معظم مقتنياته ما زالت مفقودة وإعادة إحيائه خجولة.. متحف الموصل ينتظر العودة للحياة في ذكرى تدميره
متحف الموصل ثاني أهم متاحف العراق بعد متحف بغداد وكان يضم آثارا نفيسة لا تقدر بثمن
متحف الموصل تعرض للدمار والنهب بعد سيطرة تنظيم الدولة على المدينة عام 2014
الموصل، مدينة ربما لن يشفي واقعها الكثير ممن أرادوا لها أن تبدو عليه ما بعد عام 2014، وذلك لما يمتاز به موقعها الجغرافي بشمال العراق، من وزن إستراتيجي وجيوسياسي محوري مؤثر ومتأثر بمحيطها الدولي، ومكانة بالغة الأهمية في المشهد المحلي.
ولعل الإسهاب في سرد خصالها لن يجزي أكثر مما وصفها به شاعر العرب الأكبر محمد مهدي الجواهري حينما قال عنها:
أُم الثغور التي ناغى ملاعبها..
زاد الضُحى إذ رُبوع الشرق في الطفل
يا موصل العرق من شرقٍ تمد به..
للغرب حبلا بعرق منهُ متصل
ويا محطُّ المنى في كل مأزمةٍ..
ويا مجنُ الحمى في الحادث الجلل
ومن الوهلة الأولى في التوقف عند ما تعرضت له المدينة، منذ الغزو الأميركي للعراق عام 2003 من تدمير وتشويه لمعالمها، لم يتوقفا أيضا عند محاولات التضيق والاستهداف لكفاءاتها قبل وأثناء مرحلة سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية عام 2014 وما تلاها، فإن تلك الأحداث المتوالية تثير تلقائيا أسئلة عدة في ما إذا كان ذلك مخططا لتجريف المدينة من هويتها؟!
اليونسكو وصفت ما حدث لمتحف الموصل بالمأساة الثقافية (رويترز)
مخطط مسبق
في 26 فبراير/شباط عام 2015 بث تنظيم الدولة تسجيلا مصورا يظهر فيه اقتحام مسلحيه لمتحف الموصل بمشهد وصفته حينها منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة "يونسكو" (UNESCO)، بـ"المأساة الثقافية" وهم يحطمون الآثار القديمة داخله، والتي منها تماثيل لآلهة تعود إلى حضارات بلاد الرافدين، والثيران الآشورية المجنحة، وذلك بعد أن تعرض للنهب والتدمير قبل ذلك عام 2003.
وهذا مما لاشك فيه مخطط مسبق لطمس هوية مدينة الموصل الحدباء وإرثها الحضاري المعروف لدى العالم أجمع، وتدمير عظمة تلك الحضارات وعلى رأسها الحضارة الآشورية، كما يقول مدير متحف الموصل زيد العبيدي.
ويضيف في حديث للجزيرة نت أن "التدمير الذي حصل كان غطاء لجريمة لا يمكن غض البصر عنها وهي سرقة الآثار النفيسة من المتحف وبقية المواقع الأثرية الأخرى مثل النمرود وتل النبي يونس ومنارة الحدباء وإضاعة ملامح تلك السرقة بعمليات التدمير التي جاءت بعدها".
أغوان أكد أن تدمير المتاحف والشواهد التاريخية للموصل كان مخططا له
أطماع خارجية
هذا ما اتفق معه الباحث والمحلل السياسي علي أغوان في حديثه للجزيرة نت، قائلا "إن الموضوع كان مخطّطا له، لأن التنظيم عندما سيطر على الموصل في 10 يونيو/حزيران 2014 كان عازما خلال أيام على الذهاب نحو المتاحف والشواهد التاريخية للمدينة من أجل الاستفادة منها ماديا، وتدميرها صوريا بحجة أنها أصنام ولا يمكن لها أن تبقى".
وأضاف أغوان أنه "بالنتيجة فإن الموصل مستهدفة من قبل السياسيين وارتباطاتهم الإقليمية، وذلك حتى على صعيد ما بعد مرحلة تنظيم الدولة. إنها توفر عشرات المليارات من الفرص التي قد تظهر عبر إعادة إعمارها من خلال جسورها ومستشفياتها وبناها التحتية".
ولفت إلى أن الموصل بعد عام 2017 كانت محط أطماع الكثير من القوى التي حاولت أن تجد لها موطئ قدم بفعل الفراغ السياسي الذي تولّد نتيجة سحق القوى السياسية المحلية بسبب تنظيم الدولة.
هوية مفقودة
بفعل تلك الأحداث، أشار أغوان إلى أنه، لو تم استعراض الخارطة السياسية داخل الموصل، سنجد أن كل الأحزاب الفاعلة فيها هي دخيلة قادمة من خارج المحافظة، لضرب المكوّن الموصلّي الذي يمثّلها، مبينا أن الموصل حاليا خالية من صوت حقيقي يمثلها داخل مؤسسات الدولة العراقية كافة، حيث باتت مهمّشة ومتعَبة ومسروقة الجهود والإمكانيات والموارد، وفق تعبيره.
وهكذا تحولت أم الربيعين من مركز علمي وثقافي، إلى كومة دمار تحيطه الفوضى وانعدام القرار، حيث ما زال الكثير من أهلها نازحين وفقدت الكثير من رموزها، وحتى متحفها التاريخي ما زال يعاني الأمَرّين، إذ ما زالت 70% من مقتنياته مفقودة وفق التقارير، وما زالت عملية إعادة إحيائه خجولة.
وفي هذا الشأن يقول العبيدي مسؤول المتحف، "قد وجهنا رسائل نداء إلى العالم أجمع من خلال وزارة الثقافة والهيئة العامة للآثار والتراث العراقية، وكانت هناك ردود أفعال عالمية تمثلت بمد يد العون لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، حيث كانت هناك مبادرة مؤسسة التحالف الدولي لحماية التراث في مناطق النزاع "ألِف" (ALIPH)، إذ كان لمتحف الموصل نصيب بأن يكون أول المشاريع التي طرحت على طاولة نقاش مجلسها".
جانب من فعالية أقيمت قبل عدة أشهر في متحف الموصل
بعدان تاريخي ومجتمعي
يعد المتحف ثاني أكبر وأقدم متاحف العراق، بعد المتحف الوطني ببغداد، وكان قد أنشئ عام 1952، قبل أن يتم تطوير مبناه عام 1972، ويضم 4 قاعات كبيرة لعرض تحف أثرية يعود تاريخها لعصور وحضارات قديمة كالآشورية، كما يضم آثارا إسلامية، فضلا عن مكتبة عامة تحوي مخطوطات وكتبا مختلفة لعدد من الأساتذة والباحثين.
لقى مسروقة من آثار الحضر في الموصل
كما يضم قطعا أثرية من الحقبة الهيلينية التي سبقت المسيحية بـ3 قرون، فضلا عن قطع صغيرة متنوعة تعود إلى القرن التاسع قبل الميلاد، عُثر عليها في القصور الملكية بمدينة نمرود الأثرية بجنوب شرقي الموصل، والتي تم تدميرها أيضا.
ولم يقتصر دور المتحف على عرض الآثار والمقتنيات القديمة فحسب، بل شهدت قاعاته ومكتبته الغنية عشرات الأنشطة الثقافية والفنية، التي أسهمت بتعزيز الواقع الثقافي للمجتمع في المدينة.