قبل ذلك لم يكن بإمكان العلماء قراءة ودراسة الرسائل المقفلة إلا بفتحها، ما أدى غالبا إلى إتلاف هذه الوثائق التاريخية وإفساد الأدلة التي توضّح كيفية إغلاقها




أساليب قفل الرسائل كانت أمرا ضروريا لحمايتها من أعين المتطفلين (المجموعة البحثية لفتح مغاليق التاريخ)

قبل ساعات من إعدامها عام 1587، أرسلت ملكة أسكتلندا ماري الأولى رسالة إلى ملك فرنسا هنري الثالث شقيق زوجها السابق فرانسوا الثاني. ولم تكتف ماري بالتوقيع على الرسالة، بل قامت بطيّها عدة مرات وأحدثت ثقبا أدخلت فيه جزءا قَصّته بعناية، لتصنع قفلا محكما للرسالة.
كانت مثل هذه الأساليب لقفل الرسائل أمرا ضروريا في تلك الفترة لحمايتها من أعين المتطفلين، لكن هذا الفن اندثر في ثلاثينيات القرن الـ19.


تقنية جديدة

وفي تقرير نشرته صحيفة "نيويورك تايمز" (New York Times) الأميركية، يقول الكاتب ويليام برود إن فريقا من الباحثين تمكّن مؤخرا من ابتكار طريقة جديدة للاطلاع على محتويات الرسائل المقفلة دون إلحاق ضرر بهذه الكنوز التاريخية التي لا تقدر بثمن.
وقد أعلن الفريق -المكون من 11 عالما وباحثا من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (MIT) ومؤسسات بحثية أخرى- عن تطوير تقنية تعتمد على الواقع الافتراضي تتيح لهم الاطلاع على فحوى الرسائل وعلى أساليب إقفالها دون إتلافها.
وفي البحث الذي نشرته مجلة "نيتشر كوميونيكيشنز" (Nature Communications)، يوضّح الفريق تفاصيل هذه التقنية الرقمية عبر الكشف عن فحوى 4 رسائل غير مسلّمة كُتبت في الفترة ما بين 1680 و1706.




الطريقة الجديدة تسمح بالاطلاع على محتويات الرسائل المقفلة دون إلحاق ضرر بها (المجموعة البحثية لفتح مغاليق التاريخ)

تقول المؤلفة الرئيسية للدراسة، جانا دامبروجيو، إن إيمانها بالقيمة التاريخية التي تحتويها هذه الرسائل جعلها تطلب من زملائها المختصين في التكنولوجيا البحث عن طريقة للاطلاع على فحواها رقميا.
في عام 2014، لم يكن بإمكان العلماء قراءة ودراسة هذه الرسائل إلا بفتحها، ما أدى غالبا إلى إتلاف هذه الوثائق التاريخية وإفساد الأدلة التي توضّح كيفية إغلاقها. وتقول دامبروجيو في هذا السياق "كنا بحاجة للاحتفاظ بالنسخ الأصلية، إذ يمكن الحصول على معلومات منها باستمرار، خاصة إذا أُبقيت مقفلة".
وتتمثل الخطوة الأولى -وفق الطريقة الرقمية التي ابتكرها الباحثون- في مسح الرسالة بجهاز أشعة سينية متقدم، حيث تكشف الصورة ثلاثية الأبعاد عن المحتوى الداخلي للرسالة، ثم يقوم الحاسوب بتحليل الصورة وفك الطيات رقميا حتى تصبح الورقة مسطحة ويمكن قراءة النص كاملا.


مجموعة بريين

يعمل فريق البحث حاليا على محتويات "مجموعة بريين" (THE BRIENNE COLLECTION) التي توجد في صندوق خشبي بمدينة لاهاي الهولندية، وهي مجموعة تتكوّن من 3148 خطابا مكتوبا، من بينها 577 رسالة لم يتم فتحها مطلقا.


رسالة بتاريخ 31 يوليو/تموز 1697، من تاجر بمدينة ليل الفرنسية إلى تاجر فرنسي في لاهاي (المجموعة البحثية لفتح مغاليق التاريخ)

ومن بين الرسائل التي فتحها الفريق رقميا من "مجموعة بريين"، رسالة كُتبت بتاريخ 31 يوليو/تموز 1697، وقد أُرسلت من مدينة ليل بفرنسا إلى تاجر فرنسي في لاهاي، وكانت تتضمن طلبا لنسخة مصدّقة من وثيقة وفاة.
ويأمل الباحثون في أن يثمر الكشف عن محتويات "مجموعة بريين" إلى إثراء البحوث التاريخية عن الحقبة الحديثة المبكرة من تاريخ القارة الأوروبية وكل ما يتعلق بالسياسة والدين والموسيقى والمسرح وأنماط الهجرة في المنطقة.
أساليب قفل الرسائل
وعلاوة على ابتكار هذه التقنية الجديدة، درس الفريق حوالي 250 ألف رسالة، ورصدوا 12 أسلوبا من أساليب القفل، و64 تقنية بينها أنواع مختلفة من الطيّ والثقب، وقد قسّموها إلى فئات حسب درجات إحكام القفل.
ويقول المحاضر في قسم اللغة الإنجليزية بكلية كينغز لندن (King’s Collage London)، دانييل سميث، إن "هذا الفن كان ثريا للغاية لدرجة أن نوع القفل يعدّ بمثابة توقيع شخصي يعبّر عن صاحبه ويجسد جانبا من شخصيته".




نوع القفل يعدّ بمثابة توقيع يعبّر عن صاحبه ويجسد جانبا من شخصيته (المجموعة البحثية لفتح مغاليق التاريخ)

وحسب الكاتب، فقد اختصرت التقنية الرقمية الكثير من الوقت، حيث قضى الباحثون عقدا كاملا من الزمن لفهم الطريقة التي أغلقت بها ماري الأولى رسالتها إلى شقيق زوجها، لكن التقنية الجديدة كان بإمكانها أن تكشف السرّ في ظرف أيام قليلة.
وتقول الباحثة أماندا غاساي من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، إن الفريق اقترب من تطوير التقنية لتكشف عن أساليب قفل الرسائل في غضون ساعات لا أيام.