ماما زينب في دار الأيتام بالناصرية
قبل أكثر من أربعة عقود، كانت مجرد فتاة يتيمة دخلت دار الأيتام في الناصرية (مركز محافظة ذي قار جنوبي العراق) كي تنقذ نفسها من الضياع، بعدما اكتشفت أنها وحيدة في هذا العالم، لتصبح فيما بعد واحدة من أشهر المربيات منذ تأسيس دار الأيتام، وتصبح رمزا للمثابرة والأمومة للأطفال لمن فقدوا ذويهم على مدى سنوات الحرب.
زينب محمد مبارك (69 عاما) "ماما زينب" كما يسميها الأطفال في دار البراعم للأيتام في الناصرية، دخلت الدار بعد أن فقدت والديها وهي صغيرة، لتحصل في عام 1979 على عمل هناك بصفة مربية، حيث قضت حياتها منذئذ قبل أكثر من أربعين عاما وحتى الآن وهي ترعى الأطفال.
وبعد أن بلغت سن التقاعد قامت الوزارة بإصدار كتاب رسمي إلى دوائر العمل في ذي قار باعتبار "ماما زينب" متطوعة، بسبب مكانتها وتأثيرها على الأطفال، وتبقى في الدار مدى الحياة، حسبما أفادت للجزيرة نت.
وبحسب ما تؤكده "ماما زينب" فإنها تعتبر واحدة من أقدم موظفات دار الأيتام منذ افتتاحه، بعد أن كانت المرأة الوحيدة العاملة فيه، حيث كانت وحدها فقط مسؤولة عن أكثر من 75 طفلا.
"ماما زينب" تؤدي دورها في دار الأيتام
كيف بدأت الحكاية؟
استطاعت "ماما زينب" أن تحصل على وظيفة في دار الأيتام، رغم أنها دخلت يتيمة، لتتحول إلى مربية ترعى الأيتام القادمين إلى الدار، وبعد أن تم تعيين أحد الأشخاص مديرا للدار "استقبلنا أكثر من ستين طفلا، ولم يكن هناك إلا أنا وسيدة أخرى".
وتؤكد أنها اليوم مسؤولة عن الأطفال الأيتام ما بين أعمار ست وثماني سنوات، قبل أن يتم تحويلهم بعد هذا العمر إلى مربية أخرى، لكنه في العادة يكونون جميعهم بقربها لسماع القصص والحكايات التي ترويها لهم.
ومازالت "ماما زينب" تتذكر سنوات الحروب التي مرت بها وفي الدار التي كانت تعمل بداخلها وتعيل أكثر من ستين يتيما، واستطاعت أن تنقذ العشرات منهم حينما حصلت فوضى النظام والمعارضة في البلاد عام 1991.
ولم تتخلِ عنهم، حينما دخل الأميركيون العراق عام 2003، وأصرت على إكمال تعليمهم ودراستهم رغم الظروف الصعبة التي مرت على البلاد خلال تلك الحقبة.
أيتام تخرجوا
وتمكن الكثير من الأطفال الذين عاشوا في كنف "ماما زينب" أن يصبحوا مؤثرين في المجتمع، فتخرج منها مهندسون ومدرسون وضابط برتبة عميد في الشرطة، وأستاذ جامعي.
للذكرى قبل أكثر من 15 سنة
وتأمل "أم الأيتام" أن يحصل الأيتام المتبقون لديها -وعددهم 15 طفلا- على شهادات علمية مثل الجيل الأول الذي ربته وسهرت على راحتهم.
وتشكل محور دار الأيتام في الناصرية منذ افتتاحه عام 1979 ورعايتها للكثير من الأيتام، وحتى بعد إحالتها إلى التقاعد قبل ستة أعوام فإنها لا تزال بنفس النشاط والهمة والحيوية، بحسب ما يقول للجزيرة نت عباس الشطري الموظف بالدار.
و"ماما زينب" أكثر من كونها موظفة بتلك الدار بمثابة أم للأيتام، فهي تعرف الكثير من المشاكل وتسعى لحلها، وتهتم بالتفاصيل المتعلقة بالأيتام بشكل شخصي بحسب ما يؤكد مدير الدار حسين عودة مسير للجزيرة نت.
وتستقبل الدار بالعادة -يقول مسير- الأطفال فاقدي الأبوين والذين يكونون ضحية التفكك الأسري، فضلا عن ذوي المشاكل المستعصية، حيث تسعى ماما زينب بأسلوبها الخاص إلى استقطابهم وحل مشاكلهم.
ترعى شؤون "أبنائها"
الحروب والأيتام
ويعتقد الباحث والأكاديمي المختص بعلم الاجتماع بجامعة ذي قار د. عدي الشبيب أن وجود دار الأيتام جاء نتيجة للأزمات والحروب والتفكك الأسري.
ويضيف للجزيرة نت أن العراق إلى الآن لم يخرج من أثر الحرب مع إيران، وأيضا التأثيرات الاجتماعية من حرب الخليج، مشيرا إلى أن البلد يدفع إلى الآن أموالا كثيرة تعويضات كان الأفضل أن تذهب للتنمية.
وأضاف أن العراق بحاجة إلى حلول إستراتيجية في السياسات الاجتماعية، كتنشيط التعليم والشباب واستخدام الطاقات الحقيقية، وتنمية المهارات والقدرات على الانفتاح والتواصل مع العالم.
وتسعى عدة منظمات عاملة في مجال المرأة والطفل لمتابعة واقع الأيتام بالمحافظة الذي ارتفع عددهم بشكل ملحوظ خلال السنوات القليلة الماضية بسبب الحروب والإرهاب، وتقدم بعضها مساعدات وفعاليات تنموية للأطفال بالمحافظة، كما تقول منى الهلالي مديرة منظمة أور للمرأة والطفل للجزيرة نت.
وتضيف "نتابع بين الحين والآخر واقع الطفل اليتيم وسبل النهوض به من الجانب الثقافي والتعليمي، وتم تقديم بعض المساعدات المتعلقة بالملابس والمستلزمات المدرسية، لكن يبقى الجهد الحكومي هو الأولى في دعم هذه الشريحة، فحجم الأيتام يحتاج إلى خطط وطنية فاعلة".