لقد تعوّد أغلب المسلمين الصائمين على الإفطار بمجرد سماعهم لمدفع الافطار (هو مدفع يُستخدم كإعلان عن موعد الإفطار ، يُعرض قبل أذان المغرب على التلفزيون العربي) ، أما باقي المُسلمين فيفطرون مباشرةً بعد سماع الأذان . فهل سأل أحدٌ نفسه : هل مدفع الافطار الذي يعرضه التلفاز وأذان المغرب الذي يرفعه المؤذن ، يستند وقته على دخول الليل أم عند غروب الشمس ؟
فإذا كان الوقت قائماً على أساس غُرُوب الشمس فإنّ الافطار حينها لا يصحُّ أبداً ! وإنّما هو وقت الصلاة وليس وقت الافطار . إذ يقول الله عز وجل في الآية (187) من سورة البقرة : ﴿ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ﴾ . ولم يقل (إلى غروب الشمس) . مع أنّ الله يستخدم لفظ الغروب في موضعين في القرآن ، قَالَ تَعَالَى : ﴿وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ﴾-[سُّورَةُ ق : 39.] ، ومرةً في قوله تعالى : ﴿قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا﴾-[سُّورَةُ طه : 130.] .
وإنّما وقت الافطار الصحيحُ هو الذي يقوم على دخول الليل ؛ لقوله تعالى ﴿ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ﴾ - [سُّورَةُ الْبَقَرَةِ : 187.] . والكُلُّ يعرف مدى دقة القرآن في أختيار الأوقات ، فقد قسم الله الأوقات في كتابه الكريم إلى : (صبح ، فجر ، ضحى ، ظهر وعصر (وَحِينَ تُظْهِرُونَ / دُلُوكِ الشَّمْسِ) ، مغرب ، ليل ...ألخ)
فلم يقل الله : (ثم أتموا الصيام إلى "الغروب") !
بل قال تعالى : ﴿ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ﴾ .
وهو المُسمى بوقت (الغسق الملاحي "البحري") .
- - - - - - -
عَنْ رَسُولِ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) قَالَ :
إِذَا أَقْبَلَ اللَّيْلُ مِنْ هَا هُنَا ، وَأَدْبَرَ النَّهَارُ مِنْ هَا هُنَا ، وَغَرَبَتِ الشَّمْسُ فَقَدْ أَفْطَرَ الصَّائِمُ .
الراوي : عمر بن الخطاب | المحدث : البخاري | المصدر : صحيح البخاري .
الصفحة أو الرقم: 1954 | خلاصة حكم المحدث : [صحيح] .
بقية المصادر : الدر المنثور ج 1 ص 361 ط دار الكتب العلمية والمصنف لابن أبي شيبة ج 2 ص 429 وكنز العمال ج 8 ص 509 وصحيح مسلم بشرح النووي ج 7 ص 209 والجامع الصغير ج 1 ص 34 ط دار الكتب العلمية وصحيح البخاري شرح فتح الباري ج 4 ص 159 ومسند أحمد ج 1 ص 28 و35 و48 و54 وج 4 ص 380 وسنن أبي داود والسنن الكبرى ج 4 ص 216 .
تبيّن أنّ وقت افطار الصائم يحتاج إلى تحقق ثلاثة شروط :
1- أقبال الليل .
2- أدبار النهار .
3- غياب الشمس .
ونُلاحظ أنّ النبي محمد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) لم يكتف بذكر غروب الشمس وغيابها وإنّما اشترط تحقق أمرين معها وهما : (ذهاب النهار وإقبال الليل) . وذهاب النهار واضح مقصوده منه وهو ذهاب ضوئه ونوره ، وإقبال الليل اشارة الى الظلمة من جهة المشرق ، وهذا عين ما يشترطه أهل البيت (عليهم السلام) في دخول وقت المغرب من ذهاب الحُمْرة المشرقية :
عَنْ الْإِمَامِ الصَّادِقِ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) قَالَ :
وَقْتُ سُقُوطِ الْقُرْصِ وَ وُجُوبِ الْإِفْطَارِ مِنَ الصِّيَامِ أَنْ تَقُومَ بِحِذَاءِ الْقِبْلَةِ وَ تَتَفَقَّدَ الْحُمْرَةَ الَّتِي تَرْتَفِعُ مِنَ الْمَشْرِقِ ، فَإِذَا جَازَتْ قِمَّةَ الرَّأْسِ إِلَى نَاحِيَةِ الْمَغْرِبِ فَقَدْ وَجَبَ الْإِفْطَارُ وَ سَقَطَ الْقُرْصُ .
المصدر : (الوسائل : ج10، ص124، عن الكافي.)
- - - - - - -
فلماذا لم يقل الله : (ثم أتموا الصيام إلى الغروب) ؟
ما هي الحكمة من ذلك ؟ قد تكون الحكمة في ذلك هي نزول ملائكة الليل وعروج ملائكة النهار والله أعلم . أيضاً استيفاء فوائد الصوم كاملةً غير ناقصة لجسم الإنسان ، ومن فوائد الصوم : تخفيض الكوليسترول وضغط الدم . تخفيف اضطرابات الألم المزمنة مثل الروماتيزم . إزالة السموم من الجسم ، وهو ما يتيح إمكانية تعافي الكبد وخاصةً الكبد الدهني . تصغير حجم المعدة مع تعافي الغشاء المخاطي ، تماماً كما هو الحال في الأمعاء ، ويحدُّ من انتشار الفلورا المعوية أو ما يُسمى بـ"نبيت جرثومي معوي" . تخفيض الأنسولين والسكر في الدم ، وذلك لراحة البنكرياس من العمل كما تصبح خلايا الجسم أكثر حساسية للأنسولين ، وهو ما ينعكس إيجاباً على صحة مرضى السكري . الوقاية من الخرف وأمراض العقل ، فهو يشجع على تجدد الخلايا العصبيّة ، بالإضافة إلى ذلك فإنّ الامتناع عن تناول الطعام لأوقات مُعينة يؤدي إلى تحسين الحالة المزاجية كما أظهرت بعض الدراسات العلميّة . تعزيز الدورة الدموية وعمليّة التمثيل الغذائي للأنسجة الدهنيّة ، إذ تفتح الخلايا الدهنية (خاصةً تلك الموجودة تحت الجلد والمعدة) أقفالها وتبدأ بالذوبان ، إذ تتحول جزيئات الدهون إلى كيتونات عاليّة الطاقة أثناء الصيّام . كما أن الامتناع عن الطعام بشكل معتدل والتمرين الرياضي البسيط يمكن أن يزيد من أداء عضلة القلب على سبيل المثال .
- - - - - - -
ما جزاء من يفطر قبل الوقت الصحيح ؟
عَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ قَالَ :
سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ [وِآلِهِ] وَسَلَّمَ) يَقُولُ :
بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ إِذْ أَتَانِي رَجُلَانِ فَأَخَذَا بِضَبْعَيَّ فَأَتَيَا بِي جَبَلًا وَعْرًا فَقَالَا لِيَ : « اصْعَدْ » فَقُلْتُ : « إِنِّي لَا أُطِيقُهُ » ، فَقَالَا: « إِنَّا سَنُسَهِّلُهُ لَكَ » ، فَصَعِدْتُ حَتَّى إِذَا كُنْتُ فِي سَوَاءِ الْجَبَلِ إِذَا أَنَا بأَصْوَاتٍ شَدِيدَةٍ فَقُلْتُ : « مَا هَذِهِ الأَصْوَاتُ؟ » قَالُوا : « هَذَا عُوَاءُ أَهْلِ النَّارِ » ، ثُمَّ انْطُلِقَ بِي فَإِذَا أَنَا بِقَوْمٍ مُعَلَّقِينَ بِعَرَاقِيبِهِمْ ، مُشَقَّقَةٌ أَشْدَاقُهُمْ ، تَسِيلُ أَشْدَاقُهُمْ دَمًا ، قُلْتُ : « مَنْ هَؤُلَاءِ؟ » قَالَ : « هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يُفْطِرُونَ قَبْلَ تَحِلَّةِ صَوْمِهِمْ » . أخرجه ابنُ خزيمة (١٩٨٦) ، وابنُ حبَّان (٧٤٩١) ، والحاكم (١٥٦٨) ، والبيهقيُّ (٨٠٠٦) ، وصحَّحه الألبانيُّ في السلسلة الصحيحة (٣٩٥١) .
فهذا يعني أنهم يفطرون قبل تحلة صومهم أي قبل دخول الليل الذي نصّ عليه القرآن . وبالنسبة لحديث : (عجلوا الفطر وأخروا السحور) ، فهذا الحديث ضعيف وليس معناه عدم الانتظار لأن تتم الصيام إلى الليل التي أمر بها القرآن والنبي المختار ! وإلّا تكون من الذين والعياذ بالله من الذين يفطرون قبل تحلّة صومهم .