“الحُوْش” معرض يستعرض فيه الفنان جانبا من المعيش اليومي للبحرينيين عبر سلسلة من الرسومات واللوحات الزيتية.
توازن بين أنوثة المرأة وصرامة رسالتها في الحياة
تعوّد الفنان البحريني عمر الراشد الاستناد على مرجعية أصيلة من عمق التراث والذاكرة الشعبية البحرينية والخليجية ليشكّل من خلالها منجزه الفني، وهو في معرضه الجديد المعنون بـ”الحُوْش” يستكمل هذا الاستلهام الأصيل من بيئته ليضفي عليها رؤاه الحداثية لونا وشكلا.
المنامة - يفتتح مركز الشيخ إبراهيم بن محمد آل خليفة للثقافة والبحوث بمدينة المحرق البحرينية، في الثامن من مارس الجاري معرض “الحُوْش” للفنان البحريني عمر الراشد، الذي يستكشف فيه لحظات ولقاءات في الحياة البحرينية حول عنصر الاتصال المركزي في العمارة التقليدية، “الحُوْش” (البيت).
وعبر سلسلة من الرسومات واللوحات الزيتية، يستعرض الفنان البحريني جانبا من المعيش اليومي للبحرينيين في هذا المحيط الهندسي الذي يمثل عالما مصغرا للحياة والذكريات السعيدة المفعمة بضحك طفولي مع لحظات عابرة من التأمّل والعزلة.
وفق هذا المنحى الذي ينحاز بشكل واضح إلى التراث بوصفه مادة استلهامية حيوية لخلق صيغ وأنماط تشكيلية جديدة، ولأجل إبراز القيمة التعبيرية والفكرية والجمالية للحضارة العربية والإسلامية في منطقة الخليج العربي، يشكّل الراشد في معرضه الجديد، الذي تتواصل فعالياته حتى السابع من أبريل القادم، لوحاته بلمسات تراثية وأخرى معاصرة أساسها عجينة ألوان حارقة وكتل هندسية وجسدية متشابكة تروي بالتلميح والتصريح في آن واحد عمق التلاحم المجتمعي الحاصل في بلده وبين أهله.
عمر الراشد: أحب الاستلهام من التراث البحريني، لأعيد صياغته بشكل معاصر
وعن تجربته الفنية يقول الراشد “انطلقت في ممارسة الفن منذ أزيد من ربع قرن، بعدها بدأت هضم هذه التجربة في اللون والموضوعات، أحب الاستلهام من الأشياء المحلية المقربة لنا، لأعيد صياغتها بشكل حديث، بحيث تتغيّر من الواقعية إلى التجريد ولشبه التجريد وللون والمبالغة فيه”.
ويضيف “الخروج عن المألوف يحتاج إلى جرأة حتى يتقبّلها الجمهور وتظهر بصورة جميلة لا تؤثّر على العمل الفني، وهذا ما يسمّى بالفن الحديث، لأن أعمال هذا الفن خلاّقة ومجدّدة، حيث لا توجد عناصر تحجزك خارج مفاهيم اللوحة، كما في المدارس التكعيبية والسريالية”.
هكذا طرح الراشد تجاربه الإبداعية بحذر شديد، وهو الذي كان يدرك منذ البداية أن انحيازه للتراث والعادات والتقاليد الشعبية يمكن أن يجعله أسيرا للمفاهيم في الفن.
وفي الوقت الذي كان يتجنب استلهام رموز التراث وموضوعاته (موتيفاته) بشكل مباشر كان واعيا بضرورة النأي بنفسه عن الهوس الذي لازم بعض الفنانين التشكيليين باستخدام أفكار ورؤى وأدوات التشكيل الغربي في طرح موضوعاته.
والمتأمل من أعماله الفنية سيرى لوحة شبه تجريدية وشبه حداثية، لكنها في واقع الأمر أقرب إلى الواقعية. وهو بذلك يتكئ على هذا التوازن ما بين الشكل والمضمون وما بين الأصالة والمعاصرة في صياغة مفرداته التشكيلية.
تأثّر الراشد الذي ولد في مدينة المحرق 1966، بسحر الطبيعة البحرينية ذات الألوان الساطعة والخلابة، وأجوائها التي تفيض ألوانا وجمالا، وكانت المحرق المدينة التي توّطنت في وجدانه، ذاكرته الأولى التي نهل منها حنينه الدائم إلى التراث البحريني والعادات والتقاليد الشعبية.
المتأمل في أعمال الراشد الفنية سيرى لوحة شبه تجريدية وشبه حداثية، لكنها في واقع الأمر أقرب إلى الواقعية
أما النبع الآخر الذي نهل منه الراشد، فلم يكن سوى والدته التي كانت بالنسبة إليه مادة يرصد عبرها عمر/ الطفل كل حركاتها وأزيائها ومخزونها من الذاكرة الشعبية.
وهذا الارتباط الحميمي بينه وبين أمه جعله يحتفي بالمرأة في أعماله التشكيلية بشكل مباشر ودائم، فهي أساس جل لوحاته التي تبرز فيها إلى جانب العمارة التراثية، الأزياء الشعبية المزركشة والملونة بتفاصيلها الدقيقة وأدوات الزينة التي كانت تتباهى بها المرأة البحرينية بصفة خاصة، والمرأة الخليجية بصفة عامة.
وتمثّل صورة المرأة لديه توازنا بين الأنوثة والصرامة، فتظهر أنوثتها من خلال الألوان الجميلة والنسيج المفعم بالحيوية البادي في العباءة التي ترتديها نساءه. فيما يستغل الراشد قدراته في ربط الثقافة والتقاليد مع صورة المرأة القوية، ليظهر صرامتها، بحيث تبدو ثابتة وواثقة لتكون النقطة الرئيسية في لوحاته.
وتظهر أهمية المرأة واضحة بغض النظر عمّا إذا كان وجهها مستورا أو مكشوفا، وهي ليس صورة، وإنما تجسيد رمزي لامرأة.. امرأة من الشرق الأوسط.. امرأة تعي جيدا قيمة رسالتها الحياتية في الماضي والحاضر والمستقبل.
ويركّز الفنان البحريني في جزء آخر من لوحاته على الأطفال وعلى الألعاب الشعبية في البحرين، بما يوحي باسترجاعه للتقاليد العريقة التي تثير الشعور بالرغبة في توثيق ذكريات طفولة سعيدة، حيث أنه يرسم لوحاته ليعطي الانطباع بأنه شعوريا أو لا شعوريا يعود إلى أيام الطفولة ويظهرها حديثة، لتغدو في بساطتها البالغة كأنها رسم طفل ذو بصمات فنية تتسم بالخصوصية والعفوية، فتشدّ الناظر إليها بجمالها وبراءتها.
وعن هذا التوجّه يقول “أنحاز تلقائيا إلى التراث وتجسيد الألعاب الشعبية حماية للهوية ودعما لها، خصوصا وأن منطقة الخليج العربي التي أعيش فيها تحظى بالكثير من المخزون التراثي، والذي ينبغي على الفنان العربي أن يعكسه أو ينقله في لوحاته التشكيلية، عكس الفنان الغربي الذي يركّز دائما على الحداثة، ربما نتيجة افتقاده لأصالة الشرق وتراثه الثري”.
وشارك عمر الراشد في العديد من المعارض المشتركة داخل وخارج البحرين، وحاز على العديد من الجوائز منها الجائزة الكبرى من بينالي الخرافي الدولي للفن العربي المعاصر 2012، وجائزة السعفة الذهبية من المعرض الدوري للفنون التشكيلية لدول مجلس التعاون في الشارقة، كما حصد العديد من الشهادات التقديرية من مختلف المعارض الداخلية والخارجية، وشارك في العديد من لجان التحكيم الخاصة بالأعمال الفنية التشكيلية.