لأول مرة.. علماء يلتقطون مقطع فيديو لالتواء جزيئات الحمض النووي
نتائج هذه الدراسة قد تؤدي إلى تطوير حلقات مصغرة من الحمض النووي الملتوي مخصصة للعلاجات المستقبلية
دوائر الحمض النووي الصغيرة تظهر الجزيء مرتبطا من كلا الطرفين لتشكيل حلقة (جامعة يورك)
كان العلماء في السابق قادرين فقط على رؤية الحمض النووي الديوكسي الريبوزي، والمعروف اختصارا بـ"دي إن إيه" (DNA) باستخدام المجاهر التي تقتصر على التقاط صور ثابتة، والآن قام فريق بحثي دولي بدمج لقطات من مجهر القوة الذرية المتقدم مع المحاكاة بالحاسوب العملاق لإنشاء مقاطع فيديو لالتواء جزيئات "دي إن إيه".
ونُشرت نتائج الدراسة في دورية "نيتشر كوميونيكاشن" (Nature Communications) في 16 فبراير/شباط الجاري، وتستند اللقطات -التي طورها الفريق- إلى صور عالية الدقة لجزيء واحد من "دي إن إيه"، وهي أول صور يتم التقاطها على الإطلاق.
وأظهروا بتفاصيل غير مسبوقة كيف يمكن أن تغير الضغوط والإجهادات التي يتعرض لها الحمض النووي شكله في حالة حشره داخل الخلايا.
الصور مفصلة للغاية، لدرجة أن من الممكن رؤية التركيب الحلزوني (اللولبي) المزدوج للحمض النووي، ولكن عند دمجها مع نظم المحاكاة باستخدام الحاسوب العملاق؛ تمكن الباحثون من رؤية موضع كل ذرة في الحمض النووي، وكيف تتقلب وتتلوى داخل الخلية.
رقص الحمض النووي
من المعروف أن كل خلية بشرية تحتوي على حوالي مترين من الحمض النووي، ومن أجل احتواء هذا الحمض النووي الطويل داخل خلايانا، فقد تطور ليُلوى ويدور ويلف. وهذا يعني أن التواء والتفاف الحمض النووي موجود في كل مكان في الجينوم، وتشكل هذه الآلية هياكل ملتوية تظهر سلوكا أكثر ديناميكية من نظيراتها في طور الاسترخاء.
ونظر الفريق إلى دوائر الحمض النووي الصغيرة، وهي خاصة جدا لأن الجزيء مرتبط من كلا الطرفين لتشكيل حلقة، ومكنت هذه الحلقة الباحثين من إعطاء دوائر الحمض النووي الصغيرة انثناء إضافيا، مما يجعل رقص الحمض النووي أكثر قوة.
وعندما صور الباحثون الحمض النووي في طور الاسترخاء، دون أي تموجات أو انثناءات، رأوا أنه لا يفعل الكثير. ومع ذلك، عندما أعطوا الحمض النووي بعض الانثناءات الإضافية، أصبح فجأة أكثر ديناميكية، وأمكن رؤيته يتبنى بعض الأشكال الغريبة للغاية.
وقالت الدكتورة أغنيس نوي، المحاضرة في قسم الفيزياء في جامعة يورك (York University)، والتي أجرت النمذجة النظرية في الدراسة، في بيان صحفي للجامعة؛ "إن المحاكاة الحاسوبية والصور المجهرية تتفق جيدا لدرجة، أنها تعزز دقة التجارب وتمكننا من تتبع كيفية رقص كل ذرة من الحلزون المزدوج للحمض النووي".
وقالت الدكتورة أليس باين، محاضرة في البوليمرات والمواد اللينة في جامعة شيفيلد (Sheffield University)، والتي التقطت اللقطات؛ "كانت رؤية التركيب الحلزوني لجزيء الحمض النووي بأكمله أمرا صعبا للغاية، وتمكننا مقاطع الفيديو التي طورناها من مراقبة التواء الحمض النووي بمستوى من التفاصيل لم نشهده من قبل".
من جهته، قال البروفيسور لين زيتشيدريش من كلية بايلور للطب في هيوستن تكساس (Baylor College of Medicine) بالولايات المتحدة، الذي صنع دوائر الحمض النووي الصغيرة المستخدمة في الدراسة؛ "إن صور مجهر القوة الذرية الجديدة لحلقاتنا الصغيرة فائقة الالتفاف مثيرة للغاية لأنها تظهر بشكل رائع التفاصيل، وكيفية التجاعيد، والفقاعات، والالتواء، والتشويه، وتشكيلها بشكل غريب، والتي نأمل أن نتمكن من السيطرة عليها يوما ما".
الحلقات الصغيرة فائقة الالتفاف التي كشفت عنها صور مجهر القوة الذرية الجديدة (جامعة يورك)
علامات مبكرة للمرض
تشير الأبحاث السابقة من جامعة ستانفورد، التي اكتشفت حلقات الحمض النووي الصغيرة في الخلايا، إلى أنها مؤشرات محتملة للصحة والشيخوخة، وقد تكون بمثابة علامات مبكرة للمرض.
نظرا لأن حلقات الحمض النووي الصغيرة يمكن أن تلتف وتنحني، ويمكن أيضا أن تصبح مضغوطة جدا؛ ولذلك فإن القدرة على دراسة الحمض النووي بمثل هذه التفاصيل يمكن أن تسرع تطوير علاجات جينية جديدة، من خلال الاستفادة من كيف يمكن لحلقات الحمض النووي الملتوية والمضغوطة أن تشق طريقها إلى الخلايا.
وقالت الدكتورة سارة هاريس، الأستاذة المساعدة في كلية الفيزياء وعلم الفلك بجامعة ليدز (University of Leeds)، والتي أشرفت على البحث؛ "تنطبق قوانين الفيزياء على الحمض النووي ذي الحلقات الصغيرة تماما كما تنطبق على الجسيمات دون الذرية والمجرات. ويمكننا استخدام أجهزة الحاسوب العملاقة لفهم فيزياء الحمض النووي الملتوي؛ وهذا من شأنه أن يساعد الباحثين مثل البروفيسور زيتشيدريش على تصميم حلقات مصغرة مخصصة للعلاجات المستقبلية".