قد يبدو العنوان غريباً على البعض، ولكني أؤمن بهذا المبدأ بلا حدود.. كيف هذا ؟
الإيمان الذي أعنيه ليس إيمان التماوت وتمثيل المظلوم ودور الضحية للملوك والحكام، الذي كان ينشره الكهنة قبل الإسلام، وخلفاؤهم الوهابية مدعو السلفية بعد الإسلام. ولكنه الجهاد الاكبر (جهاد النفس) والسعي الدؤوب نحو إصلاحها والترقي بها في سموّ الفضائل ومعارج الأخلاق التي لا نهاية لدرجات سلّمها.
الإيمان مبني على الإلتزام والشعور بالمسئولية نحو النفس لترقيتها من مستوى الحيوان إلى مستوى الإنسان الذي ينطوي هيكله الجسدي على ملاك كريم، نتيجة التزامه في جيش جهاد النفس.
وأما الكفر والزندقة، فمبناها وقاعدتها: التفلت من مواجهة الشهوات التي تشغل النفس المحدودة، في ظرف ستين أو سبعين سنة محدودة، يعقبها عذاب أبدي.
ولنعد السؤال أيضاً كرّة أخرى: كيف يكون الإيمان قرين لقوة الشخصية ؟
دعونا نتناول الأمر عبر عدة نقاط، حتى نصل لتلك لنقطة التي نريدها..
* بالنسبة لوجود الله :
- هناك احتمالان : إما أن الله موجود أو غير موجود
إذا كان غير موجود، فأنا عشت بطاعة الله وانا سعيد بذلك، وأنت عشت بمعصية الله وأنت سعيد بذلك
إذا كان موجود: فهذه مشكلتك أنت لا مشكلتي أنا....
- البقرة لا تتكلم كيف يذهب وليدها ليمتص الحليب من ضرعها ؟ هذا برنامج إلهي...
- النبتة التي في غرفة مظلمة فيها بصيص من النور تنمو النبتة في اتجاه الضوء.. كيف هذا ؟ هذا برنامج إلهي...
- قناة استاكيوس في الأذن، لو كان الإنسان خلق هكذا اعتباطاً وكلام فارغ دون عقل أول يعلم احتياجاته، لما خلقت فيه هذه القناة، فهي تعمل على موازنة الضغط االداخلي والخارجي من حول الإنسان، ولذلك أحياناً تتعرَّض طبلة الأذن لضغط عندما يختلُّ التوازُن بين ضغط الهواء في الأذن الوسطى وضغط الهواء في البيئة المحيطة. كما يحدث عند الغوص في البحار أو عندما تكون على متن طائرة، عند ارتفاعها بعد الإقلاع أو عند نزولها للهبوط، وذلك بسبب التغير السريع في الضغط الجوي، إذن هناك حكمة وعناية بالإنسان، من مصدر عليم حكيم، يعلم أنه في يوم ما سيصعد في الفضاء ويغوص في البحار، ولو لم يكن مجهزاً بمثل هذه القناة ربما تعرض للموت....
* بالنسبة لوجود لآخرة: عقلاً، لابد أن يكون هناك ثواب وعقاب، العدل يقتضي هذا، لو كان هناك رجلان، أحدهما يكسب من عمل يده، والآخر يكسب من سرقة الرجل الأول، وتكون النتيجة أن يعيش السارق دون المساهمة في خير البشرية والنفع العام، ولكن في تعب صاحبه الذي ظل يعمل طوال الشهر لكي يسرق راتبه شخص آخر على الجاهز دون وجه حق.. هذا السارق لو لم يفهم حقيقة ما يعمل في الدنيا، يجب أن يكون هناك في الآخرة (شدة أذن) له لكي يدرك حقيقة ما يفعل.
ومن هذا الخيط، نصل إلى النقطة التي نريد..
أن الإيمان هو السبيل لقوة الشخصية والسيطرة على النفس والسيادة عليها. فقوة الشخصية ليست في الغضب والصوت العالي، فالكلب إذن أقوى شخصية من رئيس الجمهورية، قال رسول الله ص: (ليس الشديد بالصُرعة، ولكن الشديد من يملك نفسه عند الغضب) نفهم من هذا التوجيه النبوي الكريم، أن الشدة أو القوة الشخصية هي القدرة على التحكم في النفس، أن تقوى على ترك ماتريد إن أردت أن تتركه، ألا تكون عبداً لشيء غير الله.
إذن لابد من الجهاد الأكبر (جهاد النفس) والجهاد الأصغر (جهاد العدو)، هل هناك أحد جمع بين الجهادين في وقت واحد ؟ نعم، هو الإمام علي بن أبي طالب، كان سيدنا الإمام علىّ يقاتل مشركا شرساً فطال بينهما القتال وفى النهايه تمكن رضى الله عنه من خصمه ولما هم بقتله بصق المشرك فى وجه سيدنا على، والسيف فى الهواء يوشك ان يهوى فما كان من سيدنا علي الا ان تركه وانصرف عنه ولم يقتله فجرى المشرك خلفه مستفسرا عن سبب عدم قتله باستغراب فكان الرد أن قال سيدنا على عليه السلام: (كدت أن أقتلك لانك عدو الله اما وإن بصقت على فقد صرت عدوا لي، فلأفرغ من أعداء الله اولا ثم انتبه الى اعدائي)، فقال له خصمه: أتراعون الله في مثل تلك المواقف ؟ قال: وأكثر من ذلك، فنطق المشرك بالشهادتين وأسلم لما انبهر من هذه الشخصية التي صقلها الجهاد الأكبر.
أين هذا من ملحد أو لا ديني أو وهابي حينما تحاورهم وتختلف معهم، يسبك ويقذع في السب وتشعر أنه يريد أن يقتلك ؟ فرق شاسع بين نفس هذبها الجهاد والتقويم حتى صارت مصدر خير ونجدة للناس، وبين نفس أخرى تربّت في الوحل وتغذت بإطاعة أوامرها حتى تقوّت واستأسدت وصارت مصدر خطر على البشرية جمعاء.
والسؤال: هل الذي يتفلّت من الأمر والنهي، ويعادي الله لأجل ذلك (والله لا يأمر إلا بما فيه خير ومصلحة) هل مثل هذا المسكين يستطيع أن يصل لهذه الذروة التي وصل إليها الإمام علي ؟ من أين له ذلك وهو في تحالف مع النفس، إما راكن للراحة كالنساء، أو مجرم حرب مستعمر لكل بلد تشرق عليه الشمس، يريد أن يجمع الدنيا في كرشه! كالمستعمرين الأجانب وذيولهم وأذنابهم الذين زرعوهم في أرضنا ليركبوا كراسي الحكم.. كل هذا انصياع لشهوة التملك والسلطة وجمع المال ولو بالظلم والفسوق، أو تراه رجلاً طاعناً في السن يتشبه بطفل ممغوص يتلوى مغرقاً في الشكوى، مولع بدور الضحية المقهورة من رب يأمر وينهى لمصلحته الخاصة! ويسميه "إله الإسلام".. يظن الأحمق أن الله الغني الخالق بلا حدود يحتاج لمثله، بينما هو يريده كالإمام علي! ولذلك أمره ونهاه.
أرجو أن أكون قد استطعت أن أوصل الرسالة والفكرة كما أراها.. أن الإيمان قوة شخصية، والكفر نذالة وفرار من المسئولية وجبن عن المواجهة.