّ القمر الى نصفين ، واتهموه بالسحر وقالوا له ننتظر قافلة تأتي من الشام لينبؤوهم بما رأوه لاعتقادهم أنّ السحر لا يؤثر على البعيد ، وحين وصول القافلة سألوهم فأجابوا أنّ القمر قد انقسم الى نصفين .
وإن كان الله تعالى انتقم لموسى (عليه السلام) من فرعون فقد انتقم لمحمد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يوم بدر فقتلوا بأجمعهم وألقوا في القليب وانتقم له من المستهزءين ، فأخذهم بأنواع البلاء . وإن كان موسى (عليه السلام) صار عصاه ثعبانا فاستغاث فرعون منه رهبة ، فقد أعطى محمداً (صلّى الله عليه وآله وسلّم) مثله لما جاء إلى أبي جهل شفيعا لصاحب الدين فخاف أبو جهل وقضى دين الغريب ثم إنه عتب عليه فقال رأيت عن يمين محمد ويساره ثعبانين ، تصطك أسنانهما وتلمع النيران من أبصارهما لو امتنعت لم آمن أن يبتلعني الثعبان !
وإن كان داود (عليه السلام) سُخِرَ له الجبال والطير يسبحن وسارت بأمره ، فالجبل نطق لمحمد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) إذ جادله اليهود وشهد له بالنبوة ، ثم سألوه أن يسير الجبل فدعا فسار الجبل إلى فضاءٍ وسبّح الحصى في يد رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ، وسُخِرتْ له الحيوانات كُلّها . وإن لان الحديد لداود (عليه السلام) فقد ليّن لرسولنا الحجارة التي لا تلين بالنار والحديد ، وقد لين الله تعالى العمود الذي جعله وصيّه علي بن أبي طالب (عليه السلام) في عنق خالد بن وليد ، فلما استشفع إليه أخذه من عنقه . قال أبو الحسن موسى الكاظم (عليه السلام) في حديثٍ طويل :
(لم يُعطَ داود وآل داود شيءٌ إلّا وقد أُعطي مُحمّد وآل محمد أفضل منه) .
وإن محمداً (صلّى الله عليه وآله وسلّم) لما استتر من المشركين يوم أحد مال برأسه نحو الجبل حتى خرقه بمقدار رأسه ، وهو موضع معروف مقصود في شعب ، وأثر ساعدا محمد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في جبل أصم من جبال مكة ، لما استروح في صلاته فلان له الحجر حتى ظهر أثر ذراعيه فيه ، كما أثر قدما إبراهيم (عليه السلام) في المقام ولانت الصخرة تحت يد محمد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ببيت المقدس حتى صار كالعجين ، ورئي ذلك من مقام دابته والناس يلمسونه بأيديهم إلى يومنا هذا .
وفي عهد الإسلام ردّ الله تعالى الشمس مرّتين لوصي رسول الله الإمام علي (عليه السلام) ، فمرّةٌ ردّ الله تعالى له الشمس في حياة الرسول ومرّةً أخرى بعد رحيل الرسول الى جوار الله تعالى . وكلامه (عليه السلام) مع الجمجمة وكلامه مع الحجر الأسود وشهادته له بالإمامة ، وضربه للفرات بسوطه حتى بدت حصباؤه ، وكلامه مع السباع ومع أهل الكهف ، ودعاؤه للظبي فجاءه فأكل معه من الطعام .
ومن ذلك عودة النخلة اليابسة للإمام جعفر الصادق (عليه السلام) ذات تمْر وانتشاره عليه وعلى أصحابه ، وتوضؤه في مسجد ببغداد يعرف موضعه بدار المسيب في أصل نبقة يابسة ، فلم يخرج من المسجد حتى اخضرت وأينعت ، ومسحه على عين أبي بصيرٍ حتى رأى السماء ثم أعاده ، وإنفاذه الجن في حوائجه . ومن ذلك دعاء الإمام موسى الكاظم (عليه السلام) الشجرة فجاءت تخدُّ الأرض خدّا ثم أشار إليها فرجعت ، وخطابه للأسد ، وقصصه مع علي بن يقطين ، وقوله لهشام بن سالم بعد شكّه وقوله في نفسه : أين أذهب إلى الحرورية أم إلى المرجئة أم إلى الزيدية ؟ فقال له : (إليّ إليّ ! لا إلى الحرورية ولا إلى المرجئة ولا إلى الزيدية) . وإنّ الرضا (عليه السلام) من ولده دعا في خراسان فليّن الله له جبلاً يؤخذ منه القدور وغيرها ، واحتاج الرضا (عليه السلام) هناك إلى الطهور فمس بيده الأرض فنبع له عين وكلاهما معروف . وآثار وصي محمد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في الأرض أكثر من أن تحصى ، منها بئر عبادان ، فإن المخالف والمؤالف يروي أنّ من قال عندها بحق علي يفور الماء من قعرها إلى رأسها ، ولا يفور بذكر غيره وبحق غيره . وإنّ سور حلب من أصلب الحجارة ، فضربه علي بن أبي طالب (عليه السلام) بسيفه فأثره من فوقه إلى الأرض ظاهر .
وإن كان لسليمان غدوها شهر ورواحها شهر فكذلك كانت لأوصياء محمد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ، وسُخرِت له الجن وآمنت به منقادة طائعة في قوله : ﴿وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ﴾ .
وروي عن أبي اسحاق السبيعي قال : دخلت مسجد الكوفة فاذا أنا بشيخ لا أعرفه ودموعه تسيل على خدّيه فقلت له : ما يبكيك يا شيخ ؟ قال : انّه قد أتت عليّ مائة سنة ونيف على المائة لم أرَ فيها عدلاً ولا حقّاً إلّا ساعة من ليلة أو الّا ساعة من يوم ! فقلت : وكيف ذلك ؟ فقال : إني كنت رجلًا من اليهود وكانت لي ضيعة بناحية (سورا) ، فدخلت الكوفة بطعامٍ على حميرٍ أُريد بيعه بها ، فبينا أنا أسوق الحمير إذ افتقدتها فكأنّ الأرض ابتلعتها ! فأتيت منزل الحارث الهمداني وكان لي صديقاً فشكوت إليه ما أصابني ، فأخذ بيدي ومضى بي إلى أمير المؤمنين (عليه السّلام) فأخبرته الخبر . فقال الأمير للحارث : انصرف يا حارث الى منزلك فإني الضامن للحمير والطعام . وأخذ أمير المؤمنين (عليه السّلام) بي فمضى حتى انتهى إلى الموضع الذي فقدت فيه الحمير ، فوجّه وجهه القبلة ورفع يده الى السماء ثم سجد وسمعته يقول في سجوده : (والله ما على هذا عاهدتموني وبايعتموني يا معشر الجن ! وأيمَّ الله لئن لم تردوا على اليهودي حميره وطعامه لأنقضنّ عهدكم ولأجاهدنّكم في الله حقّ جهاده) .
قال اليهودي : فو الله ما فرغ من كلامه حتى رأيت الحمير عليها الطعام تجول حولي ، فتقدّم إليّ يسوقها فسقتها معه حتى انتهينا الى الرحبة فقال : يا يهودي عليك بقية من الليل فضع عن حميرك حتى تصبح . فوضعت عنها . ثم قال لي : ليس عليك بأس . ودخل المسجد فلما فرغ من صلاته وبزغت الشمس خرج إليّ فعاونني على الطعام حتى بعته واستوفيت ثمنه وقضيت حوائجي . فلما فرغت لقيته وقلت : (أشهد أنْ لا إله إلّا الله ، وأشهد أنّ محمداً رسول الله ، وأشهد انّك عالم هذه الأُمة وخليفة الله على الجنّ والإنس ، فجزاك الله عن الإسلام وأهله والذّمة وأهلها خيراً) . ثم انطلقت حتى أتيت ضيعتي فأقمت بها مدّة ثم اشتقت الى لقائه فقدمت الآن فوجدته قد قُتِلَ ! فجلست حيث تراني أبكي عليه .
وأنّ الله تعالى سخّر الملائكة المقربين لمحمد وأهل بيته (صلّى الله عليهم وسلّم) ، وقد كانوا ينصرون محمداً ويقاتلون بين يديه كفاحاً ويمنعون منه ويدفعون وكذلك كانوا مع علي بن أبي طالب ويكونون مع بقية آل محمد (عليهم السلام) . وإنّ سليمان (عليه السلام) كان يفهم كلام الطير ومنطقها ، فكذلك نبينا كان يفهم منطق الطير ، فقد كان في برية ورأى طيراً أعمى على شجرة فقال للناس إنه قال (يا ربي إنني جائع لا يمكنني أن أطلب الرزق) ، فوقع جرادة على منقاره فأكلها . وكذا فهم منطقها أهل بيته (عليهم السلام) .
وأنّ أمير المؤمنين علي (عليه السّلام) كان على منبر الكوفة يخطب الناس ، إذ أقبلت حيّة من باب الفيل فقال : افرجوا لها فإن هذا رسولُ قوم من الجنّ يقال لهم بنو عامر . فأفرجوا وجاءت الحية حتى صعدت الى أمير المؤمنين علي (عليه السّلام) فوضعت فاها في أُذنه وهي تنق ، فكلّمها مثل نقيقها وولّت خارجة من حيث دخلت . فنزل (عليه السّلام) بعد فراغه من خطبته فأخبر الناس : إنّ قتالاً وقع بين قومٍ من الجنِّ ، فأتت هذه الحيّة تسأله عمّا يصلح بينهم فعلّمها . وروي أنّ تلك الحية كانت وصي أمير المؤمنين (عليه السّلام) على الجنِّ .
ورُوِيَ أن بعض أصحابه أتاه فقال : يا أمير المؤمنين ، قد انشقّ الفرات من الزيادة ! فقام (عليه السّلام) حتّى توسّط الجسر ، ثم ضربه بعصاه ضربة فنقص ذراعين ، ثم ضربه ضربةً أُخرى فنقص ذراعين .
وأنّ جماعةً من أصحاب النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أتوه فقالوا له : يا رسول الله ، أنّ الله اتّخذ إبراهيم خليلاً وكلّم موسى تكليماً وكان عيسى يحيي الموتى فما صنع بك ربّك ؟
فقال (صلّى الله عليه وآله وسلّم) : إن كان الله اتخذ إبراهيم خليلاً فقد اتخذني حبيباً ، وإن كان كلّم موسى من وراء حجاب فقد رأيت جلال ربّي وكلّمني مشافهة ، وإن كان عيسى يحيي الموتى بإذن الله ، فإن شئتم أحييت لكم موتاكم باذن الله .
فقالوا : قد شئنا .
فأرسل معهم أمير المؤمنين علي (عليه السّلام) بعد أن رداه بردائه الّذي كان يقال له المستجاب ، ثم أخذ طرفيه فجعلهما على كتفيه ورأسه وأمره أن يقدمهم الى قبور موتاهم وأمرهم باتباعه . فاتبعوه فلما توسّط الجبانة سلّم على أهل القبور ودعا وتكلّم بكلام لم يسمعه القوم ، فاضطربت الأرض وارتجّت فدخلهم من ذلك ذعر شديد فقالوا : اقلنا يا أبا الحسن أقالك الله !
ورجعوا الى رسول الله صلّى الله عليه وآله فقالوا له : اقلنا.
فقال لهم : إنما رددتم على الله ، لا أقالكم الله عثرتكم يوم القيامة .
*
قَالَ تَعَالَى : ﴿اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ﴾ - [سُّورَةُ الزُّمَرِ : 62.]
وَقَالَ تَعَالَى : ﴿وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُّبِينٍ﴾ - [سُّورَةُ يس : 12.]
عَنْ رَسُولِ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) قَالَ فِي خُطْبَةِ الْغَدِيرِ :
مَعَاشِرَ النَّاسِ ، مَا مِنْ عِلْمٍ إِلَّا وَقَدْ أَحْصَاهُ اللَّهُ فِيَّ ، وَكُلُّ عِلْمٍ عُلِّمْتُهُ فَقَدْ أَحْصَيْتُهُ فِي إِمَامِ الْمُتَّقِينَ ، وَمَا مِنْ عِلْمٍ إِلَّا وَقَدْ عَلَّمْتُهُ عَلِيّاً وَهُوَ الْإِمَامُ الْمُبِينُ .
المصدر : (البحار : ج35, ص428. عن الاحتجاج.)
وَعَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ (صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ) قَالَ :
أَنَا وَاللَّهِ الْإِمَامُ الْمُبِينُ ، أُبَيِّنُ الْحَقَّ مِنَ الْبَاطِلِ ،
وَرِثْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) .
المصدر : (البحار : ج35, ص427. عن تفسير القُمي.)
وَعَنْ الْإِمَامِ الْبَاقِرِ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) قَالَ :
لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) : ﴿وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ فِي إِمامٍ مُبِينٍ﴾ ، قَامَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ مِنْ مَجْلِسِهِمَا فَقَالَا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، هُوَ التَّوْرَاةُ ؟ قَالَ النَّبِيُّ : لَا . قَالَا : فَهُوَ الْإِنْجِيلُ ؟ قَالَ النَّبِيُّ : لَا . قَالَا : فَهُوَ الْقُرْآنُ ؟ قَالَ النَّبِيُّ : لَا . فَأَقْبَلَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ (صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ) فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) : هُوَ هَذَا ، إِنَّهُ الْإِمَامُ الَّذِي أَحْصَى اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِيهِ عِلْمَ كُلِّ شَيْءٍ .
المصدر : (البحار : ج35, ص427. عن معاني الأخبار.)
وَعَنْ الْإِمَامِ الصَّادِقِ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) قَالَ :
إِنَّ الدُّنْيَا لَتَمَثَّلَ لِلْإِمَامِ فِي مِثْلِ فِلْقَةِ الْجَوْزِ ،
فَلَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِنْهَا شَيْءٌ وَإِنَّهُ لَيَتَنَاوَلُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا ،
كَمَا يَتَنَاوَلُ أَحَدُكُمْ مِنْ فَوْقِ مَائِدَتِهِ مَا يَشَاءُ .
وَعَنْ حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْجَعْفَرِيِّ (رَحِمَهُ اللَّهُ) قَالَ :
كَتَبْتُ فِي ظَهْرِ قِرْطَاسٍ : (أَنَّ الدُّنْيَا مُمَثَّلَةٌ لِلْإِمَامِ كَفِلْقَةِ الْجَوْزَةِ) .
فَدَفَعْتُهُ إِلَى أَبِي الْحَسَنِ الرِّضَا (عَلَيْهِ السَّلَامُ) فَقُلْتُ لَهُ :
إِنَّ أَصْحَابَنَا رَوَوْا حَدِيثاً مَا أَنْكَرْتُهُ غَيْرَ أَنِّي أُحِبُّ أَنْ أَسْمَعَهُ مِنْكَ ؟
فَنَظَرَ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) فِيهِ ثُمَّ طَوَاهُ حَتَّى ظَنَنْتُ قَدْ شَقَّ عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ : هُوَ حَقٌّ فَحَوِّلْهُ فِي أَدِيمٍ .
المصدر : (الاختصاص للشيخ المفيد : ص217.)
وعن تفسير علي بن أبراهيم :
وَأَحَاطَ عَلِيٌّ بِمَا لَدَى الرَّسُولِ مِنَ الْعِلْمِ وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَداً ، مَا كَانَ وَمَا يَكُونُ مُنْذُ يَوْمَ خَلَقَ اللَّهُ آدَمَ إِلَى أَنْ تَقُومَ السَّاعَةُ ، مِنْ فِتْنَةٍ أَوْ زَلْزَلَةٍ أَوْ خَسْفٍ أَوْ قَذْفٍ أَوْ أُمَّةٍ هَلَكَتْ فِيمَا مَضَى أَوْ تَهْلِكُ فِيمَا بَقِيَ ، وَكَمْ مِنْ إِمَامٍ جَائِرٍ أَوْ عَادِلٍ يَعْرِفُهُ بِاسْمِهِ وَنَسَبِهِ وَمَنْ يَمُوتُ مَوْتاً أَوْ يُقْتَلُ قَتْلًا ، وَكَمْ مِنْ إِمَامٍ مَخْذُولٍ لَا يَضُرُّهُ خِذْلَانُ مَنْ خَذَلَهُ ، وَكَمْ مِنْ إِمَامٍ مَنْصُورٍ لَا يَنْفَعُهُ نُصْرَةُ مَنَ نَصَرَهُ .
المصدر : (البحار : ج36، ص89.)
*
فالولاية التكوينية لا تعني خرق القوانين الطبيعية فحسب ! بل هي أعظم من ذلك ، والمعجزة فقط هي المعنيّة بخرق القوانين الطبيعية . أما الولاية التكوينية فهي أُمُّ القوانين الطبيعية وهي التي تصدر القوانين وتوردها كيفما شاء مُحَمَّدٌ وعَلِّيٌّ (صلّى الله عليهم وسلّم) ؛ لأنّهما عندهما علم الكِتاب كُلّه فولايتهما من الله مُطلقةٌ كاملة . أما بقية الأنبياء والأولياء الصالحين عندهم بعض العلم من الكتاب وهو قليلٌ وليس كامل فالولاية التكوينية عندهم محدودة .
أما بالنسبة لمفهوم "الكتاب" :
1- قَالَ تَعَالَى : ﴿وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ﴾ - [سُّورَةُ الْأَنْعَامِ : 59.]
2- قَالَ تَعَالَى : ﴿وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَلَا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ﴾ - [سُّورَةُ يُونُسَ : 61.]
3- قَالَ تَعَالَى : ﴿وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ﴾ - [سُّورَةُ هُودٍ : 6.]
4- قَالَ تَعَالَى : ﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ عَالِمِ الْغَيْبِ لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَلَا أَصْغَرُ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ﴾ - [سُّورَةُ سَبَأٍ : 3.]
5- قَالَ تَعَالَى : ﴿قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ﴾ - [سُّورَةُ النَّمْلِ : 40.]
6- قَالَ تَعَالَى : ﴿ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ﴾ - [سُّورَةُ الْبَقَرَةِ : 2.]
7- قَالَ تَعَالَى : ﴿وَمَا مِنْ غَائِبَةٍ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ﴾ - [سُّورَةُ النَّمْلِ : 75.]
8- قَالَ تَعَالَى : ﴿وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ كِتَابًا﴾ - [سُّورَةُ النَّبَإِ : 29.]
9- قَالَ تَعَالَى : ﴿وَعُرِضُوا عَلَى رَبِّكَ صَفًّا لَقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِدًا﴾ - [سُّورَةُ الْكَهْفِ : 48.]
10- قَالَ تَعَالَى : ﴿وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا﴾ - [سُّورَةُ الْكَهْفِ : 49.]
فهذا الكتاب قد أحصى الله فيه كل شيءٍ ، كُلُّ قدرٍ كُلُّ حركةٍ كُلُّ سكونٍ كُلُّ وقتٍ كُلُّ مكانٍ لا يغادرُ صغيرةً ولَا كبيرَةً إلّا أَحصاها ، وما تسقطُ من ورقةٍ إلّا يعلمها ولا حبّةٍ في ظلماتِ الأرضِ ولا رطبٍ ولا يابسٍ ولا أصغرُ من ذلك ولا أكبر إلّا في ذلك الكتابِ المُبين .
فالولاية التكوينية قائمةٌ على قدر المعرفة والعلم بذلك الكتاب المُبين الذي أحصى الله فيه كل شيءٍ ، وهذه الولاية أو العلم يمنحه الله عزَّ وجلَّ لبعض أوليائه (عليهم السلام) تشريفاً وتعظيماً لهم لطاعتهم له عزّ وجّل ، فسمح لهم أن يتدخلوا في عالم الخلق والتكوين وأن يحدثوا ما يعتبر خارقاً لقوانين الطبيعة .
حيث ورد في الحديث القدسي : ﴿يَا ابْنَ آدَمَ أَنَا غَنِيٌّ لاَ أَفْتَقِرُ ، أَطِعْنِي فِيمَا أَمَرْتُكَ أَجْعَلْكَ غَنِيّاً لاَ تَفْتَقِرُ . يَا ابْنَ آدَمَ أَنَا حَيٌّ لاَ أَمُوتُ ، أَطِعْنِي فِيمَا أَمَرْتُكَ أَجْعَلْكَ حَيّاً لاَ تَمُوتُ . يَا ابْنَ آدَمَ أَنَا أَقُولُ لِلشَّيْءِ كُنْ فَيَكُونُ ، أَطِعْنِي فِيمَا أَمَرْتُكَ أَجْعَلْكَ تَقُولُ لِلشَّيْءِ كُنْ فَيَكُونُ﴾ . (عدة الداعي : ص310.)
وورد في صحيح البخاري وغيره : ﴿وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا ، وَرِجَلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا ، وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ ، وَلَئِنْ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيْذَنَّهُ﴾ . (صحيح البخاري : ج7، ص190.)
- - - - - - -
ومن الأنبياء والأولياء (عليهم السلام) الذين أعطاهم الله الولاية التكوينية المحدودة (أي بعض العلم من الكتاب) :-
نبيُّ الله إبراهيم (عليه السلام) :- كما حكى القرآن الكريم قصّته ؛ قَالَ تَعَالَى : ﴿وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ - [سُّورَةُ الْبَقَرَةِ : 260.] فإنّ إبراهيم الخليل طلب من الله عز وجل أن يُريه كيف يحيي الموتى ، فأعطاه الله وبإذن منه سبحانه القدرة على إحياء أربعة من الطير على يده بشكل معجز خارق للعادة ، لا أنّ إبراهيم دعا ربّه فأحيى له الطيور بواسطة الدعاء ! وإنّما أمره الله تعالى بأخذ أربعة من الطير وقال له : ﴿فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا﴾ أي اذبحهن وبدّد أجزاءهن واخلطها ثم فرّقها على الجبال الموجودة هناك ؛ لتتباعد الأجزاء ومن غير تمييز بينها ، ﴿ثُمَّ ادْعُهُنَّ﴾ أي ادعُ الطيورَ ﴿يَأْتِينَكَ سَعْياً﴾ أي أحياءً يأتينك بسرعة ، وإنّ هذا التصرّف الخارق للعادة من إحياء تلك الطيور الميّتة دليل على تمتّعه بالولاية التكوينية .
- - -
النبيُّ داوود (عليه السلام) :- قَالَ تَعَالَى : ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلًا يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ * أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾ - [سُّورَةُ سَبَأٍ : 10 - 11.] لقد كان النبيُّ داوود (عليه السلام) قادرٌ على تليين الحديد بيديه المجردتين ، وعمل دروعٍ سابغاتٍ يعتاش منها . قال ابن كثير في البداية والنهاية : (وَأَمَّا إِلَانَةُ الحَدِيْدِ بِغَيْرِ نَارٍ كَمَا يَلِيْنُ العَجِيْنُ فِي يَدِهِ ، فَكَانَ يَصْنَعُ هَذِهِ الدُّرُوْعَ الدَّاوُوْدِيَّةَ ، وَهِيَ الزَّرَدِيَّاتُ السَّابِغَاتُ وَأَمَرَهُ اللهُ تَعَالَى بِنَفْسِهِ بِعَمَلِهَا « وَقَدَّرْ فِي السَّرْدِ » أَيْ أَلَّا يَدُقَّ المِسْمَارَ فَيَعْلَقُ وَلَا يَعْظِلَهُ فَيُفصَمُ ، كَمَا جَاءَ فِي البُخَارِيِّ) . (البداية والنهاية : ج6، ص318.)
- - -
النبيُّ سُليمان (عليه السلام) :- أشارت جملة من الآيات القرآنية على تمتّعه بالولاية التكوينية ، كما في قوله تعالى : ﴿فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ * وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ * وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ * هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾ - [سُّورَةُ ص : 36 - 39.] فهذه الآيات تدل على أنّ الله تعالى أعطى لسليمان القدرة على تسخير الرياح متى شاء وكذلك القدرة على التكلّم مع الطير والنمل ، كما في قوله تعالى : ﴿وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ * وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ﴾ - [سُّورَةُ النَّمْلِ : 16 - 17.] ومن الواضح أنّ التكلّم مع الجن والنمل أمر خارق للعادة ، يكشف عن الولاية التكوينية والقدرة على التصرّف فى الوجود .
- - -
النبيُّ عيسى (عليه السلام) :- حيث دلّت جملة من النصوص القرآنية على تمتّعه بالقدرة التكوينية ؛ من قبيل إحياء الموتى وخلق الطير من الطين بلا تناسل ، ونفخ الروح في الطير المصنوع من الطين ، وإبراء الأكمه والأبرص ، فهذه الأمور لا يمكن أن تصدر إلّا ممّن تمكن من التصرّف في نظام التكوين بإذن الله تعالى ؛ قَالَ تَعَالَى : ﴿وَرَسُولًا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ - [سُّورَةُ آلَ عِمْرَانَ : 49.] فالآيات الكريمة دالّة بوضوح على قدرة النبي عيسى بالتصرّف في التكوين بشكل خارق للعادة ، مما يكشف عن اشتماله على الولاية التكوينية بإذن الله تعالى .
- - -
العبدُ الصالح ذو القرنين (عليه السلام) :- قَالَ تَعَالَى : ﴿إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا﴾ - [سُّورَةُ الْكَهْفِ : 84.] وقد أجاب أمير المؤمنين علي (عليه السلام) من سأله عن كيفية بلوغ ذي القرنين المشرق والمغرب بقوله (صلوات الله عليه) : « سخّر له السحاب ومدّت له الأسباب وبسط له فى النور ، وقال : أزيدك ؟ فسكت الرجل » .
- - -
العبدُ الصالح الخضر (عليه السلام) :- قَالَ تَعَالَى : ﴿فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا * قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا﴾ - [سُّورَةُ الْكَهْفِ : 65 - 66.]
الآيات دالّة على رِحلة النبي موسى (عليه السلام) للبحث عن شخص يُدعى الخضر (عليه السلام) ، وكان قد آتى الله الخضر بعض العلم ﴿وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا﴾ ، وهو علم المنايا والبلايا والآجال والحوادث ، وكان يعلم علماً قطعيّاً بأنّ أمام السفينة ملكٌ يأخذ كل سفينة غصباً وأنّ السفينة لو أصبحت معيبةً لا يُطمع بها فيتركها الملك . كما كان يعلم بأنّ الولَدَ لو بَلغَ أشدَّه لهجر الوالدين إلى الكفر والطغيان ، وأنّه لو قَتَلهُ لعوَّض عنه ولداً باراً بوالديه . كما أنّه وقف على أنّ تحت الجدار مالاً مذخوراً وأنّه لو وقَعَ الجدارُ ظهر ذلك المال واستولى عليه الناس ، وأنّه لو أقام الجدار يبقى مدة يبلغ فيها الغلامان أشدهما ويستخرجان كنزهما .
خصوصاً أنّ ما قام به صاحب موسى من الأعمال الخارقة البديعة تعرب عن كونه ذا قدرة متصرّفة في عالم التكوين على وجه لا يراه من صاحبه وجاوره ، فها هو قد خرق السفينة أمام أعين صاحبها وركّابها ولم يره أحد ! فقد تصرّف في العيون والأبصار على وجه لم يقفوا معه على فِعلِه ليحولوا بينه وبين ما يريد . كما أنّه قَتلَ غلاماً في الطريق وبنى الجدار ولم يعرف بفعله أحدٌ ! وما هذا إلاّ دليل بارز على تمتّعه بالولاية التكوينية .
- - -
وصيُّ سليمان آصف بن برخيا (عليه السلام) :- قَالَ تَعَالَى : ﴿قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ﴾ - [سُّورَةُ النَّمْلِ : 40.] الآية المباركة صريحة في أنّ سليمان (عليه السلام) طلب ممّن خصّهم بالخطاب الإتيان بعرش بلقيس في لحظات ، مع علمه بالمسافة الشاسعة بين اليمن الذي هو مكان عرش بلقيس ، وبين فلسطين التي كان فيها سليمان ، فقام إليه الذي عنده علم من الكتاب وهو آصف بن برخيا - وصيّ سليمان ووزيره كما في الروايات - جاء بذلك العرش بأقلّ من طرفة عين ، ولاشكّ أنّ صدور هذا الفعل منه يكشف عن قدرته على التصرّف فى التكوين .
*
وبناءً على ذلك ، فمن كان يمتلك بعضاً من علم الكتاب كآصف بن برخيا كان قادراً على جلب عرش بلقيس إلى سليمان بأقل من طرفة عين بالولاية التكوينيّة ، فما بالك بمن عنده علم الكتاب كلّه ؟!؟! كالنبي محمد والإمام علي (صلّى الله عليهم وسلّم) . فإذا كان آصف قد أتى بعرش بلقيس قبل أن ترتد طرف عين سليمان ولنفرض أنها بمدّة واحد ميلي ثانية واحدة من الزمن ، فكم المدّة التي سيستغرقها محمد وعلي إذا احضرا العرش لسليمان ؟ واحد اتومتر ثانية ؟ واحد فيمتو ثانية ؟ واحد بيكومتر ثانية ؟ واحد انجستروم ثانية ؟ واحد نانو ثانية ؟ واحد ميكرون ثانية ؟ واحد ميلي ثانية ؟!!!! الحديث هنا حول علم الكتاب الخاصّ بمحمد وعلي (صلّى الله عليهم وسلّم) يوقف العقل ويسقط جميع أنواع القياس بينهما وبين الذي يعرف بعض العلم من الكتاب .
عَنْ الْإِمَامِ الصَّادِقِ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) أَنَّهُ سُئِلَ عَنِ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتابِ أَعْلَمُ أَمِ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ ؟ فَقَالَ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) : مَا كَانَ عِلْمُ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتابِ عِنْدَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ ، إِلَّا بِقَدْرِ مَا تَأْخُذُهُ الْبَعُوضَةُ بِجَنَاحِهَا مِنْ مَاءِ الْبَحْرِ . (البحار : ج35، ص429، عن تفسير علي بن ابراهيم.)
- - - - - - -
قَالَ تَعَالَى : ﴿قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ﴾ - [سُّورَةُ الرَّعْدِ : 43.]
ولقد زعمت التفاسير المخالفة أنّ هذه الآية نازلة بحقّ عبد الله بن سلام ، في حين أنّ ابن سلام اسلم في المدينة ولم يُسلم في مكّة أبداً . فكيف تكون الآية نازلة بحقه والسورة مكيّة ؟ هذا على فرض صحّة الرواية القائلة بذلك . حيث عنّى النبي محمد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في قوله ﴿وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ﴾ الأمير الإمام عليُّ بن أبي طالب (صلوات الله وسلامه عليه) .
عَنْ أَبِي مَرْيَمَ (رَحِمَهُ اللَّهُ) قَالَ :
قُلْتُ لِأَبِي جَعْفَرٍ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) :
هَذَا ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ يَزْعُمُ أَنَّ أَبَاهُ الَّذِي يَقُولُ اللَّهُ [فِيهِ] :
﴿قُلْ كَفى بِاللَّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ﴾ .
قَالَ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) : كَذَبَ !! ذَاكَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ (صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ) .
المصدر : (البحار : ج35، ص431، عن بصائر الدرجات وتفسير العياشي.)
- - -
عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ (صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ) قَالَ :
أَنَا هُوَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ .
المصدر : (البحار : ج35، ص432، عن بصائر الدرجات.)
- - -
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ) قَالَ :
سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) عَنْ قَوْلِ اللَّهِ جَلَّ شَأْنُهُ :
﴿قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ﴾ ؟
قَالَ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) :
ذَاكَ وَصِيُّ أَخِي سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) .
فَقُلْتُ لَهُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَ :
﴿قُلْ كَفى بِاللَّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ﴾ ؟
قَالَ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) :
ذَاكَ أَخِي عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) .
المصدر : (البحار : ج35، ص429، عن امالي الصدوق.)
- - -
عَنْ الْإِمَامِ الْبَاقِرِ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) أَنَّه سُئِلَ : عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى : ﴿وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ﴾ ؟
قَالَ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) : هُوَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) .
وَزَادَ فِي آخِرِهِ : عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ .
وَزَادَ فِي غَيْرِهِ : إِنَّهُ عَالِمُ هَذِهِ الْأُمَّةِ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) .
وَعَنْ الْإِمَامِ الصَّادِقِ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) أَنَّه أَيْضاً سُئِلَ فَقَالَ :
هُوَ عَلِيٌّ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) .
وَعَنْ الْإِمَامِ الْكَاظِمِ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) أَنَّه أَيْضاً سُئِلَ فَقَالَ :
هُوَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) .
وَعَنْ الْإِمَامِ الرِّضَا (عَلَيْهِ السَّلَامُ) أَنَّه أَيْضاً سُئِلَ فَقَالَ :
هُوَ عَلِيٌّ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) .
المصدر : (البحار : ج35، ص431،430، عن بصائر الدرجات.)
- - -
عَنْ بُرَيْدِ بْنِ مُعَاوِيَةَ قَالَ :
قُلْتُ لِأَبِي جَعْفَرٍ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) : ﴿قُلْ كَفى بِاللَّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ﴾ ؟
قَالَ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) : إِيَّانَا عَنَى ، وَعَلِيٌّ أَفْضَلُنَا وَأَوَّلُنَا وَخَيْرُنَا بَعْدَ النَّبِيِّ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) .
وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْعَجْلَانِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) قَالَ :
سَأَلْتُهُ عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى : ﴿قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيداً﴾ .
قَالَ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) : نَزَلَتْ فِي عَلِيٍّ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) وَفِي الْأَئِمَّةِ بَعْدَهُ .
وَعَلِيٌ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ .
المصدر : (البحار : ج35، ص433، عن تفسير العياشي.)
- - -
عَنْ أَبِي بَصِيرٍ (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ) عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) قَالَ :
سَأَلْتُهُ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَ :
﴿قُلْ كَفى بِاللَّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ﴾ ؟
قُلْتُ لَهُ : أَهُوَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ؟
قَالَ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) : فَمَنْ عَسَى أَنْ يَكُونَ غَيْرَهُ ؟!
المصدر : (البحار : ج35، ص431، عن بصائر الدرجات.)
- - -
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْوَلِيدِ السَّمَّانِ قَالَ :
قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) :
مَا يَقُولُ النَّاسُ فِي أُولِي الْعَزْمِ وَصَاحِبِكُمْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ ؟
قُلْتُ : مَا يُقَدِّمُونَ عَلَى أُولِي الْعَزْمِ أَحَداً .
فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) : إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَالَ لِمُوسَى (عَلَيْهِ السَّلَامُ) : ﴿وَكَتَبْنا لَهُ فِي الْأَلْواحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً﴾ ، وَلَمْ يَقُلْ : ﴿كُلَّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً﴾ . وَقَالَ لِعِيسَى (عَلَيْهِ السَّلَامُ) : ﴿وَلِأُبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ﴾ ، وَلَمْ يَقُلْ : ﴿كُلَّ شَيْءٍ﴾ . وَقَالَ لِصَاحِبِكُمْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ (صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ) : ﴿قُلْ كَفى بِاللَّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ﴾ . وَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَ : ﴿وَلا رَطْبٍ وَلا يابِسٍ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ﴾ ، وَعِلْمُ هَذَا الْكِتَابِ عِنْدَهُ .
المصدر : (البحار : ج35، ص429، عن الاحتجاج.)
*
قَالَ تَعَالَى : ﴿يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لَا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ﴾ - [سُّورَةُ الرَّحْمَنِ : 33.]
ما دامَ مُحَمَّدٌ وعَلِّيٌّ (صلّى الله عليهم وسلّم) عندهم سُلطانٌ من الله في الولاية التكوينيّة ، إذاً هما قادران على النفاذ من أقطار السماوات والأرض ، وقد قاب النبيُّ قوسين أو أدنى من الدرجات العاليّة الرفيعة الإلهية ، وأوطأه الله مشارق الأرض ومغاربها وعرج به إلى السماوات عند سدرة المنتهى . بل قد عَرِجَ الله به إلى العرش وكلّم الله تكليماً . قَالَ تَعَالَى : ﴿وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى * ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى * فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى﴾ - [سُّورَةُ النَّجْمِ : 7 - 9.] وقد مَلَّكَهُ الله سبحانه وتعالى القدوس عالمنا هذا وجميع مقاليد السماوات والأرض : قَالَ تَعَالَى : ﴿قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ - [سُّورَةُ الْأَعْرَافِ : 158.]
عَنْ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ آبَائِهِ (عَلَيْهِمْ السَّلَامُ) قَالَ :
إِنَّ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) كَانُوا جُلُوساً يَتَذَاكَرُونَ وَفِيهِمْ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) إِذْ أَتَاهُمْ يَهُودِيٌّ فَقَالَ يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ مَا تَرَكْتُمْ لِلْأَنْبِيَاءِ دَرَجَةً إِلَّا نَحَلْتُمُوهَا لِنَبِيِّكُمْ !
فَقَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) : إِنْ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ أَنَّ مُوسَى (عَلَيْهِ السَّلَامُ) كَلَّمَهُ رَبُّهُ عَلَى طُورِ سَيْنَاءَ ، فَإِنَّ اللَّهَ كَلَّمَ مُحَمَّداً فِي السَّمَاءِ السَّابِعَةِ .
وَإِنْ زَعَمَتِ النَّصَارَى أَنَّ عِيسَى (عَلَيْهِ السَّلَامُ) أَبْرَأَ الْأَكْمَهَ وَأَحْيَا الْمَوْتَى ، فَإِنَّ مُحَمَّداً (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) سَأَلَتْهُ قُرَيْشٌ أَنْ يُحْيِيَ مَيِّتاً فَدَعَانِي وَبَعَثَنِي مَعَهُمْ إِلَى الْمَقَابِرِ ، فَدَعَوْتُ اللَّهَ تَعَالَى عَزَّ وَجَلَّ فَقَامُوا مِنْ قُبُورِهِمْ يَنْفُضُونَ التُّرَابَ عَنْ رُءُوسِهِمْ بِإِذْنِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ .
وَإِنَّ أَبَا قَتَادَةَ بْنَ رِبْعِيٍّ الْأَنْصَارِيَّ شَهِدَ وَقْعَةَ أُحُدٍ ، فَأَصَابَتْهُ طَعْنَةٌ فِي عَيْنِهِ فَبَدَتْ حَدَقَتُهُ ، فَأَخَذَهَا بِيَدِهِ ثُمَّ أَتَى بِهَا رَسُولَ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) فَقَالَ : امْرَأَتِي الْآنَ تُبْغِضُنِي .! فَأَخَذَهَا رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) مِنْ يَدِهِ ثُمَّ وَضَعَهَا مَكَانَهَا فَلَمْ يَكُ يُعْرَفُ إِلَّا بِفَضْلِ حُسْنِهَا وَضَوْئِهَا عَلَى الْعَيْنِ الْأُخْرَى .
وَلَقَدْ بَارَزَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَتِيكٍ ، فَأُبِينَ يَدُهُ فَجَاءَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) لَيْلًا وَمَعَهُ الْيَدُ الْمَقْطُوعَةُ ، فَمَسَحَ عَلَيْهَا فَاسْتَوَتْ يَدُهُ .
المصدر : (البحار : ج17، ص249.)
*
عَنْ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ) قَالَ :
كُنَّا مَعَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ (صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ) وَنَحْنُ نَذْكُرُ شَيْئاً مِنْ مُعْجِزَاتِ الْأَنْبِيَاءِ ، فَقُلْتُ لَهُ : يَا سَيِّدِي أُحِبُّ أَنْ تُرِيَنِي نَاقَةَ ثَمُودَ وَشَيْئاً مِنْ مُعْجِزَاتِكَ ؟ قَالَ (صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ) : أَفْعَلُ .
ثُمَّ وَثَبَ فَدَخَلَ مَنْزِلَهُ وَخَرَجَ إِلَيَّ وَتَحْتَهُ فَرَسٌ أَدْهَمُ وَعَلَيْهِ قَبَاءٌ أَبْيَضُ وَقَلَنْسُوَةٌ بَيْضَاءُ ، وَنَادَى : يَا قَنْبَرُ أَخْرِجْ إِلَيَّ ذَلِكَ الْفَرَسَ . فَأَخْرَجَ فَرَساً أَغَرَّ أَدْهَمَ فَقَالَ لِيَ : ارْكَبْ يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ .
فَرَكِبْتُهُ فَإِذَا لَهُ جَنَاحَانِ مُلْتَصِقَانِ إِلَى جَنْبِهِ ، فَصَاحَ بِهِ الْإِمَامُ فَتَحَلَّقَ فِي الْهَوَاءِ وَكُنْتُ أَسْمَعُ خَفِيقَ أَجْنِحَةِ الْمَلَائِكَةِ تَحْتَ الْعَرْشِ ، ثُمَّ خَطَرْنَا عَلَى سَاحِلِ بَحْرٍ عَجَّاجٍ مُغْطَمِطِ الْأَمْوَاجِ ، فَنَظَرَ إِلَيْهِ الْإِمَامُ شَزْراً فَسَكَنَ الْبَحْرُ . فَقُلْتُ يَا سَيِّدِي سَكَنَ الْبَحْرُ مِنْ غَلَيَانِهِ مِنْ نَظَرِكَ إِلَيْهِ ؟! فَقَالَ (صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ) : يَا سَلْمَانُ حَسِبَنِي أَنِّي آمُرُ فِيهِ بِأَمْرٍ .
ثُمَّ قَبَضَ عَلَى يَدِي وَسَارَ عَلَى وَجْهِ الْمَاءِ وَالْفَرَسَانِ يَتْبَعَانِنَا لَا يَقُودُهُمَا أَحَدٌ ، فَوَ اللَّهِ مَا ابْتَلَّتْ أَقْدَامُنَا وَلَا حَوَافِرُ الْخَيْلِ فَعَبَرْنَا ذَلِكَ الْبَحْرَ وَدَفَعَنَا إِلَى جَزِيرَةٍ كَثِيرَةِ الْأَشْجَارِ وَالْأَثْمَارِ وَالْأَطْيَارِ وَالْأَنْهَارِ ، وَإِذَا شَجَرَةٌ عَظِيمَةٌ بِلَا ثَمَرٍ بَلْ وَرْدٍ وَزَهْرٍ فَهَزَّهَا بِقَضِيبٍ كَانَ فِي يَدِهِ ، فَانْشَقَّتْ وَخَرَجَ مِنْهَا نَاقَةٌ طُولُهَا ثَمَانُونَ ذِرَاعاً وَعَرْضُهَا أَرْبَعُونَ ذِرَاعاً خَلْفَهَا فَصِيلٌ ، فَقَالَ لِيَ : ادْنُ مِنْهَا وَاشْرَبْ مِنْ لَبَنِهَا . فَدَنَوْتُ وَشَرِبْتُ حَتَّى رَوِيتُ وَكَانَ أَعْذَبَ مِنَ الشَّهْدِ وَأَلْيَنَ مِنَ الزُّبْدِ وَقَدِ اكْتَفَيْتُ .
قَالَ (صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ) : هَذَا حَسَنٌ . قُلْتُ : حَسَنٌ يَا سَيِّدِي . قَالَ (صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ) : تُرِيدُ أَنْ أُرِيَكَ أَحْسَنَ مِنْهَا ؟ فَقُلْتُ : نَعَمْ يَا سَيِّدِي . قَالَ (صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ) : يَا سَلْمَانُ ، نَادِ اخْرُجِي يَا حَسْنَاءُ . فَنَادَيْتُ فَخَرَجَتْ نَاقَةٌ طُولُهَا مِائَةٌ وَعِشْرُونَ ذِرَاعاً وَعَرْضُهَا سِتُّونَ ذِرَاعاً مِنَ الْيَاقُوتِ الْأَحْمَرِ وَزِمَامُهَا مِنَ الْيَاقُوتِ الْأَصْفَرِ ، وَجَنْبُهَا الْأَيْمَنُ مِنَ الذَّهَبِ وَجَنْبُهَا الْأَيْسَرُ مِنَ الْفِضَّةِ وَضَرْعُهَا مِنَ اللُّؤْلُؤِ الرَّطْبِ . فَقَالَ (صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ) : يَا سَلْمَانُ ، اشْرَبْ مِنْ لَبَنِهَا . فَالْتَقَمْتُ الضَّرْعَ فَإِذَا هِيَ تَحْلُبُ عَسَلًا صَافِياً مَحْضاً ! فَقُلْتُ : يَا سَيِّدِي هَذِهِ لِمَنْ ؟ قَالَ (صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ) : هَذِهِ لَكَ وَلِسَائِرِ الشِّيعَةِ مِنْ أَوْلِيَائِي .
ثُمَّ قَالَ (صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ) لَهَا : ارْجِعِي . فَرَجَعَتْ مِنَ الْوَقْتِ . وَسَارَ بِي فِي تِلْكَ الْجَزِيرَةِ حَتَّى وَرَدَ بِي إِلَى شَجَرَةٍ عَظِيمَةٍ وَفِي أَصْلِهَا مَائِدَةٌ عَظِيمَةٌ عَلَيْهَا طَعَامٌ تَفُوحُ مِنْهُ رَائِحَةُ الْمِسْكِ ، وَإِذَا بِطَائِرٍ فِي صُورَةِ النَّسْرِ الْعَظِيمِ . فَوَثَبَ ذَلِكَ الطَّيْرُ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَرَجَعَ إِلَى مَوْضِعِهِ . فَقُلْتُ : يَا سَيِّدِي مَا هَذِهِ الْمَائِدَةُ ؟ قَالَ (صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ) : هَذِهِ مَائِدَةٌ مَنْصُوبَةٌ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ لِلشِّيعَةِ مِنْ مَوَالِيَّ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ . فَقُلْتُ : مَا هَذَا الطَّائِرُ ؟ فَقَالَ (صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ) : مَلَكٌ مُوَكَّلٌ بِهَا . فَقُلْتُ : وَحْدَهُ يَا سَيِّدِي ؟ فَقَالَ (صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ) : يَجْتَازُ بِهِ الْخَضِرُ فِي كُلِّ يَوْمٍ مَرَّةً .
ثُمَّ قَبَضَ عَلَى يَدِي فَسَارَ بِي إِلَى بَحْرٍ ثَانٍ ، فَعَبَرْنَا وَإِذَا بِجَزِيرَةٍ عَظِيمَةٍ فِيهَا قَصْرٌ لَبِنَةٌ مِنَ الذَّهَبِ وَلَبِنَةٌ مِنَ الْفِضَّةِ الْبَيْضَاءِ ، وَشُرَفُهُ الْعَقِيقُ الْأَصْفَرُ ، وَعَلَى كُلِّ رُكْنٍ مِنَ الْقَصْرِ سَبْعُونَ صِنْفاً مِنَ الْمَلَائِكَةِ ، فَجَلَسَ الْإِمَامُ (صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ) عَلَى ذَلِكَ الرُّكْنِ ، وَأَقْبَلَتِ الْمَلَائِكَةُ تَأْتِي وَتُسَلِّمُ عَلَيْهِ ثُمَّ أَذِنَ لَهُمْ فَرَجَعُوا إِلَى مَوَاضِعِهِمْ .
ثُمَّ دَخَلَ (صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ) إِلَى الْقَصْرِ ، فَإِذَا فِيهِ أَشْجَارٌ وَأَنْهَارٌ وَأَطْيَارٌ وَأَلْوَانُ النَّبَاتِ .. فَجَعَلَ الْإِمَامُ يَمْشِي فِيهِ حَتَّى وَصَلَ إِلَى آخِرِهِ ، فَوَقَفَ عَلَى بِرْكَةٍ كَانَتْ فِي الْبُسْتَانِ ثُمَّ صَعِدَ إِلَى سَطْحِهِ ، فَإِذَا كَرَاسِيُّ مِنَ الذَّهَبِ الْأَحْمَرِ فَجَلَسَ عَلَيْهِ وَأَشْرَفْنَا مِنْهُ ، فَإِذَا بَحْرٌ أَسْوَدُ يُغَطْمِطُ بِأَمْوَاجِهِ كَالْجِبَالِ الرَّاسِيَاتِ ، فَنَظَرَ إِلَيْهِ شَزْراً فَسَكَنَ مِنْ غَلَيَانِهِ حَتَّى كَانَ كَالْمَذِيبِ . فَقُلْتُ يَا سَيِّدِي سَكَنَ الْبَحْرُ مِنْ غَلَيَانِهِ لَمَّا نَظَرْتَ إِلَيْهِ ؟! قَالَ (صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ) : حَسِبَنِي أَنِّي آمُرُ فِيهِ بِأَمْرٍ . أَتَدْرِي يَا سَلْمَانُ أَيُّ بَحْرٍ هَذَا ؟ فَقُلْتُ لَا يَا سَيِّدِي ! فَقَالَ (صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ) : هَذَا الْبَحْرُ الَّذِي غَرِقَ فِيهِ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ ، إِنَّ الْمَدِينَةَ حُمِلَتْ عَلَى مَعَاقِلِ جَنَاحِ جَبْرَئِيلَ ثُمَّ رَمَى بِهَا فِي هَذَا الْبَحْرِ ، فَهَوِيَتْ لَا تَبْلُغُ قَرَارَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ .
فَقُلْتُ : يَا سَيِّدِي هَلْ سِرْنَا فَرْسَخَيْنِ ؟ فَقَالَ (صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ) : يَا سَلْمَانُ ، لَقَدْ سِرْتَ خَمْسِينَ أَلْفَ فَرْسَخٍ وَدُرْتَ حَوْلَ الدُّنْيَا عِشْرِينَ مَرَّةً . فَقُلْتُ يَا سَيِّدِي وَكَيْفَ هَذَا ؟! فَقَالَ (صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ) : يَا سَلْمَانُ ، إِذَا كَانَ ذُو الْقَرْنَيْنِ طَافَ شَرْقَهَا وَغَرْبَهَا وَبَلَغَ إِلَى سَدِّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ فَأَنَّى يَتَعَذَّرُ عَلَيَّ !! وَأَنَا أَخُو سَيِّدِ الْمُرْسَلِينَ وَأَمِينُ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَحُجَّتُهُ عَلَى خَلْقِهِ أَجْمَعِينَ . يَا سَلْمَانُ ، أَمَا قَرَأْتَ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى حَيْثُ قَالَ : ﴿عالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً إِلَّا مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ﴾ . فَقُلْتُ : بَلَى يَا سَيِّدِي . فَقَالَ (صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ) : يَا سَلْمَانُ أَنَا الْمُرْتَضِي مِنَ الرَّسُولِ الَّذِي أَظْهَرَهُ عَلَى غَيْبِهِ ، أَنَا الْعَالِمُ الرَّبَّانِيُّ ، أَنَا الَّذِي هَوَّنَ اللَّهُ عَلَيَّ الشَّدَائِدَ وَطَوَى لِيَ الْبَعِيدَ . فَسَمِعْتُ صَائِحاً يَصِيحُ فِي السَّمَاءِ - نَسْمَعُ الصَّوْتَ وَلَا نَرَى الشَّخْصَ - يَقُولُ : (صَدَقْتَ صَدَقْتَ أَنْتَ الصَّادِقُ الْمُصَدَّقُ) .
ثُمَّ وَثَبَ فَرَكِبَ الْفَرَسَ وَرَكِبْتُ مَعَهُ ، وَصَاحَ بِهِ فَتَحَلَّقَ فِي الْهَوَاءِ ثُمَّ حَضَرْنَا بِأَرْضِ الْكُوفَةِ ، هَذَا وَمَا مَضَى مِنَ اللَّيْلِ ثَلَاثُ سَاعَاتٍ . فَقَالَ (صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ) : يَا سَلْمَانُ ، الْوَيْلُ ثُمَّ الْوَيْلُ عَلَى مَنْ لَا يَعْرِفُنَا حَقَّ مَعْرِفَتِنَا وَأَنْكَرَ وَلَايَتَنَا . يَا سَلْمَانُ ، أَيُّمَا أَفْضَلُ مُحَمَّدٌ أَمْ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ ؟ قُلْتُ : بَلْ مُحَمَّدٌ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) .
فَقَالَ (صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ) : يَا سَلْمَانُ ، فَهَذَا آصَفُ بْنُ بَرْخِيَا قَدَرَ أَنْ يَحْمِلَ عَرْشَ بِلْقِيسَ مِنَ الْيَمَنِ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ فِي طَرْفَةِ عَيْنٍ ، وَعِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ ، وَلَا أَفْعَلُ ذَلِكَ وَعِنْدِي عِلْمُ مِائَةِ أَلْفِ كِتَابٍ وَأَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ أَلْفَ كِتَابٍ ! أَنْزَلَ مِنْهَا عَلَى شَيْثِ بْنِ آدَمَ خَمْسِينَ صَحِيفَةً , وَعَلَى إِدْرِيسَ ثَلَاثِينَ صَحِيفَةً ، وَعَلَى إِبْرَاهِيمَ عِشْرِينَ صَحِيفَةً ، وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَالزَّبُورَ . فَقُلْتُ صَدَقْتَ يَا سَيِّدِي . قَالَ (صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ) : اعْلَمْ يَا سَلْمَانُ ، أَنَّ الشَّاكَّ فِي أُمُورِنَا وَعُلُومِنَا كَالْمُمْتَرِي فِي مَعْرِفَتِنَا وَحُقُوقِنَا ، وَقَدْ فَرَضَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَلَايَتَنَا فِي كِتَابِهِ وَبَيَّنَ فِيهِ مَا أَوْجَبَ الْعَمَلَ بِهِ وَهُوَ غَيْرُ مَكْشُوفٍ .
المصدر : (البحار : ج54، 339-341.)