السائل (أبو خالد): يذكر النحاة أن الأفعال (قلَّ وطالَ وكَثُر) إذا جاء بعدها (ما) لا يكون بعدها إلا الفعل نحو: قلَّما كان ذلك، وطالما نهيتك عن الشرّ، وكَثُر ما أرشدتك, وقد يليها الاسم نحو قول الشاعر:
صَددتِ وأطولتِ الصُّدود وقلَّما ... وصالٌ على طولِ الصُّدودِ يدومُ
سؤالي: في الكتب المتأخرة يعربون (ما) كافة ولا فاعل للفعل الذي اتصلت به, وبعضهم يقول: (ما) مصدرية والمصدر المؤول فاعل للفعل, أرجو منكم إرشادي إلى أصحاب الرأي الأول, وأصحاب الرأي الثاني من النحاة المتقدمين, وهل في المسألة أقوال أخرى, نرجو ذكر مصادر الأقوال بارك الله فيكم, ونفع بعلمكم؟
الفتوى 158 : للعلماء في هذه الألفاظ ونحوها أربعة أقوال، أحدها: أن ((ما)) كافة على أصلها، ولا يحتاج الفعل المقترن بها إلى فاعل، والاسم المرفوع بعدها مبتدأ خبره ما بعده، وهذا هو ما ذهب إليه سيبويه، وجعل ذلك من ضرورات الشعر، والثاني أن ((ما)) هذه زائدة لا كافة، والاسم المرفوع بعدها فاعل كما في بيت مرار الفقعسي الذي ذكرته، كأن الشاعر قد قال: وقلَّ وصال يدوم على طول الصدود، والثالث: أن ((ما)) كافة أيضاً، والاسم المرفوع بعدها فاعل لفعل محذوف يفسره الفعل الآخر، وكأنه قد قال: قلما يدوم وصال على طول الصّدود، وهو مذهب ذهب إليه الأعلم الشَّنتمري، والرابع أن ((ما)) حينئذ كافة أيضا، والاسم المرفوع بعدها فاعل بنفس الفعل المتأخر، وهذا مذهب كوفيّ؛ لأنهم هم الذين يجوزون تقدم الفاعل على ما هو معلوم.
(وهذه الأقوال ذكرها محمد محي الدين عبدالحميد في تحقيقه لكتاب الإنصاف في مسائل الخلاف لابن الأنباري 1/145)
والقول الأول منسوب إلى سيبويه، نقله المبرِّد، وفي ذلك يقول بعضهم:
خمسٌ من الأفعالِ ليسَ يوجدُ *** فاعلُها كما روى المبرِّدُ
كَثُرَما وقلَّما وطالما *** مع فِعْلي التوكيد والحصرِ كما
كانَ أصحَّ علمَ من تقدَّما *** وكادرجي ادرجي. المعارف اعلما
والأبيات الثلاثة من إفادات الشيخ أحمد الموريتانيّ، رحمه الله تعالى.