تثاءبت شمس الأصيل قبل ألأوان خلل الثقوب المحفورة في ألأسوار الموحشة....ومن بين حطام المداخن التي تطاولت اعناقها يوما,ارتفعت متلألئة سحب من الغبار....
هكذا حلمت احلام يقظتهاخرائب ممتدة كالصحراء.
اغمض عينيه فاغتنم كل شيء فجأة...هجس خطوات شخص تتجه نحوه ثم تتوقف امامه,فأستشعر النهاية الا انه ظل هادئا..
اختلس نظرة فأبصر ذراعين مسترخيتين على ساقين مقوستين و استطاع ان يغامر بنظرة اخرى سريعة الى الجزء الأعلى من الوسط فابصر رجلا هرما يحمل سكينا و سلة و كانت اصابع يده معفرة با تراب....
سأله الرجل و هوه يحدق اليه متفحصا من سمت الرأس الى اخمص القدم:
بعد ان لمح يورغن خيوط الشمس الحمراء المائلة الى الزرقة من خلال ساقي الرجل,اجاب.
"كلا,اني لا انام هنا بل يجب ان احرس هنا"
"هكذا اذا,لهذا تحمل هذه العصا الغليظة....".
"اجل"اجاب يورغن بشجاعة,و مسك العصا بقوة.
شدد قبضته على العصا هاتفا:"لاأستطيع البوح به"
"أتراك تحرس نقودا؟اليس كذلك؟" ثم وضع سلته على الأرض و طفق يمسح السكين بسرواله.
"كلا! لا احرس نقودا بل احرس شيئا اخر"
"ليس باستطاعتي البوح لكني حتما احرس شيئا ما"
"ان لن تبوح لي..لن ابوح لك ما احمله بسلتي.." ثموضع قدمه على السلة,واغمد سكينه.
حدق يورغن الى السلة و خمن ان مافيها ليس الا علفا للأرانب "لقد وصلت بتفكيري ما تحملة سلتك" خمن يورغن و قال" انه علف للأرانب"
"اللعنة! " قال الرجل بدهشا" نعم يالك من فتى ذكي دهاء الشيطان ! كم عمرك"
"رائع...تسع اذن" ثم اردف سائلا بمزاح:
"لابد انك تعرف مايساوي ضرب ثلاثة في تسعه"
"حتما " حاول يورغن ان يكسب الوقت قائلا"انه امر بسيط" ثم حدق من خلال ساقي الرجل معيدا السوأل مرة اخرى "ثلاثه مرات تسعه. اليس كذالك ؟.....انها سبعة و عشرون" قور فمة و اكمل : هذا ما اعرفه من البداية.
"تماما صدق ظني" هتف الرجل "اذن, لابد انك تعرف كم لدي من الأرانب"
طارت اجابة يورغن و كأنها كانت مهيأه في فمه: "سبعة و عشرون"
"تستطيع رؤيتها فمعظمها مازال صغيرا . اتود ذلك"
"لايمكنني ذلك...انني غير قادر....غير قادر على ترك حراستي"
"اتحرس في الليل ايضا!!" سأل الرجل.
" منذ السبت الماضي و انا احرس ليل و نهار و سأظل كذلك"
"ولكن الا تعود الى منزلك؟..من ايت تأكل ايضا"
ازاح يورغن صخرة يحتفظ تختها خبزا و علبة لحم"
امسك يورغن العصا, و بهدوء يشوبه الحذر, هزا رأسه قائلا: "لا احب الغليون"
انحنى الرجل, رفع سلته ثم هتف" لو استطعت مبارحة هذا المكان لتمكنت من مشاهدة ارانبي سيما صغارها و ربما اخترت واحدا منها"
قال يورغن بأس: "كلا....كلا...."
رفع الرجل سلته متهيئا لمبارحة المكان" "حقا انها لخسارة لتبقى هنا.....ثم ادار له ظهره هتف يورغن بعجله:
"ان لم تخني....سوف اخبرك سبب وجودي...ان وجودي هنا بسبب الفئران"
تراجعت الساقان المقوستان الى بضع خطوات الى الوراء.
"نعم....فهي تفترس الموتى و تقتات على جثث البشر....مكانها حيث اقف"
"اذا فأنت تحرس الموتى من الفئران !" سأل الرجل.
"اجل ! احرس الموتى من الفئران" ثم همس قائلا" انا احرس اخي الصغير الذي غيبته الانقاض هنا"
واشار بعصاه الى احدى الخرائب"ذلك كان بيتنا دمرته احدى القنابل فساد الصمت و الظلام ارجاءه"
"كان اخي في السرداب و ظل هناك, صرخنا به محذرين الا انه اصغر من ان يعي,كان في الرابعة فلبث هناك, ولابد انه مازال هناك."
تأمل الرجل ملامح الفتى بحزن ثم هتف فجأه:
"ألم ينبأكم معلمكم بأن الفئران تنام ليلا؟ "
"كلا.....لم ينبأنا بهذا...؟"
"اوه...اي معلم هذا الذي لا يعرف ان الفئران تنام في الليل ايضا !....بأستطاعتك ان تعود الى البيت ليلا و تنام, فالفئران تنام ليلا دائما....تنام عندما يهبط الظلام"
عبث يورغن بعصاه صانعا من التراب مقابر صغيرة, معتقدا ان قبور الصغار لا بد ان تكون صغيرة.
قال الرجل و ساقاه ترتعدان كما البيوت من جراء انهمار القنابل:
"اتعلم ان لي ان اذهب الان لاطعام ارانبي و سأعود بعد حلول الظلام لأصطحبك للبيت.....ربما جلبت لك معي ارنبا صغيرة..اترى غير هذا"
عبث يورغن بعصاه مرة اخرى راسما مقبرا على هيئة ارانب بيض رماديةوهو يحدق الى الساقن المقوستين.
"لا ادري ان كانت تنام ليلا فعلا"
اتجه الرجل الى الشارع متثرا بين الحفر و حجارة الخرائب وهو يردد:
"كان على معلمكم ان يبحث عن عمل اخر لجهله امرا كهذا..."
نهض يورغن وهو يقول: ان كان الامر كما قلت فلي رغبة في اقتناء ارانب صغيرة و لتكن بيضاء"
هتف الرجل وهو يشق طريقه: سأحاول ولكن عليك ان تنتظرني لأتي لأصحبك الى البيت. ولأعلم والدك كيف يبني حظيرة ارانب...اجل يجب ان تتعلموا ذلك..."
"سأنتظر. اكيد فعلي ان احرس حتى يحل الظلام"
"اننا نمتلك الواحا وجسور خشب تكفي لبناء حظيرة للأرانب" الا ان الرجل لم يسمع صيحة يورغن ألأخيرة فقد توغل بساقيه المقوستين بيدا بأتجاه الشمس ذات ألأشعه الحمراء والتي كان يورغن يبصرها خيوطا حمرا من خلال ساقي الرجل اللتين كما لو كانتا تشكلان بتقوسهما اطارا للوحة الغروب.
كانت السلة تتأرجح سابحة في الفضاء وفي داخلها طعام طازج للأرانب الا انه كان ملوثا برمم الخرائب.