خصّ اللّه سبحانه وتعالى عبدَه ورسولَه محمّدًا صلّى اللهُ عليهِ وسلّم، دون غيره من الأنبياءِ عليهم السّلام، بخصائصَ كثيرةٍ، تشريفًا له وتكريمًا، ما يدلُّ على جليلِ رُتبتِهِ وشَريفِ منزلتِهِ عندَ ربِّهِ. ومنها التّشريعية، وهي الّتي اختصّ اللّه بها رسوله الكريم صلّى اللّه عليه وسلّم، وتتعلّق بجانب الأحكام والتّشريع.

الخصائص التّشريعية الّتي اختصّ اللّه بها نبيَّهُ الكريم صلّى اللّه عليه وسلّم دون غيره من الأنبياء عليهم السّلام، كمشروعية الصّلاة في كلّ مكان؛ ومنها ما اختصّه اللّه بها دون أمّته، كمشروعية الزّواج بأكثـر من أربع.
فمن الخصائص التّشريعية الّتي اختصّ اللّه بها نبيّه محمّدًا صلّى اللّه عليه وسلّم، أنّ اللّه تعالى أحلّ له القتال في مكّة ساعةً من نهار، ولم يحلّ القتال فيها لأحد قبله ولا بعده؛ جاء في الحديث: ''فإنّ هذا بلد حرّمه اللّه يوم خلق السّماوات والأرض، وهو حرام بحُرمة اللّه إلى يوم القيامة، وإنّه لم يحلّ القتال فيه لأحد قبلي، ولم يحلّ لي إلاّ ساعةً من نهار، فهو حرام بحُرمة اللّه إلى يوم القيامة''، رواه البخاري ومسلم.
ومن الخصائص التّشريعية لرسولنا الكريم؛ مشروعية زواجه صلّى اللّه عليه وسلّم بأكثـر من أربع نسوة، وهذا أمر دلّت عليه الأحاديث، وأجمعت الأمّة على ثبوته ووقوعه.
أمّا الخصائص التّشريعية الّتي اختصّ اللّه بها نبيّه مع أمّته، فنذكر منها اختصاصه صلّى اللّه عليه وسلّم وأمّته بجواز الصّلاة في أيّ مكان من الأرض، ولم تجز الصّلاة في الشّرائع السّابقة إلاّ في أماكن محدّدة ومعيّنة؛ فالمسلم إذا أدركته الصّلاة في مكان ما أمكنه أن يُصلّي في ذلك المكان، ولا يُشترط لصحّة صلاته أن يصلّيها في مكان محدّد، وقد قال عليه الصّلاة والسّلام: ''وجُعِلَت لي الأرض مسجدًا وطَهُورًا، فأيُّمَا رجلٍ من أمّتي أدركته الصّلاة فليُصَلِّ''، رواه البخاري ومسلم.
وكذلك أحلّ اللّه لنبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم ولأمّته الغنائم الّتي يكسبونها حال الجهاد، ولم يحلّ اللّه الغنائم لأحد من الأنبياء غير رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم؛ وفي هذا المعنى يقول النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: ''وأُحِلّت لي المغانم، ولم تُحلّ لأحد قبلي''، رواه البخاري ومسلم.
وممّا اختصّ به صلّى اللّه عليه وسلّم، وهو أيضًا خصوصية لأمّته، أنّ أجر الصّلاة في مسجده صلّى اللّه عليه وسلّم يُحسب بأجر ألف صلاة في غيره من المساجد، عدَا المسجد الحرام؛ يقول ابن عباس رضي اللّه عنهما: سمعتُ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، يقول: ''صلاة فيه أفضل من ألف صلاة فيما سواه من المساجد، إلاّ مسجد الكعبة''، رواه مسلم.
ومنها الّتي اختصّ اللّه بها نبيّنا صلّى اللّه عليه وسلّم وأمّته، يوم الجمعة، فإنّ هذه الخصوصية لم تكن لأحد قبله من الأنبياء؛ يقول عليه الصّلاة والسّلام: ''أضلّ اللّه عن الجمعة من كان قبلنا، فكان لليهود يوم السبت، وكان للنّصارى يوم الأحد، فجاء اللّه بنا فهدانا اللّه ليوم الجمعة، فجعل الجمعة والسبت والأحد، وكذلك هم تبع لنا يوم القيامة، نحن الآخرون من أهل الدّنيا، والأوّلون يوم القيامة، المقضي لهم قبل الخلائق''، رواه مسلم.
وأنّ اللّه عزّ وجلّ أحَلَّ لهذه الأمّة كثيرًا ممّا حرّمَه على الأمم قبلهم؛ قال تعالى: {ويَحِلُّ لهُمُ الطيِّبَات ويُحَرِّمُ عليهِم الخبائث ويَضَع عنْهُم إصْرَهُم والأغلالَ الّتي كانت عليْهِم} الأعراف:157. كما إنّ اللّه سبحانه وتعالى لم يجعل على هذه الأمّة في تكاليف الشّرع حَرَجًا ومشقّة، بل جعل تكاليف هذا الدِّين قائمة على اليُسر والتّيسير، وليس على العُسر والتّعسير، قال تعالى: {وما جَعَلَ عليْكُم في الدِّينِ مِن حَرَج} الحج:78.



عبد الحكيم قماز